في الأسبوع الرابع للحرب.. ما هي أخطاء روسيا العسكرية؟
أميرة جادو
تمتلك روسيا أحد أقوى الجيوش في العالم، لكن هذه القوة لم تظهر في حملته العسكرية ضد أوكرانيا، حيث فوجئ العديد من العسكريين الغربيين المحليين بأداء القوات الروسية في ساحة المعركة، وهو ما جعل أحدهم تسمية هذا الأداء بـ “مثير للشفقة” و”بائس”.
يبدو أن القوات الروسية أصبحت عاجزة عن المضي قدماً، ويشك البعض في قدرتها على النهوض من جديد بعد الخسائر التي تكبدتها.
ومن جهته، أعلن مسؤول عسكري في حلف الناتو إنه: “من الواضح أن روسيا لم تحقق أهدافها، وربما لن تفعل، في نهاية الأمر”. فما الذي حدث؟ وما هي الأخطاء التي ارتكبتها روسيا؟
افتراضات خاطئة
كان الخطأ الأول الذي ارتكبته روسيا، هو التقليل من قوة المقاومة وقدرات القوات الأوكرانية القليلة، حيث تنفق روسيا 60 مليار دولار سنويا على الدفاع، أما ميزانية الدفاع لأوكرانيا لا تتجاوز 4 مليارات دولار في السنة.
من ناحية أخرى، بالغت روسيا في تقدير قوتها، مثل الدول الأخرى، فقد أطلق الرئيس بوتين مشروعاً طموحاً لتطوير القدرات العسكرية لبلاده واعتقد أنها وصلت إلى قوتها المنشودة.
كما أوضح مسؤول عسكري بريطاني كبير إن أغلب استثمارات روسيا العسكرية أنفقت على اختبار وتطوير أسلحة نووية، من بينها أسلحة جديدة مثل الصواريخ فوق الصوتية (هايبر سونيك).
ويرى المسؤول العسكري، أن روسيا صنعت الدبابة الأكثر تطورا في العالم، وهي تي 14 أرماتا، وعلى الرغم من أنها ظهرت في استعراضات اليوم الوطني في الساحة الحمراء بموسكو، فإنها غابت عن ساحة المعركة في أوكرانيا، وكل ما استعملته روسيا هي الدبابة القديمة تي 72، والعربات المدرعة، ومنصات إطلاق الصواريخ.
والجدير بالإشارة، في بداية الحملة، كانت روسيا متقدمة على أوكرانيا في الجو، إذ اقتربت طائراتها المقاتلة من الحدود وتفوقت على القوات الأوكرانية عدديا، بثلاث طائرات مقابل طائرة واحدة. وكان أغلب المحللين يعتقدون أنها ستفرض سيطرتها الجوية سريعا، ولكن ذلك لم يحدث.
وأشار مسؤول مخابراتي غربي كبير إلى أن روسيا “كانت تعتقد أنها ستكتفي بنشر وحدات من القوات الخاصة مثل سبيتسنيت وفي دي في للتخلص من مجموعات صغيرة من المقاومين، وينتهي الأمر”.
ولكن المقاومة الأوكرانية تصدت في الأيام الأولى لهجمات روسية بالطائرات العمودية على مطار هوستمويل على مشارف كييف، ومنعتها من إنزال الجنود والعتاد.
واضطرت روسيا بسبب ذلك إلى نقل عتادها وقواتها برا، محدثة ازدحاما في الطرق، وهو ما جعلها عرضة لهجمات القوات الأوكرانية. وانحرفت بعض الآليات العسكرية عن الطريق، وبقيت عالقة في الوحل، في صورة تعكس واقع الجيش الروسي.
ولم تتمكن قافلة ضخمة من المدرعات الروسية رصدتها الأقمار الاصطناعية شمالا، حتى الآن، من محاصرة كييف. أما التقدم الأهم فقد حصل في المنطقة الجنوبية، إذ اعتمدت روسيا هناك على خطوط السكة الحديدية لتزويد قواتها. وقال وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، لبي بي سي إن القوات الروسية فقدت همتها.
خسائر ومعنويات محطمة
كما تمكنت روسيا من حشد190 ألف جندي لهذا الغزو، وأقحمت أغلبهم في القتال، ولكنها فقدت 10 في المئة من هذه القوات، حتى الآن، ولا توجد مصادر موثوقة لحجم الخسائر من الجانبين الروسي أو الأوكراني.
وعلى الجانب الآخر، تزعم أوكرانيا أنها قتلت 14 ألفا من القوات الروسية، ولكن الولايات المتحدة تقدر الخسائر البشرية الروسية بنصف ذلك العدد.
ويشير مسؤولون غربيون إلى وجود أدلة على تدهور معنويات القوات الروسية، إذ يصفها أحدهم بأنها “محطمة تماما”. ويقول آخر إن الجنود الروس يعانون من “البرد والتعب والجوع”، لأنهم كانوا ينتظرون لأسابيع في ثلوج بيلاروسيا، قبل تلقي الأوامر بالغزو.
وما كان على روسيا إلا استدعاء المزيد من القوات لتعويض خسائرها. من بينها وحدات الاحتياط التي جاءت من مناطق بعيدة شرقي البلاد.. ومن أرمينيا ويعتقد مسؤولون غربيون أنه “من المرجح” أن يلتحق مقاتلون أجانب من سوريا بساحة المعركة قريبا، فضلا عن مرتزقة من جماعة فاغنر.
وعلق مسؤول عسكري كبير في الناتو على الأمر بأنه “دليل على أنهم وصلوا إلى القاع”.
عتاد ومؤونة
ولم تتمكن روسيا من تجاوز عقبات بسيطة، فهناك مقولة عسكرية قديمة مفادها أن الهواة يناقشون الخطط. بينما يدرس المحترفون الإمدادات، وهناك أدلة كافية على أن روسيا لم تول لهذا الجانب الاهتمام المطلوب. فقوافل المدرعات الضخمة التي نشرتها أصبحت تفتقد إلى الوقود والغذاء والذخيرة.. علاوة على تعطل العربات العسكرية حتى تم أهملها في الطريق واستولي عليها الأوكرانيون.
ويعتقد مسؤولون غربيون أيضا أن تكون روسيا تعاني من ندرة بعض الذخيرة. فقد أطلقت من 850 إلى 900 صاروخ كروز الموجهة، التي يصعب تعويضها عكس الصواريخ غير الموجهة.
ونبه المسؤولون الأمريكيون إلى أن روسيا طلبت من الصين تزويدها بما ينقصها من معدات.
وعلى العكس، تتلقى أوكرانيا مساعدات عسكرية متواصلة من الدول الغربية، رفعت من معنويات قواتها المقاتلة.
وأعلنت الولايات المتحدة أنها ستمنح أوكرانيا مساعدات عسكرية إضافية قميتها 800 مليون دولار. فضلا عن المزيد من الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات.. من بينها طائرة مسيرة صغيرة طورتها الولايات المتحدة تحمل في حقيبة ظهر وتحمل متفجرات تطلق على أهداف على الأرض.
ويحذر المسؤولون الأمريكيون من أن الرئيس بوتين قد “يضاعف حجم الوحشية”.. إذ أنه لا يزال يملك القدرة على قصف المدن الأوكرانية “لفترة معتبرة من الزمن”.
وعلى الرغم من الانتكاسات، قال مسؤول استخباراتي إنه “من المستبعد أن يرتدع الرئيس بوتين.. بل يتوقع منه التصعيد، فهو لا يزال واثقا من أن روسيا قادرة على دحر أوكرانيا عسكريا”.
ويرى المسؤول نفسه أن القوات الأوكرانية، على الرغم من المقاومة التي أبدتها. قد “نعاني من قصور في الإمكانيات والعدد”، إذا لم يتواصل تزويدها بالعتاد والذخيرة.
وربما أصبحت حظوظ القوات الأوكرانية أكبر مما كانت عليه في بداية الحرب، ولكنها لا تزال قليلة لتحقيق النصر.