قصة حب منعت هدمه.. بيت الكريتلية وحكاية جاير أندرسون
أسماء صبحي
بيت الكريتلية، أو متحف جاير أندرسون، أو بيت الجزار، أو منزل أمنة، كلها أسماء لنفس المكان. وهو المنزل الأثري البديع المتواجد بين حي السيدة زينب والخليفة بجوار مسجد أبن طولون.
في القرن السادس عشر، وفوق جبل يشكر في السيدة زينب وبجوار مسجد أحمد بن طولون. قرر المعلم عبد القادر الحداد في عام 1540م أن يبني بيتاً فوق هذا الجبل، وبعدها بما يقرب من القرن، وتحديدا في عام 1642. قام الحاج محمد الجزار أحد الأعيان ببناء منزل أخر أكبر حجمًا وأجمل في المعمار والزخرفة.
مع مرور السنين وفي بداية القرن التاسع عشر، تم بيع بيت الجزار لسيدة من جزيرة كريت، وبيت الحداد لسيدة من الصعيد وهي أمنة بنت سالم. ومن هنا سمي المكان ببيت الكريتلية أو بيت أمنة، إلا أن الزمن كان قد أثر على جمال البيتين وتهدم معظم أماكنهما وساءت حالة البيتين.
قصة حب
في الفترة من 1930 حتى 1935م، قررت الحكومة المصرية هدم البيتين أثناء مشروع التوسعه حول جامع أحمد ابن طولون. ولكن كان هناك ضابطاً وطبيباً إنجليزيًا يقيم في مصر يدعى جاير أندرسون. كان يمر أمام البيت في شبابه ليرى فتاة مصرية تقف بالبرقع في المشربية فوقع في حبها في صمت لم يفصح عنه.
لما سمع عن قرار الحكومة المصرية بهدم البيتين، تقدم لها بعرض أن يقوم بترميم البيتين ويسكن بهما. وأنه سيمد البيتين بمجموعته الأثرية من التحف والآثار التي يعشقها، منها تحف اسلامية وصناعات عربية. ومقتنيات من الصين، وفارس، والقوقاز، وآسيا الصغرى والشرق الأقصى. إضافة إلى بعض التحف من أوروبا، على أن يصبح هذا الأثاث ومجموعته من الآثار ملكاً للشعب.
قام أندرسون بصرف مبالغ طائلة على ترميم المنزلين على نفس طرازهم المعماري السابق. وقام بربطهما بقنطرة تصل بينهما، ونقل كافة قطعه الأثرية الثمينة التي جمعها من كل إنحاء العالم لتكون حوله في المنزليين. بل إن كل قطعة اثاث تواجدت في المنزل تعتبر آثر ثمين ومتميز.
اضطر جاير أندرسون باشا إلى السفر إلى إنجلترا في عام ١٩٤٢م بسبب اعتلال صحته. ولما توفير عام 1945، تسلمت الحكومة المصرية المنزلين بمحتوياتهما من آثار وتحف وقامت بتحويلهما إلى متحف وأطلقت عليه إسم متحف جاير أندرسون.
أساطير بيت الكريتلية
لم يسكن جاير وحده في المنزل، بل استعان بخادم عجوز كان يعمل لدى السيدة الكريتية، يدعى بسليمان الكريتلي. وهب نفسه لخدمة ضريح “سيدي هارون الحسيني” كما يطلق عليه هناك. وهكذا أصبح الرجلان أصدقاء، وقد قام سليمان بحكي الكثير من القصص الشيقة والتي أغلبها كاذب وغير حقيقي لجاير وهو ما أثار خياله بشدة.
من خلال حكايات عم سليمان، قام جاير بتأليف كتاب أسماه “أساطير بيت الكريتلية”. ونشرة في لندن ليحقق به نجاحاً منقطع النظير، لما احتواه من الحكايات بعضها شديد الخيال. وبعضها مقتبس من قصص القرآن وقد تم تغيير مكان الحدث ليصبح في بيت الكريتلية.
وردت في الكتاب حكايات ملك الجان الذي أمر الجزار أن يبني البيت هناك لتعيش به بناته السبع في أمان فوق جبل يشكر، وكذلك حكاية الثعبان الطيب الذي رأى صاحب البيت ينهر أطفاله عن قتل ثعابين وليدة فقام بكسر زير ماء مسمم كي ينقذ الرجل وأسرته.
من بين هذه الأساطير، أن “البئر الموجود به، لو نظر إليه العاشق وتمنى رؤية محبوبه انعكست صورة الحبيب على مياه البئر”.
شهرة بيت الكريتلية
جذب غموض البيت وأساطيره، كبار صنَّاع السينما محليًا ودوليًا. حيث وصلت شهرته إلى صانعي أفلام جيمس بوند، الذين صوروا به جزءًا من فيلم “الجاسوسة التي أحبتني” في أحد قاعاته الشرقية، عام 1977.
كما شهد تصوير أفلام، كتبها الأديب المصري الحاصل على نوبل في الأدب نجيب محفوظ. وأبرزها “بين القصرين (إنتاج 1962)”، و”قصر الشوق (إنتاج 1966)”، و”السكرية (إنتاج 1973)”.
كتب جاير اندرسون فى مذكراته الموجوده بمتحف فيكتوريا والبرت بلندن: “مصر احب الأرض إلى قلبي لذلك لم أفارقها لأني قضيت بها أسعد أيامي منذ مولدي”.