البطل مرعي حماد.. تمساح النيل ووحش المانش
أسماء صبحي
يعتبر سجل السباحين الذين عبروا المانش حافلاً بأسماء عدد من الأبطال المرموقين من بينهم البطل مرعي حسن حماد. فكان البطل المصري إسحاق حلمي أول سباح يعبر المانش عام 1928م، وعبر بعده كثيرون يتقدمهم حسن عبد الرحيم، ابن قبيلة “المعابدة” بمحافظة أسيوط الذي عبر المانش لأول مرة عام 1948م. ثم عبر المانش من إنجلترا إلى فرنسا عام 1949م، ومن فرنسا إلى إنجلترا عام 1950م. كذلك عبر المانش البطل مرعي حسن حمّاد عامي 1949م و1951م. وعبر البطل عبد اللطيف أبو هيف المانش عام 1951م، كما عبر المانش كل من عبد المنعم عبده، ومحمد بكر، وسيد العربي عام 1952م.
نشأة البطل مرعي حماد
ولد البطل مرعي حسن حمّاد في 11 من أغسطس 1917 بقرية بني فيز مركز صدفا. وتعلم السباحة صغيرًا في نيل مصر في قرية بني فيز، وتطوع في الجيش وألحق بالحرس الملكي. اختار له الملك فاروق الأول خبيرًا فرنسيًا ليدربه علي السباحة.
أول محاولته في السباحة، كانت عندما ألقى بنفسه في الترعة الواقعة أمام داره في قرية فيز كانت وهو طفل لم يتعد السادسة من عمره. وكان لا يعرف السباحة وكاد أن يغرق وأخذ يصرخ ويستنجد بالمارة لإنقاذه، ومن مفارقات القدر أن أخاه الأكبر – وكان كفيفًا – هو الذي أنقذه. فعندما سمع استغاثته مد يده وغاصت قدماه في الماء لينقذ أخاه الذي كتب له أن يرفع اسم مصر عاليًا في المحافل الدولية فيما بعد.
عندما بلغ مرعي حمّاد التاسعة عشر من العمر انتقل ليعوم في النيل. وقد جاء طلب استدعائه لأداء الخدمة العسكري (الجهادية)، وأراد والده أن يدفع “البدل” حتي يتم إعفاء ابنه من التجنيد. ولكن مرعي رفض، وتم تجنيده في الحرس الملكي بقصر عابدين.
تعلمه أصول السباحة
تعلم مرعي أصول السباحة علي يد المسيو نور المدرب الفرنسي للملك فاروق، الذي أتاح له فرصة الاشتراك في أول مسابقة بين حراس القصر الملكي فحصل علي الكأس. وبعدها شارك في بطولة مصر للسباحة الطويلة برأس البر بدمياط، وتفوّق علي السباحين المصريين وبعض السباحين من السويد واليونان وألمانيا عام 1942. ثم واصل انتصاراته ففاز ببطولة مصر عامي 1944 و1945م.
بطولات مرعي حماد العالمية
اجتاز سباق النيل الدولي وبحر دمياط وحصل على المركز الأول، كما اجتاز سباق الإسكندرية سنة 1944م – 1956م. واجتاز سباحة بحر المانش بين فرنسا وانجلترا والعكس عام 1943م، ومسافة هذا السباق 37 كم، ويصل طول السباق مع المد والجزر القوي إلى أكثر من 80 كم متر سباحة. وجميع هذه المسابقات منافسات بين دول العالم العربي والأوروبي والأمريكي، وحصل على المركز الأول في جميعها.
لقب بـ “وحش المانش” ثم “مارد المانش” وذلك عامي 1948 و1949م. ولم يتسلم مرعي الجائزة الأولى لعبور المانش وقدرها ألف جنيه استرليني بعد أن أمر الملك فاروق برفض استلام الجائزة لوجود خلاف سياسي بينه وبين الملكة اليزابيث.
عبر المانش مرتين عام 1950، الأولى بتنظيم من جريدة ديلي ميل. وكان عدد السباحين 25 سباحاً وحصل على المركز الأول ووضع علم مصر علي أرض بريطانيا. كما فاز بسباق المانش مرة أخرى عام 1950م بين شاطئي دانجنيس إلي فولكستون على ساحل المانش لمسافة 37كم. وقد أعد السباق النادي الملكي المصري بلندن، وضرب فيه الرقم القياسي مسجلا 5 ساعة 35 دقيقة وكان الرقم الأول المسجل 7 ساعات.
في عام 1951، عبر المانش ذهابًا وإيابًا في سباق عالمي ضم سباحين من أمريكا وفرنسا وانجلترا والاتحاد السوفيتي والدول العربية. وكان عددهم يزيد عن 25 سباحًا وحصل علي المركز الأول وجائزة قدرها 1000 جنيها التي خصصتها جريدة الديلي ميل البريطانية. ووضع علم مصر على أرض بريطانيا للمرة الخامسة وكان عمره 37 عامًا.
فوزه في سباق نهر السين
في أعوام 1952، 1953، 1954م فاز بسباق نهر السين، ولعدد ثلاث مرات استمر بطلاً للعالم في السباحة منذ عام 1943م وحتي عام 1956 جاء في المركز الأول ولقب بـ “تمساح النيل”. وفي عام 1955م فاز بسباق كابري بايطاليا ثلاث مرات متتالية، وجاء في المركز الأول وخصص له تمثال وشارع باسمه بايطاليا، وفي نفس العام 1955م فاز بسباق صيدا بلبنان بالمركز الأول بسباحة 12 ساعة وأربعون دقيقة.
الأوسمة وشهادات التقدير
أهدته الحكومة المصرية منزلاً هو وزميله حسن عبد الرحيم في شارع بمصر القديمة أطلق عليه اسم شارع السباحين. وحصل على كأس ذهبية من السيدة حرم رئيس الأرجنتين، كما حصل على كأس فضية من قنصل بلجيكا بفرنسا، وحصل علي العديد من الأوسمة وشهادات التقدير من الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك. وظل يرتقي في السلم العسكري وأحيل للتقاعد برتبة اللواء.
وفاة البطل مرعي حماد
يعتبر مرعي حمّاد من الجيل الأول الذي رفع رأس مصر عاليا في مجال سباحة المسافات الطويلة. لقد سبح مئات الكيلومترات محافظا علي لقب قاهر المانش، واستطاع بذراعيه أن يحفر اسمه علي صفحة الماء. واستحق أن يكون بطلاً من أبطالا مصر الذين أنجبتهم محافظة أسيوط.
في أوائل الستينات اعتزل البطل مرعي حمّاد السباحة الطويلة. وبمرور الوقت طواه النسيان وظل بمنزله إلى أن اشتد عليه المرض الذي أقعده. وانتقل البطل السباح العالمي ابن قرية بني فيز مركز صدفا بمحافظة أسيوط إلي رحمة الله في 5 فبراير 1991م بمستشفي القوات المسلحة بكوبري القبة بالقاهرة.