حوارات و تقارير

خبيرة في التراث تكشف العلاقة بين “باب زويلة” وقبيلة “زويلة” المغربية

أسماء صبحي 

باب زويلة ليس ككل الأبواب، ولكنه باب له خصوصية وتاريخ يميزه عن غير من أبواب القاهرة الفاطمية. فمن هذا الباب دخل الخليفة الفاطمي المعز لدين الله القاهرة. وبدخوله من هذا الباب تحولت مصر من مجرد ولاية تابعة للخلافة العباسية. إلى مقر للخلافة الفاطمية ومركز لحكم امبراطورية كبيرة عمرت أكثر من مائتي عام.

بناء باب زويلة

وتقول علياء داوود، خبيرة في التراث، إن باب زويلة هو أحد أبواب القاهرة الفاطمية في السور الجنوبي. شيده جوهر الصقلي عندما أحاط القاهرة بسور، وكان بناءه من الطوب اللبن وذلك عام 358هـ. ثم جاء الوزير الأرمني بدر الدين الجمالي في عام 480هــ، وقام بهدم أسوار القاهرة القديمة وعمل على زيادة مساحة المدينة وشيد الأسوار وبواباتها من الأحجار. ومن بين تلك الأبواب التى أعيد بنائها بالحجر باب زويلة.

وأضافت علياء، أن باب زويلة كان بابين وليس باب واحد، حتى ذكرته بعض المصادر باسم بابا زويلة. إلا أن المعز لدين الله عندما قدم إلى مصر دخل من باب فتفائل الناس بالدخول والخروج منه وتركوا الباب الآخر الذي سد فيما بعد. وأشار المقريزي في خططه لباب زويلة، أن الباب الأصلي كان يتكون من قنطرتين. وكانت إحداهما يسمى باب القنطرة، وكان هذا الباب الذي دخل منه المعز حينما جاء إلى القاهرة. وحذا حذوه الناس جميعاً، أما القنطرة الثانية أو الباب الثاني فكانت تعتبر شئوما. ومن ثم لم يكن يعبر منها أحد، وأن الباب الثاني لم يعد له وجود وليس هناك أي أثر له.

وأشارت علياء، إلى أن بوابة زويلة تتكون من برجين كبيرين مستديرين مصمتين لنحو ثلثيهما. ويشغل الثلث الأخير من كل برج حجرة للدفاع. ويحصر البرجان بينهما مساحة تنتهى بفتحة الباب الذي يغلق عليه باب ضخم من الخشب المصفح بالحديد. ويفضي هذا الباب إلى مساحة مغطاة بقبة ضحلة محمولة على مثلثات كروية.

أسماء باب زويلة

وأوضحت الخبيرة في التراث، أن باب زويلة عرف بأسماء كثيرة. ودرات حول هذا الباب الكثير من الحكايات التي يرقى بعضها إلى الحودايت والأساطير. فقد أطلق عليه اسم باب زويلة نسبة إلى قبيلة “زويلة” المغربية التي جاءت إلى مصر صحبة جيش جوهر الصقلي، واستقرت فى هذا المكان. وعندما شيد الباب نسب إليهم وعرف بهم.

وتابعت: “كما عرف هذا الباب باسم بوابة المتولي، وقيل في هذا الكثير من الكلام. منها أن هذة التسمية نسبة إلى القطب المتولي وهو ولي من أولياء الله. وكان للناس فيه اعتقاد وله كرامات، وقيل أنه مدفون في هذا المكان وكانت الناس تتبرك به. وقيل أيضاً أن الباب عرف بالمتولي نسبة لجلوس متولي الحسبة الذي يقوم بتحصيل الرسوم من التجار الذين يدخلون مدينة القاهرة”.

أهمية البوابة

وأكدت أن البوابة اشتهرت بين العامة باسم بوابة المتولي، وعرفت فى المصادر والمراجع المختلفة باسم باب زويلة. وهو أشهر أبواب القاهرة الفاطمية، بل هو أشهر أبواب مصر المحروسة على الإطلاق. لما ارتبط به من حكايات وحوداث تاريخية كان لها أبلغ الأثر في تاريخ مصر المحروسة والمصريين.

وقالت إن أهمية هذا الباب ترجع إلى أنه كان البوابة الذي دخل منها أول خليفة فاطمي. وهو المعز لدين الله، والذي بدخوله إلى القاهرة أصبحت مصر مقرًا للخلافة الفاطمية منذ عام 361هــ وحتى عام 567هــ. وفي العصر المملوكى زادت أهمية هذا الباب وأصبح علامة مميزة على جبين القاهرة المملوكية. وخاصةً في بداية العصر المملوكي البحري. وبالتحديد فى عصر السلطان قطز، والذي استغل هذا الباب في تعليق رقاب رسل التتار. والذين جاءوا إلى القاهرة حاملين رسالة قوية ومرعبة لقطز والمماليك مما جاء فيها: “لقد خلقنا الله من سخطه وسلطنا على من حل عليه غضبه. فاتعظوا بغيركم فإنا لا نرحم من بكى ولا نرق لمن شكا”.

وقالت: “هذة رسالة التتار غلاظ القلوب إلى قطز والمماليك. وكانوا يأملون أن يصيب الفزع والرعب قلوب المصريين ويسلموا ويستسلموا..ولكن هيهات فقد كان رد قطز عليهم غير متوقع، حيث قطع رقاب مبعوثيهم وعلقها على باب زويلة. وبذلك أرسل إليهم رسالة قوية ما زال باب زويلة يحملها لكل من تسول له نفسه العبث بمصر أو التقليل من شأن المصريين. ومن هذا التاريخ أصبح لباب زويلة شهرة فى تعليق الرقاب عليه”.

واستطردت: “كما أصبح لباب زويلة شهرة كبيرة في العصر المملوكى الجركسي. وذلك بعد أن استغله السلطان المؤيد شيخ كقاعدة لبناء مئذنتي مسجده. وبعد بناء المئذنتين فوق الباب أصبح الباب مميزًا وأخذ شكلًا جميلًا لم يتكرر بعد ذلك في العمارة الاسلامية في مصر”.

سقوط دولة المماليك

وكما شهد باب زويلة تحول مصر من ولاية إلى مقر للخلافة الفاطمية. فقد شهد أيضاً سقوط دولة المماليك، والتى حكمت مصر أكثر من مأتين وخمسون عاماً. فقد احتدم الصراع بين العثمانيين والمماليك وهزم العثمانيون المماليك في مرج دابق عام 1516م. وقتل السلطان الغوري وتولى السلطنة بعده أبن أخيه الأشرف طومانباي. وكان فارسًا قوياً شجاعاً رفض الاستسلام لسليم العثماني وأصر على المقاومة. وتمكن من تكبيد العثمانيين الكثير من الخسائر حتى تمكن منه العثمانيين بعد أن خانه بعض من المحيطين به.

وتم القبض عليه وسيق إلى باب زويلة لينفذ فيه حكم الاعدام شنقاً وسط جموع الناس. حيث طلب منهم طومانباي أن يقرأو له الفاتحة ثلاث مرات، وتم إعدامه وتعليق رقبته على باب زويلة. وبموت طومانباي عادت مصر مرة أخرى ولاية تابعة للعثمانيين. وشهد باب زويلة نهاية عصر وبداية عصر وسقوط دولة المماليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى