«سوق البدو القديم» في معان.. مخزن للحكايات ومفتاح تجارة الشام والحجاز
أميرة جادو
سوق معان القديم، أو سوق البدو القدبم، فالبدو هم المرتادون الرئيسيون للسوق بيعا وشراء وتبادلا للسلع البسيطة عن طريق المقايضات.
كان التجار يستوردون بضائعهم من الشام وفلسطين ومصر وينتظرون القطار لتسلمها ونقلها على الدواب إلى السوق القديم
مارست النساء التجارة من خلال دكاكين صغيرة في منازلهن.
تأسيس سوق معان القديم
يعتبر من المعالم الرئيسية القديمة في مدينة معان، بدأ تأسيسه في أوائل القرن التاسع عشر وقد أضيفت إليه بنايات كثيرة في نهايات القرن التاسع عشر.
ويمتد هذا السوق القديم من قلعة السرايا العثمانية نحو الشمال بطول كيلومتر واحد تقريبا، وتتوزع على جانبيه الحوانيت والدكاكين الصغيرة والمقاهي والورش الحرفية كما تتفرع منه الأزقة التي تؤدي إلى مناطق سكنية أو أزقة بحوانيت تجارية أيضا.
حوانيت سوق البدو
وبنيت حوانيت السوق سابقا من الطين، وبواجهات حجرية وأحيانا أخرى من دون واجهات، بل يكتفى باللبن المجفف وهو المادة التي توفرها الطبيعة في معان وحيث تصطف على جانبي الشارع الممتد تلك الحوانيت العتيقة بأحجارها الجميلة، تعلوها الأقواس الحجرية تارة وتارة أخرى تخلو منها.
سكان معان يصفون السوق القديم بأنه كان معلما تجاريا واجتماعيا يجمع بين الانماط الاجتماعية المختلفة في شرق الأردن من بدو وفلاحين وحضر وحرفيين ومهاجرين.
ولاحقا أضيفت إلى السوق الكثير من البنايات في بدايات القرن العشرين، فالشارع ممتد مرصوف بالحجارة المصقولة يمتد من الجنوب إلى الشمال أطلق عليه عدة مسميات منها السوق القديم أو سوق معان أو سوق البدو أو سوق عقيل نسبة إلى قبائل عقيل القادمة من نجد التي كانت ترتاد هذا السوق وتقيم فيه أسابيع تمهيدا لمتابعة مسيرها نحو بلاد الشام لتبيع أصوافها وألبانها ومواشيها.
وكان تجار معان يستوردون بضائعهم من الشام وفلسطين ومصر، وينتظرون القطار ليتسلموا بضائعهم ومن ثم يتم نقلها على الدواب الى السوق القديم وكان بعضهم يسافر إلى الشام ويشحن بضاعته من هناك بواسطة القطار.
سوق يجمع أهالي البادية والفلاحين
البدو هم المرتادون الرئيسيون لهذا السوق منذ القدم وحتى يومنا هذا، واعتادت المجموعات البدوية ارتياده بيعا وشراء وتبادلا للسلع البسيطة، عن طريق المقايضات.
كان البدو يجلبون الى السوق الصوف والشعر والألبان والماشية والإبل لبيعها ويبتاعون البن والتبغ والسلاح والأقمشة والتمور ومستلزماتهم المعيشية لهم ولدوابهم وإبلهم من شعير وأعلاف وغيرها.
كما كان يجلب الفلاحون القمح والشعير والحبوب والخضراوات والفواكه ومشتقات الألبان.
واعتاد زوار السوق على الاستجمام في تلك الواحة فيريحون إبلهم او يحبسونها في زرائب كبيرة كانت معدة لهذا الغرض يعدها التجار الكبار في معان لزبائنهم البدو الدائمين.
تاريخ سوق البدو القديم
ويخزن المعانيون منتجات زبائنهم الدائمين من بدو وفلاحين ويسمونهم الطنايب ويقولون هؤلاء طانابانا أو طنبنا، وعادة ما تكون تلك المنتجات حبوبا أو سمنا أو لبنا أو غيره.
لكل مجموعة من البدو عميل أي تاجر يتعاملون معه وقد يعقد بعض البدو الأثرياء صفقات تجارية كالمضاربة بينهم وبين تجار معان.
ومن ذلك كان الشيخ محمد الدحيلان أبو تايه أحد شيوخ قبيلة الحويطات يعقد مثل هذه الصفقات بينه وبين تجار معان الذين يتاجرون ويتنقلون بين فلسطين والشام ومصر.
كما كان أهالي معان يضعون بضائعهم في منازلهم الكبيرة ويخزنونها وأحيانا يسمونها خزين. وأدى انتشار الحوانيت إلى أن يستقل كل تاجر بحانوت أو أكثر. وكانت النساء أيضا يمارسن التجارة من خلال دكاكين صغيرة في منازلهن، كما وجد ما يسمى بالبائع المتجول الذي يحمل الشنطة الكبيرة ويدور بين الأحياء ليبيع للنساء كما وجدت البائعات في مرحلة متقدمة ولغاية السبعينيات وكانوا يطلقون عليهن البياعات وكان عدد كبير من نساء الشام يمارسن التجارة في معان حيث إن الكثير من المعانيين كانوا يتزوجون من بلاد الشام.
واشتهرت بعض العائلات المعانية بالتجارة منذ أواخر القرن التاسع عشر منها أسرة آل شموط وهي أسرة شامية الأصل عريقة في التجارة كانت تحترف التجارة و آل أبو صالح وهم تجار قدماء وآل أبو طويلة.
وهؤلاء كانوا في عمارة الارناؤوط وما خلفها وهي عمارة حجرية بناها الأرناؤوط وبعض الأرمن الذين نزحوا إلى جنوب الأردن في بدايات القرن العشرين.
أشهر تجار سوق البدو القديم
ومن أشهر التجار الذين كانوا في هذا السوق قديما الصلاحات أو آل صلاح الذين يعتبرون من كبار التجار القدماء وامتلكوا غالبية الدكاكين في سوق معان إذ كانت مساكنهم ملتصقة في السوق من الجهتين الغربية والشرقية.
وكانت بعض دكاكينهم تفتح على بساتين خاصة ومن التجار افراد من الكراشين وهناك عائلة التلهوني، وهم من كبار التجار آنذاك فخليل التلهوني كان يتعهد بتنظيم الصفقات التجارية أيام الدولة العثمانية ويؤمن القطارات بكثير من احتياجاتها وكان يسمى شيخ قافلة معان.
كما كانت منازل التلاهنة ملاصقة للسوق من الجهة الغربية حيث توجد قهوة التلهوني قرب البلدية القديمة وهناك وجدت دكاكين آل الشاويش وهم من تجار الشوبك يليهم آل أبو جري الذين كانت لهم تجارة واسعة ودكاكين وأنعام، ووجد بعض تجار العقايلة في أسفل السوق وكانوا على درجة من الثراء.
وقد كان بعض البدو المستقرين في معان يمارسون التجارة مع المعانية ومنهم الشيخ محمد بن الدحيلان أبو تايه والشيخ محمد عودة أبو تايه.
الشوام والاكراد
وحضر شوام في السوق القديم منذ العشرينيات ومارسوا مختلف الحرف والمهن ومنهم أبو عربي جميل أبو صياح الشامي وأيضا عبد الرؤوف الشامي وتوفيق الشامي. وهؤلاء قصابون قدامى في ذلك السوق والقصابة كانت حرفة محترمة في ذلك الزمن حيث يقوم القصاب ويسمونه اللحام، ببيع لحوم الضأن والماعز والإبل والعجول ويتم ذبح الماشية في مسلخ معان وهو قديم يعود إلى العهد التركي وهناك قصابون آخرون من معان سواء في الشامية أو سوق الحجازية وقد كان العديد من الأهالي والقصابين يشتركون في شراء الذبيحة ويتقاسمونها بينهم فالجمل أو العجل يشترك فيه مجموعة من القصابين أو غيرهم ويتقاسمونه في المسلخ وبعضهم يشترك في الذبيحة إذا كانت من الماعز أو الضأن كما كان البدو من قبيلة الشرارات يبيعون الظباء والارانب ومادة الجلة في ذلك السوق ويشترون بثمنها كافة احتياجاتهم.