رفعت الجمال أسطورة المخابرات المصرية الذي اخترق قلب إسرائيل وساهم في نصر أكتوبر

يعد رفعت الجمال المعروف باسم رأفت الهجان واحدا من أعظم الأبطال في تاريخ مصر الحديث، فقد لعب دورا حاسما في مد المخابرات المصرية بمعلومات شديدة الحساسية ساعدت بشكل مباشر في تحقيق الانتصار في حرب أكتوبر عام 1973.
من هو رفعت الجمال
ولد رفعت علي سليمان الجمال في الأول من يوليو عام 1927 بمحافظة دمياط داخل أسرة متوسطة، وكان والده يعمل في تجارة الفحم بينما تميزت والدته بثقافة واسعة وإجادة ثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية، وهو ما أثر في شخصيته منذ الصغر وجعلها متعددة الجوانب والثقافات.
وخلال سنوات دراسته، انجذب الجمال إلى قصص كفاح البريطانيين ضد النازية في الحرب العالمية الثانية، مما دفعه إلى تعلم الإنجليزية بلكنة بريطانية سليمة إلى جانب إتقانه الفرنسية بلكنة باريسية أصيلة، وهو ما عزز من قدرته على الاندماج في بيئات مختلفة بسهولة.
وبعد التخرج عمل محاسبا في إحدى شركات النفط بالبحر الأحمر، ثم تركها وانتقل للعمل مساعد محاسب على متن السفينة حورس، وهي التجارب التي صقلت خبراته وفتحت له آفاقا جديدة قبل أن تبدأ رحلته مع المخابرات المصرية.
بعد انضمامه إلى جهاز المخابرات خضع رفعت الجمال لتدريب مكثف شمل مجالات متعددة، حيث درس الاقتصاد وسلوكيات اليهود وتاريخهم وديانتهم، وتعلم التمييز بين اليهود الأشكناز والسفارديم، كما تدرب على التصوير والتحميض واستخدام معدات التجسس الدقيقة والكتابة بالحبر السري وفك الشفرات وتشغيل أجهزة الراديو، إضافة إلى التدريب على استخدام الأسلحة الصغيرة وصناعة القنابل الموقوتة، وكلها مهارات أساسية لضمان نجاح مهمته داخل إسرائيل.
وفي يونيو عام 1956 بدأ تنفيذ مهمته الكبرى حين توجه إلى إسرائيل متخفيا تحت اسم ديفيد شارل سمحون، واستطاع بذكائه وقدرته على التمثيل أن يخترق المجتمع الإسرائيلي ويؤسس شبكة علاقات واسعة، كما نجح في إقامة مصالح تجارية كبرى في تل أبيب جعلته شخصية معروفة وموثوقا بها هناك.
خدع الكيان 17 عام
وعلى مدى سبعة عشر عاما كاملة عاش رفعت الجمال في قلب إسرائيل دون أن يثير أي شكوك، وكان مصدرا مهما للمعلومات التي احتاجتها مصر في أصعب الفترات، حيث لعب دورا بارزا في كشف تفاصيل خط بارليف الدفاعي الذي اعتبره الإسرائيليون حصنا منيعا على الضفة الشرقية لقناة السويس.
ومن خلال عمله في إحدى الشركات السياحية بإسرائيل تمكن من نسج علاقات مباشرة مع قادة بارزين مثل جولدا مائير وموشي ديان، وهو ما مكنه من الحصول على معلومات عسكرية بالغة الخطورة ساعدت مصر في التخطيط لحرب أكتوبر.
وبعد أن أدى مهمته على أكمل وجه وغادر معلوماته أثرا مباشرا في نجاح العبور وانتصار الجيش المصري عام 1973، ترك رفعت الجمال إسرائيل وانتقل إلى ألمانيا حيث عاش تحت اسم جاك بيتون مع زوجته الألمانية فالتراود بيتون، وأنجب ابنه الوحيد دانيال، ليستمر في حياته بعيدا عن الأضواء.
وعاشت زوجته سنوات طويلة لا تعرف هويته الحقيقية، فقد أقنعها بأنه رجل أعمال إسرائيلي يمتلك شركة سياحية في تل أبيب، وكان يصطحبها إلى هناك حيث التقت بعدد من الشخصيات الإسرائيلية البارزة مثل دافيد بن غوريون، وظلت هذه الصورة قائمة حتى رحيله.
وفي عام 1982 توفي رفعت الجمال في ألمانيا بعد صراع مع مرض السرطان، لتتكشف بعد وفاته تفاصيل قصته الملحمية التي ظلت سرا لسنوات طويلة.
بقي رفعت الجمال رمزا خالدا للبطولة والفداء، وألهمت قصته أجيالا متعاقبة، كما خلدت سيرته في الأدب والدراما المصرية من خلال مسلسل رأفت الهجان الذي عرض تفاصيل مهمته البطولية، لتظل ذكراه محفورة في وجدان المصريين والعرب كأحد أعظم أبطال المخابرات الذين كتبوا صفحات مضيئة في تاريخ الوطن.



