تعددت الأسماء وسيناء مباركة.. أرض القمر والفيروز والأحجار الكريمة والعراء
النصوص التاريخية في تسمية شبه الجزيرة
شبه جزيرة سيناء – محمود الشوربجي
تعددت الأسماء التي لُقِّبت بها هذه البقعة الطاهرة والمقدسة من الأرض المصرية على مرّ العصور التي شهدتها المنطقة منذ عصر ما قبل الأسرات المصرية وحتى وقتنا هذا ، ولعلّ الاسم الدارج لها الآن هو “شبه جزيرة سيناء” ، ويكتبونها “سيناء” وينطقونها “سينا” كاختصاراً للكلمة .
اختلف المؤرخون والباحثون الذين كتبوا عن تلك الرقعة الهامة من الأرض المصرية في سبب تسميتها رغم ما يطلق عليها الآن في العصر الحديث باسم جزيرة سيناء كمدلول عام ، أو سيناء اختصاراً لشبه الجزيرة فمنهم من يرى بأنها سُميت سيناء لكثرة أحجارها وجبالها ” أي بلاد الأحجار ” ومنهم من قال : أنها أخذت اسمها من كلمة (سين) أي عين القمر في اللغة العبرية فسميت بذلك سيناء لأن أهلها كانوا قديماً يعبدون القمر.
أسمائها في الآثار المصرية والتوراة والنصوص الهيروغليفية
وقد عرفت سيناء في الآثار المصرية باسم ” توشيت ” أي أرض الجدب والعراء ، وعرفت في الآثار الآشورية باسم ” مجان ” ولعله تحريف مدين وهو الاسم الذي أطلقه مؤرخو العرب على شمال الحجاز وجنوبي فلسطين وهي البلاد التي عرفت عند مؤرخي اليونان باسم ” أرابيا بترا ” أي العربية الصخرية.
هذا وقد عرفت في التوراة باسم “حوريب” أي الخراب كما عرفت باسم سيناء ، قال بعض علماء التوراة أن اسم حوريب أطلق على البلاد جملة واسم سيناء على أشهر جبل فيها ، ثم نُسي اسم حوريب وسائر الأسماء القديمة ولم يبق إلى يومنا هذا إلا اسم سيناء.
كما عرفت في النصوص الهيروغليفية للأسرة الحادية عشر أي منذ ألفي سنة قبل الميلاد ، وسميت في نصوص أخرى بـ “طهمهت” ، وفي بعض النصوص أطلق عليها لفظ “ببادنت” وقد جرت محاولات عديدة لتفسير كلمة “سيناء” على أنها مشتقة من كلمة “صفرو” ، وتعني كلمة “صفرو” إله الإقليم وكان تمثاله يقع غرب سيناء قبل حفر قناة السويس ، وقد تغيرت تلك الكلمة إلى “صفت الحنة” وهي منطقة من الجهة الشرقية لمدينة “الزقازيق” في محافظة الشرقية الآن.
أما الأخفش فيقول {سينين شجر واحدتها سينية ، فسيناء معناها اللغوي شجر ومفردها سينية أي شجرة} ، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى ” والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ” وقوله تعالى : “وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين”.
لكن المتفق عليه أن اسم سيناء الذي أطلق على الجزء الجنوبي من شبه جزيرة سيناء مشتق من اسم الإله “سين” إله القمر في بابل القديمة حيث انتشرت عبادته في غرب آسيا وكان من بينها فلسطين ، ثم وفَّقوا بينهُ وبين الإله “تحوت” إله القمر المصري الذي كان له شأن عظيم في سيناء وكانت عبادته منتشرة فيها ذلك الوقت. ومن خلال نقوش آثار معبد سرابيط الخادم وجبل المغارة يتضح لنا أنه لم يكن هناك اسم خاص لسيناء ولكن يُشار إليها أحياناً بكلمة “بياوو” أي المناجم أو “بيا” فقط أي “المنجم” وفي المصادر المصرية الأخرى في عصر الدولة الحديثة يشار إلي سيناء باسم “خاست مفكات” وأحياناً “دومفكات” أي “مدرجات الفيروز”.
اكتشافات العالم بتري وجاردنر والنقوش السينائية
وقد ظل الغموض يكتنف تاريخ سيناء القديم حتى تمكن العالم بتري Petri عام 1905 م من اكتشاف اثني عشر نقشاً عُرفت بالنقوش السينائية عليها أبجدية لم تكن معروفة في ذلك الوقت ، وفي بعض حروفها تشابه كبير مع الهيروغليفية ، وظلت هذه النقوش لغزاً حتى عام 1917 م حين تمكن عالم المصريات جاردنر Gardinar من فك بعض رموز هذه الكتابة والتي أوضح أنها لم تكن سوى كتابات كنعانية من القرن الخامس عشر قبل الميلاد من بقايا الحضارة الكنعانية القديمة في سيناء.
وقال “جاردنر” فى كتابه (نقوش سيناء) إلى أن سيناء اسم مشتق من اسم “سبدو” وهو الإله الذي وجد اسمه منقوشاً على أحجار معبد سرابيط الخادم فى جنوب سيناء مما يشير إلى عبادة هذا الإله فى سيناء. وقد ثبت أن كلمة “جوشن” وهو الاسم المصري القديم الذي كان يُطلق على جزء من منطقة شرق الدلتا وسيناء وتعنى “برسبدو” أو “دار سبدو” أى دار إله هذه المنطقة. وتقوم على أطلالها اليوم قرية (صفط الحنة) التابعة لمركز أبو حماد بمحافظة الشرقية ، وقد ذكر “جوتييه” فى قاموس الأسماء الجغرافية فى النصوص الهيروغليفية أن اسمها المصرى “برسبدو” أو “سوبت” ومن هذا الاسم جاء اسمها العربى (صفط) ويقال لها صفط الحنة لأنها واقعة فى المنطقة التى تعرف أيام الفراعنة بأنها حقول نبات الحنة. وعرفها اليونانيون باسم (فاكوسا) وعُرف القسم الشمالي منها باسم (حريوشاع) أى أسياد الرمال ، والقسم الجنوبي باسم (المونتيو).
ماهو الاسم الدراج لها الآن…؟
والظاهر أن تسمية سيناء اختلفت عبر العصور والأزمان وكل اسم أخذ نصيبه فيها. ولأهمية سيناء الطبيعية والإستراتيجية الهامة بين قارتين من أقدم قارات العالم في التاريخ البشري وهما (آسيا وأفريقيا) وبالإضافة إلى أهميتها الدينية والاقتصادية ، فإن ذلك يبين مدى عظمة وطهارة هذه المنطقة الكريمة المباركة.
هذا وقُسِّمت شبه جزيرة سيناء مؤخراً إلى محافظة شمال سيناء وعاصمتها العريش ومحافظة جنوب سيناء وعاصمتها الطور ، وبعد ما أوضحت أسماؤها على مر العصور فإن اسمها الدارج الآن هو “سينآء” وهي تطلق على البلاد جُملة ، ولازال يذكرها المؤرخين والكُّتاب والمثقفين باسم شبه جزيرة سيناء أو سيناء أو سينا بدون همزة اختصاراً للكلمة حتى يومنا هذا.