فنون و ادب

عبدالحليم حافظ ….العندليب الأسمر وحكاياته مع السيارات 

عبدالحليم حافظ ….العندليب الأسمر وحكاياته مع السيارات 

حاتم عبدالهادى السيد

نستطيع – بداية – أن نستقى مواد التاريخ من السيارات، قصصها، حكاياتها، وأشهر المواقف التاريخية التى ارتبطت بتلك السيارات، فكما نحن استقينا تراثنا التاريخى من الشعر الذى يعد ذاكرة العرب؛ فإننا نستقى المواقف التاريخية من قصص السيارات وعلاقتها بالأشخاص والأزمنة والأمكنة، وتلك لعمرى- جوانب جديدة تضىء التاريخ، وصفحات مجيدة تنقل لنا التاريخ القديم ، لنستذكره، ونتذكر المواقف المرتبطة به، ولما للسيارات من اهمية في ذاكرة الشعوب والحضارات ، وهى فرصة لإستعادة الذاكرة الوطنية كذلك ، لنقرأ التاريخ وتأثيراته في الشعوب من الجوانب الثقافية والإقتصادية والسياسية، بل وتاريخ الفنون أيضاً ، لذا سنركز في مقالنا هنا على أثر السيارات في استجلاء واستذكار مطرب فنى، عربى ، عالمى؛ أنه عبدالحليم حافظ ؛ الذى غنى للعرب جميعاً ، واستنهض الأمة والإسلامية في حقبة تاريخية صعبة ، وتحولات شهدها العرب غيرت مسار تاريخهم ، فقد غنى عبدالحليم للقومية العربية، وللوحدة، ولقضايانا المصيرية الكبرى في كافة أرجاء الوطن العربى الكبير ، وللثوار ولأحرار العالم، إذ الفن رسالة وتاريخ، والغناء أحد الوسائل التى تستنهض الشعوب، وتنعش الذائقة الوطنية في كافة مجالات الحياة، والفن أحد الوسائل الحقيقية لكتابة التاريخ أيضاً .

ولكننا هنا سنأخذ طريقاً مغايرة؛ من خلال استقاء مادة التاريخ من خلال علاقة السيارات وارتباطها بالفن والفنان بغية استقاء مادة التاريخ السياسى والإجتماعى للأمم والشعوب، ولعل هذا التراث الثرى يشكل إضاءة جديدة، ومائزة، ومتعة مغايرة لنعرف العلاقات بين الدول والشعوب، وتاريخ الأماكن والأشخاص، والتعرف إلى رموز وطنية، ومواقف كانت السيارة هى القاسم المشترك لإجتزاء جانباً من تاريخنا الجميل، ولستذكر الأجيال ماقدمته الشعوب ، وما كان من أحداث عبر قاسم يمثل البطولة في المواقف ألا وهو السيارة التى تحكى التاريخ، وكما تقدم الصورة التاريخ فإن السيارات تقدم التاريخ الطريف، والحقيقى، وربما القصص والنوادر ، والمواقف والأحداث الجسام في عمر الأمم والممالك !! .

لقد بلغت شهرة ” العندليب الأسمر ” الآفاق، وأحبه الملوك والرؤساء، وكانت علاقة الجمهورية العربية المتحدة في العصر الملكى بالمملكة المغربية في أشد قوتها، وكان عبدالحليم يغنى في مصر والمغرب وجميع الدول العربية التى كانت تربطها بالملك: فؤاد، وفاروق والسلطان أحمد حسين علاقات متينة ، وتعاون في المجالات الإقتصادية والسياسية كذلك مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربى، التى بدأت تتشكل وتزدهر ن وكان الفن احد الوسائل للترابط والوحدة ، وإظهار أواصر المحبة والتعاون والتشارك بين الشعوب – كما تفعل كرة القدم الآن -، ولقد افتتن / عبدالحليم حافظ بالسيارات وأحبها، وكان يقتنى السيارات المميزة، او النادرة، ولعل ولعه الشديد بها قد أكسبه محبة الملك الحسن الثانى – ملك المغرب آنذاك – فقام بإهدائه سيارة ايطالية مميزة – ويقال ثلاث سيارات – وكانت من طراز فيات130 موديل 1969م،

وكان يوجد منها فى مصرأربعة نسخ فقط : واحدة لدى الرئيس السادات وواحدة يمتلكها صاحب توكيل شركة فيات، وأخرى عند السفير البريطانى، والرابعة كانت بحوزة العندليب الأسمر.

ولعل هذه السيارة قد أنقذت حياة الفنان / عبدالحليم حافظ من الموت – كما يقول ابن شقيقه محمد شبانة – يقول : ” ان تلك السيارة قد أنقذت حياة النجم الراحل، حيث كان فى فيلته بالعجمى، وحدث له نزيف ،وكان معه السائق الخاص به عبد الفتاح، فأسعفته بالذهاب للدكتور ياسين عبد الغفّار فى ساعتين وربع تقريباً بالهرم .. ولقصة إهداء ملك المغرب السيارة لعبدالحليم حكاية وطنية عظيمة من جانب الفنان؛ لأنه عند قيام الجنرال أوفقير بانقلابه ضد الملك الحسن الثانى , بحث عن شخص محبوب؛ وله شعبية لدى المغاربة ليعلن نبأ الانقلاب فى الاذاعة ,وكان عبد الحليم وقتها فى زيارة للمغرب , فطلب منه الجنرال اوفقير أن يعلن نبأ الانقلاب فى بيان للشعب , ولكن عبد الحليم بذكائه رفض، وقال له إنه ليس مغربيا ً؛ولا يليق أن يعلن مواطن مصرى نبأ انقلاب على ملك المغرب , وعندما انتصر الملك على الانقلاب و عاد الى السلطة وعلم ما فعله عبد الحليم , ارتفعت مكانته لديه بشدةن ومكانة مصر كذلك، و لقد أصبح  “عبدالحليم” من أقرب المقربين إليه” . ولنا أن نلحظ حصافة الفنان هنا، فماذا لو أعلن عبدالحليم نبأ الإنقلاب، ونقول بالطبع” ستتوتر العلاقة بين مصر والمغرب بالطبع، بل ولربما قد تنشب كراهية، او تقوم حرب بين البلدين بسبب ذلك ، ولكن هذا الموقف التاريخى قد ساعد على مد أواصر الصداقة القوية بين المملكة المغربية ومصر، مما حدا ملك المغرب تعبيراً عن حبه لمصر وللمصريين وشخص عبدالحليم الوطنى أن أمر بصنع بدلتين خاصتين به وبعبدالحليم – ابن مصر – حيث أرسل الملك الحسن الثانى إلى أشهر مصمم أزياء عالمى للرجال وإسمه “سمالتو” وطلب منه أن يصمم بدلتين من نفس القماش والشكل والتصميم، واحدة له والأخرى للعندليب، وجعل المصمم يوقع على تعهد يمنعه من تصميم بدلة مثلها قبل 30 عامًا وهو ما حدث، كما أهداه سمو الأمير طلال بن منصور بن عبد العزيز ساعة سويسرية الصنع مرسوم عليها صورة العندليب بمناسبة عيد ميلاد حليم صورة العندليب، وكان عبدالحليم يصر على ارتداء البدلة والساعة في أغلب حفلاته الوطنية .

ولقد كان العندليب يعشق التصوير، خاصة وهو يقود السيارات العديدة التى يمتلكها، ومن بينها

سيارة من طراز ايطالى حرص على تصوير عدة أفلام بها مع سعاد حسنى، وفاتن حمامة وشادية ، وغيرهن ، وكانت السيارة هى مكان الغناء، أى يغنى وهو في السيارة، كما صاحبته السيارات في غالبية أفلامه، وكانت آخر سيارة اقتناها العندليب الأسمر ، موديل 1977، قبل رحيله بشهور وهي سيارة بيضاء تويوتا سبور، كما كان بحوزته كاميرا شهيرة تصاحبه ، وكان يعشق التصوير ويفضل تسجيل اللحظات السعيدة في حياته.

عبدالحليم حافظ مطرب ثورة 1952م ، وكانت له علاقات وثيقة بالرئيس جمال عبدالناصر، ولعل هذا ما كان يضايق العديد من السياسيين وأهل الفن كذلك مثل أم كلثوم، وحينما علم الرئيس عبدالناصر بضيق عبدالحليم من عدم إذاعة أغانية في الإذاعة اتصل به شخصياً ،حيث فوجيء العندليب بجرس التليفون وعندما رفع السماعة كان الصوت يقول: أنا جمال عبدالناصر.. وارتبك ولم يصدق أذنه، وقال له الرئيس: يا عبدالحليم متاعبك في الإذاعة سوف تنتهي وأنا سمعت أنك مخنوق لأن أغانيك لا  تذاع كثير،وأنا لا أرضي عن ذلك، لأنك ثروة قومية..! فشكر الرئيس علي اهتمامه وتقديره وأنه يشعر بمسئوليته.. فقال عبدالناصر: بس لازم تحافظ علي صحتك.. أنا رأيي انك تتجوز حتى تجد من   يرعاك..! وقال عبدالحليم: أوامرك ياريس.. فضحك الرئيس قائلا: الزواج  ليس  بالأمر وإنما اتمني لك الاستقرار.. وإغرورقت عيناه بالدموع من عطف الزعيم واهتمامه..!

هكذا نستقى التاريخ ومواقف الزعماء، وحكايات الشعوب، وعلاقات الأمم والممالك من خلال حكايات السيارات التاريخية، وهو موضوع طريف وجديد كذلك .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى