كتب / حاتم عبدالهادي السيد
لعل ارتباط فقهاء مصر بالحجاز قد جعل الفتاوى الفقهية تكاد تتشابه في تحريم القهوة، فقد ذكر أ/ محمد الأرناؤوط في كتابه : ” التاريخ الثقافى للقهوة والمقاهى” – في الحجاز ومصر-: ؛بأن كانت القهوة تكانت ُشرب في جوار الحرم الشريف في ليلة الإحتفال بذكرى ” المولد النبوى الشريف “، وظهرت الأماكن التى تُوّفرُ أدواتٍ للتسلية، مثل الشطرنج والرهن والقمار؛ مما دعى العلماء إلى اجتماع فورى عرف بإسم : “واقعة مكة” عام 1511م وصدرت فتاوى الحسبة يوم 22/23 عام 1511م، على المتعاطين للقهوة. اجتماعاً، لتحديد الحكم الشرعي من شرب القهوة.
وقد خرج أولئك الفقهاء من اجتماعهم بنتيجة سمحت لهم بالتفريق بين حكم القهوة وما صاحبها من مظاهر، فقالوا بتحريم الهيئة التي كانت تُصاحب شُرْبَ القهوة، وأقروا بأن المادة التي تصنع منها القهوة (البن) حلال، لأن حكمها كحكم النبات، أما تحديد الضرر الصحي فتركوا القرار فيه للأطباء، وقد شهد حينها طبيبان بأن مشروب (قشر البن) “بارد يابس مفسد للبدن المعتدل.
ورغم ذلك؛ احتدم الخلاف حول القهوة مجددًا، فقد انقسم الفقهاء إلى فريقين؛ مَالَ الأول إلى تحريمها، بينما فضّل الثاني تحليلها، وقد كان من المعارضين للقهوة: القاضي ابن الشحنة الحنبلي، والشيخ الحكمي الكازرومي، أما المؤيدون للقهوة فمنهم: الشيخ محمد البكري الصديقي، الذي يقول ::
أقولُ لمن ضاقَ بالهمّ صدرُه وأصبحَ من كثر التشاغل في فكرِ
عليك بشرب الصالحين فإنه شرابٌ طهورٌ سامي الذكرِ والقدرِ
فمطبوخ قشر البن قد شاعَ ذكرُه عليك به تنجُو من الهمّ في الصدرِ.
وفي مصر كان الخلاف محتدماً بعد اندلاع فتنة 1534م. ولقد تمت إحالة أمر القهوة إلى قاضي القضاة محمد بن إلياس الحنفي، فأمر بطبخ القهوة، وسقى جماعات كؤوسًا منها، ليختبر مدى تأثيرها عليهم، فلم يلحظ شيئًا، فأقرها على حالها، وهكذا رجحت كفة المؤيدين للقهوة، فكتب الشاعر إبراهيم ابن المبلط (ت: 1583م) قصيدة يقول فيها :
أرى قهوة البّن في عصرنا على شربها النّاس قد أجمعوا
وصارت لشـرابها عـادة وليست تضـرّ ولا تنفـعُ
وبهذه الفتاوى الأخيرة تم اعتبارها أمر متروك للعامة في مصر؛ فلم يحرمها القاضى، ولم يحللها ، وترك أمرها مشاعاً بين الناس .
إن تاريخ القهوة تاريخ طريف جداً ، بل هو تاريخ طويل ، وقديم، وتسيدت القهوة عروش السلاطين، وأصبحت ” شراب الملوك ” تقدم في السلطانيات العامة، وفى قصور أصحاب البلاط، كما انتشرت في المقاهى الشعبية، ولم تعد ” نبيذ العرب ” ، بل مشروب المصريين والعرب والعالم كذلك .
سيظل تاريخ القهوة حافلاً بالقصص والأشعار، وبمجالس الأدباء والسُّمار، وفى قصور السلاطين والرؤساء، بل أصبحت القهوة العربية – الآن – صفة لأى مجلس عربى، بل علامة على تميز العرب في صناعتهم للقهوة، حيث صنعوا لها البكارج والأوانى والفناجين الخاصة، وقَلَّ من لم نجد في بيته ” بكرجاً للقهوة ” ، بل تفننوا في صناعتها ، وشربها في سامرهم الليلى؛ على أضواء النار المشتعلة، وفى سباقات الهجن ، وانتشرت في الدول العربية، وفى كل أرجاء العالم .