
د سهام جبريل تكتب: العاشر من رمضان يوم من أيام الوطن
تحمل ذاكرتى لهذا اليوم وذاكرة كل أبناء جيلي يوم من أيام مصر هو يوم العبور يوم العاشر من رمضان، حيث كانت انطلاقة النصرُ الكبيرُ، يومها تعالت الأصوات تهلل وتبارك اللهُ أكبرُ الله أكبر الله أكبر انتصرنا؛ ولم ينقض هذا اليوم إلا وكانت بيوتنا تملأها الأفراح والزغاريد، لقد أتى النصر المبين نصر من الله وفتح عظيم.
حقا إنه يوم لا يمكن أن ينسى ويستحيل أن يمحَ من الذاكرة، يوم العبور العظيم ذكرى الانتصار الذى أعاد فى نفوسنا الأمل الذى انتظرناه منذ ستة سنوات، تجرعنا فيها الآلام والمعاناة وواجهنا فيه سطوة الاحتلال ومعاناة المواجهة أمام العدو لقد عبر جيشنا الضفة الغربية للقناة يالها من لحظة يتوقف أمامها التاريخ طويلا طويلا.
لقد كان انتصار أكتوبر العاشر من رمضان علامة فارقة فى تاريخ العسكرية. يوما عظيما من أيام الوطن يبشر بإرهاصات العودة إلى سيناء واسترداد الأرض السليبة واحتضان التراب الوطنى.
العبور العظيم
قواتنا المسلحة الأبية رفعت العلم المصرى شامخا على أرض سيناء إنه المشهد الذى لا يمكن أن ينسى ويسجل بكل فخر أدوار البطولة لأبناء مصر وابطالها من قواتنا المسلحة الذين عبروا حائط الصمت وجدارالعزل ، عبور خط بارليف الذى كان يسوقون له بانه الحائط المنيع ، لكن ابطالنا عبروا وحطموا الاسطورة ،نعم إنها اسطورة حرب أكتوبر “استثنائية” بسبب “استثنائية” الانتصار الذي تحقق، حيث لم يقتصر نطاقه على معجزة العبور في 6 ساعات، واقتحام “خط بارليف” المنيع، وتقويض أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”، وإنما امتدت إلى تغيير مفهوم “الحرب” من مجرد أداة للسيطرة والنفوذ، والاستيلاء على مقدرات الشعوب.
لقد مثل العبور الى سيناء من قبل ابطال قواتنا المسلحة عبورهم قناة السويس ، وتحطيمهم خط بارليف، عبرت مصر الهزيمة للنصر فتحولت المحنة إلى منحة، وبدأت مرحلة جديدة فى تاريخ الصراع العربى الاسرائيلى.
لقد جاء انتصار مصر العظيم فى حرب أكتوبر نتيجة حتمية لتضافر جهود كافة الأجهزة، صنعت ملحمتها الوطنية، وتقدم للأحفاد والأجيال التي لم تعش تفاصيل هذا الانتصار قدوة تزكى روحهم الوطنية ، وتحدثهم عن تضحيات الأجداد من أجل إعلاء معنى العزة والكرامة ، وتحكى لهم سيرة جيل افتدى تراب أرض بلادهم بالدم، فتنشط الذاكرة للمعنى وراء النصر، وتحفز القدرة على التحدى والاتحاد ، وترسخ فى الأذهان أن الكل ماض ولكن الوطن باق وتستمر الاجيال تحمل مشاعل النصر وتفخر به على مر التاريخ.
نصر أكتوبر
مر أكثر من نصف قرن على نصر أكتوبر، وما زالت في ذكراها حضور يتحدى الزمن، حيث تجدد هذه الذكرى التأكيد أن الجيش المصري هو رمانة الميزان لقوة الدولة الصلبة ومكانتها الاقليمية والدولية ، وأنه روح مصر على مدى الثورات العظيمة التي قام بها الشعب عبر تاريخه ، فلم تكن حرب أكتوبر حربا تقليدية اقتصرت نتائجها على محيطها الجغرافى، لكنها تعدت الحدود لتخرج للفضاء الفسيح معلنة عظمة هذا الشعب وقواته المسلحة ، فلحظة العبور كانت القفزة الأولى في طريق بلا نهاية ، ونقطة النهاية لتحديات كثيرة ومتتابعة ظن الجميع أنها لن تزول ، وفيها برهن المصرى عزيمته وإصراره على النجاح رغم كل مااحتوته الأحداث من ضراوة وتحدى ، وفيها أيضا أثبت المقاتل المصري أنه خير أجناد الأرض، وأنه قادر على استخدام الأسلحة المعقدة بنجاح كبير، وصك الشعب علامة جديدة في عراقته وسجل مجدا بتحطيم الجنود المصريين لخط بارليف المنيع.
ورغم مرور كل هذه الأعوام على نصر أكتوبر، إلا أن ما حققه فيها الجيش المصري ما زال موضع تقدير وتدريس في الأكاديميات العسكرية العالمية، فتلك الحرب التي اتخذ قرارها الرئيس الراحل أنور السادات، جاءت تتويجا لحرب الاستنزاف التي نظمها وقادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر منذ عام 1967 وحتى وفاته، ورغم ما سببته الهزيمة من حالة معنوية سيئة للمصريين إلا أنها عجزت عن كسر أحلامهم المشروعة على صخرة هزيمة يونيو 1967.
قرار الحرب في العاشر من رمضان
وكان قرار حرب أكتوبر النتيجة الطبيعية للطريق المسدود الذي وصلت إليه الجهود السياسية والدبلوماسية، فحالة “اللاسلم واللا حرب” تخدم الاحتلال الإسرائيلي وتستنزف طاقة المصريين البشرية والاقتصادية، واستكملت القوات المسلحة استعداداتها للعبور، ونجحت في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وفي 6 ساعات اقتحمت قواتنا المسلحة أضخم مانع مائي بعد إقامة كباري العبور وفتح الثغرات في الساتر الترابي بمدافع المياه الت ابتكرها مهندسو الجيش المصرى ،
لذا يُعد انتصار العاشر من رمضان (6 أكتوبر 1973) علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، حيث استطاع الجيش المصري استعادة كرامته وكسر أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”.
مما لاشك فيه أن تفاصيل النصر مشرفة ومؤرخة روى بعضها شهود عيان والبعض الآخر رواه قادة عسكريون وساسة فى مصر والخارج. ورسمت الملحمة الوطنية التي سجلها الشعب المصري في تاريخه، بعد أن اعتنق مبدأ «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة». وكان عنصر المفاجأة سيد الموقف. فتمكن الجيش المصري بعد العبور من الاستيلاء على الضفة الشرقية لقناة السويس خلال الأيام الأولى من الحرب.
شهود عيان
لقد عاش جيلى هذه المرحلة.. وسجلت ذاكرتنا الوطنية برغم صغر السن مشاهد عظيمة عشناها من واقع نفخر أننا كنا جيل شهود عيان عليه. ولا يمكن أن تغفل الذاكرة دور أهلنا فى سيناء في المشاركة أو المساندة فأدوارهم متعددة. من خلال مقاومة الاحتلال والتصدى له والصمود أمام محاولات العدو لتهجير أهل سيناء واخراجهم من أرضهم. لقد صمد الأهل وحافظوا على التراب الوطنى وظلوا مرابطين على التراب الوطنى.
فقد لعب أهلنا في سيناء دورًا بطوليًا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. حيث كانوا خط الدفاع الأول ودعامة أساسية للقوات المسلحة المصرية خلال فترة الاحتلال وبعده.
فمنذ نكسة 1967، لم يستسلم أبناء سيناء للاحتلال الإسرائيلي، بل كانوا شوكة في حلقه من خلال تنفيذ عمليات مقاومة بطولية. حيث قدموا الدعم الكامل للقوات المسلحة المصرية وساهموا في جمع المعلومات الاستخباراتية التي كانت أساسية في نجاح خطة العبور. من خلال أدوار متعددة مثل :
أبناء سيناء عيون قواتنا المسلحة خلف خطوط العدو :
كان أبناء القبائل السيناوية عينًا للجيش المصري داخل الأراضي المحتلة، حيث نقلوا تحركات العدو وساعدوا في تحديد مواقعه العسكرية. لقد قدموا تضحيات جليلة في هذا المجال لقد رفض اهلنا التعاون مع إسرائيل وكشفوا محاولاتها لتزييف هوية سيناء المصرية.
العمليات الفدائية
نفذ مجاهدو سيناء عمليات بطولية ضد القوات الإسرائيلية، مثل تفجير خطوط الإمداد وإعاقة تحركات العدو. لقد برز أبطال منظمة سيناء العربية الذين سطروا ملاحم فدائية وغيرهم من أبناء القبائل. الذين لم يترددوا في تقديم أرواحهم فداءً للوطن من خلال ادوار عده منها
الدعم اللوجستي للقوات المصرية
خلال حرب الاستنزاف وحتى العبور العظيم، قدم أهل سيناء مساعدات كبيرة للقوات المسلحة، حيث وفروا ملاجئ آمنة للمقاومين. كما ساعدوا في تهريب الأسلحة والإمدادات الضرورية عبر الصحراء، مما كان له دور محوري في إنهاك العدو،.
حقا يمثل يوم العاشر من رمضان يوم النصر المشهود واستعادة الكرامة. فلم يكن هذا الانتصار ليحدث لولا بسالة الجنود المصريين. ودعم الشعب، وخاصة أهالي سيناء الذين كانوا جزءًا لا يتجزأ من معركة التحرير. وبعد الحرب، استمرت تضحياتهم حتى تم تحرير سيناء بالكامل في 25 أبريل 1982، طبقا لاتفاقية السلام. واستكملت ملحمة استعادة الأرض عبر الدبلوماسية بعد النصر العسكري، فكانت عودة طابا انتصار للدبلوماسية المصرية.
سيظل انتصار أكتوبر علامة فارقة فى التاريخ الوطنى والقومى، وسيظل دور أهلنا فى سيناء محفورًا في سجل البطولات المصرية. فهم لم يكونوا مجرد سكان لهذه البقعة العزيزة، بل كانوا درعًا وسيفًا للوطن قدموا الغالي والنفيس في سبيل التحرير. ولا يزالون حتى اليوم خط الدفاع الأول عن أمن مصر القومي، وأن سيناء ستظل دائمًا جزءًا لايتجزأ من قلب الوطن.