وراء كل مثل حكاية.. قصة “العين بصيرة واليد قصيرة” بطلها الأصمعي

أميرة جادو
تتميز الأمثال الشعبية بأنها مختصرة وسهلة التذكر، مما يجعلها وسيلة فعالة للتعبير عن مواقف حياتية متعددة، ومن بين هذه الأمثال المثل الشهير “العين بصيرة واليد قصيرة”، الذي يعبر عن حالة يرغب فيها الشخص في تقديم المساعدة أو تحقيق أمر ما، لكن إمكانياته المحدودة تقف عائقًا أمامه، ويحمل في طياته معاني الكرم والعجز في الوقت ذاته.
حكاية المثل الشعبي “العين بصيرة واليد قصيرة”
في أحد الأيام، قصد الأصمعي رجلًا معروفًا بكرمه وطيب نفسه. كان الأصمعي يتوق للقائه، لكن الحاجب الذي يقف عند باب الرجل منعه من الدخول. شعر الأصمعي بالدهشة وتوجه إلى الحاجب قائلًا: «لماذا تمنعني؟ أليس سيدك من أكرم الرجال؟». ابتسم الحاجب وأجاب: «يا أصمعي، ما منعتك لقلة تقدير، بل لأن سيدنا رجل قليل المال هذه الأيام، وقد آثر أن لا يُقابل أحدًا حتى لا يُشعره بعجزه عن العطاء».
تأثر الأصمعي بكلمات الحاجب وأخرج ورقة صغيرة كتب فيها: “إذا كان الكريم له حجاب، فما فضل الكريم على اللئيم؟”. ناول الحاجب الورقة وقال له: “أوصل هذه الرسالة لسيدك”. دخل الحاجب وأعطى الورقة لسيده، الذي ما إن قرأها حتى شعر بجرح عميق في قلبه. فأخذ القلم وكتب على ظهر الورقة: “إذا كان الكريم قليل مال، فليحجب بالحجاب عن الغريم”.
الكرم يصل إلى مجلس الخليفة
لم يكتفِ الرجل بذلك، بل أمر بإرسال صرة فيها 500 دينار للأصمعي عبر الحاجب. عندما تسلم الأصمعي الصرة، فرح بها وقال لنفسه: “والله لأتحفن الخليفة المأمون بهذا الخبر”. اتجه الأصمعي إلى مجلس الخليفة المأمون وروى له القصة بأكملها، وعرض الرقعة والصرة على الخليفة. تعجب الأخير من عظمة الرجل الكريم، وأمر بإحضاره على الفور.
اللقاء مع المأمون
عندما حضر الرجل أمام الخليفة، سأله المأمون: «أما أنت الذي شكوت بالأمس قلة الحال فأعطيناك صرة لتصلح بها شأنك؟ كيف تعطيها للأصمعي بعد أن طلب بيتًا من الشعر؟». رد الرجل قائلًا: «نعم يا أمير المؤمنين، لكن استحيت أن أرد قاصدي دون حاجة قضيتها له». هزت كلمات الرجل قلب المأمون، فقال له: «ما ولدت العرب أكرم منك»، وأمر بضمه إلى جملة ندمائه، مكافئًا إياه على كرم النفس رغم قلة المال.
والجدير بالذكر أن قصة الرجل الكريم أصبحت مصدر إلهام، وانتشر المثل الشعبي “العين بصيرة واليد قصيرة” ليُضرب به في وصف من يملك نية العطاء والكرم ولكنه يفتقر إلى القدرة المادية. هذه القصة تبرز أن الكرم الحقيقي لا يرتبط بالمال، بل بالنوايا الطيبة والحياء من ردّ القاصدين خائبين.