ذكري انتصارات أكتوبر
كتب / حاتم عبدالهادي
كانت انتصارات السادس من أكتوبر حدثاً فريداً في التاريخ المصرى، وقد سجل الشعر البدوي وقائع تلك الانتصارات الخالدة ، ولقد قاوم أهالي سيناء الاحتلال الاسرائيلي الغاصب، قاوموه بالشعر أولاً ، وبالأغانى الوطنية التراثية ، فقاوموا مناحم بيجن ،وموشى ديان وبدأوا يغنون على آلة الشبابة والمقرون والأرغول، كما خلدوا انتصارات أكتوبر على الصهاينة ، وفى هذا كان الشعراء والأهالي، بل والأطفال يغنون ضد الجنرال الإسرائيلي الغاشم ، ويقولون :
موشى ديان الأعور الأعور كل ما يمشى يتكعور
موشى ديان الغول الغول ضرب مراته بصحن الفول
موشى ديان الهش الهشّ ضرب مراته بصحن المش
لقد كانت المقاومة الشعبية على أوجها ، كما كان إضراب العريش ومؤتمر تدويل سيناء ، والعمليات التى قام بها أبناء سيناء من المجاهدين خلف خطوط العدو بالاشتراك مع المخابرات العامة المصرية من خلال منظمة سيناء العربية التى انشأها الرئيس الراحل / محمد أنور السادات بمثابة المقدمة الأولى لانتصارات أكتوبر.
لقد شارك الشاعر البدوى فى رصد أحداث العدوان الثلاثى عام 1952 م مسجلا فى ديوان الشعر البدوى (النبطى) أسمى معانى الحب والانتماء بالانتصار على المستعمرين وتحرير الأوطان من هؤلاء الغاشمين
هذا ولقد لعب الشعر البدوى دورًاعظيمًا فى الإشادة بأبطال مصر فى كل حروبها خاصة بعد عدوان 1956م ولقد سجل الشاعر البدوى بقلمه ما يختلج فى صدره من معانى الانتماء والولاء والوطنية- ومع أن الشعر البدوى اشتهر باسم الشعر النبطى خطأ- إلا أنه يجب الإشارة إلى ذلك لنفرق بينه وبين الشعر الشعبى أو الزجل والشعر العامى كذلك، ولكن قد يسأل سائل فيقول: من أين تعلم البدو الشعر وهم كانوا فى عزلة وبعيدا عن روافد الثقافة والمعرفة؟ والإجابة تكون- كما أرى- فى طبيعة الحياة (المكان) فى سيناء، حيث الصحراء وشاطئ البحر الأبيض المتوسط الساحر، وحيث النخيل وطيور السمان والبلشون والنوارس المهاجرة، وحيث الفضاء الممتد، كما أن هجرة القبائل العربية إلى سيناء قد أكسبت سكانها ثقافة مختلطة فوجدنا قبائل تهاجر من قريش وجذام ولخم وبلى ومن قيس وعيلان وربيعة وجهينة وحمير وبنى جمعة وبنى سليم وغيرهم ممن قصدوا مصر عن طريق سيناء، كما وجدنا بعض القبائل مثل السواركة والترابين والتياها والسماعنة والرميلات والفواخرية والسلايمة وغيرها، وقد جاء هؤلاء بثقافتهم ،علاوة على وجود بعض الأسر والقبائل التركية الذين نزحوا من البوسنة والهرسك وأسطنبول وشبه جزيرة البلقان وغيرها ، حيث جاءوا مع محمد على باشا إلى مصر واستقر بعضهم فى القلاع والحصون بشبه جزيرة سيناء ثم تزوجوا بالسكان هناك فنشأت ثقافات مختلفة نوكل ذلك أثر فى اللغة والفكر وأكسب المواطن السيناوى تنوعاً وتعدداً فى الثقافات ومع انصهار هذه الثقافات الوافدة بالثقافة المحلية للأهالى تكونت الثقافة السيناوية ، وليس غريبًا أيضًا أن تكسب الحروب أهالى سيناء خيالا خصبًا وتفردًا، ناهيك عن وجود الحضارة الفرعونية على أرضها ومشاهدة سكانها لكل الغازين والطامعين الذين جاءوا إلى مصر عبر أراضيها، علاوة على أنها طريق للحج المصرى القديم، وطريق للعائلة المقدسة إلى القدس، كما أنها فوق كل ذلك كانت طريقًا حربيًا (طريق حورس) وقد أكسبت كل هذه الأحداث أبناء سيناء ثقافتهم إلا أن البدو المهاجرين من الجزيرة العربية احتفظوا بطابع البداوة كثقافة خاصة بهم وحافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم فنشأ الشعر البدوى والذى أرخ لسيناء تاريخها وحضارتها وأكسبها تميزها أيضًا .
هذا ولقد شارك أبناء سيناء فى ثورة 23 يوليو 1952م، كما شاركوا فى الدفاع عن الوطن عام 1956م ورأينا مئات الشهداء من البدو يموتون دفاعًا عن الوطن، وقد سجل ديوان الشعر البدوى السيناوى هذه البطولات يقول شاعرهم:
مضت علينا أعوام وسنين وسنين
لعبوا بنا الأفرنج على هواهم
والواسطة منا ملوك وسلاطين
منهم تعذبنا وذقنا بلاهم
فى ألف وتسعمائة وخمسين واثنين
ثاروا رجال الشعب والله هداهم
جمال وصحبته ومن وراهم ملايين
فكوا جيوش شعوبهم من عداهم
جمال جاب الحق من ها الملاعين
بالرغم من أنوفهم مع لحاهم
أمم قنال الشعب رغم العدوين
وان ما عجبهم مستعد للقاهم
واللى حصل عام ستة وخمسين
توافقوا على غدرنا من هواهم
طبع اليهود الغدر حين بعد حين
نكثوا عهود الأنبياء من عماهم
بريطانيا وفرنسا ها الملاعين
لما أعتدوا على مصر ما لن هداهم
ومعهم بن جوريون ها الكافر الشين
جيشه عدو الدين واحنا عداهم
غاروا علينا ناس ماعندهم دين
بارودهم تتلامعن تبين ايداهم
جمال لحق جيشهم سكة الدين
ولخبط عليهم أرضهم مع سماهم
والله ما يدوموا حكومة بفلسطين
وجيوش العروبه حايطه من وراهم
شباب العرب عزهم نصرة الدين
أهل السعد من يوم ربى نشاهم
لو سلحونا كان حنا حظيظين
يوم النهار الشين نفزع معاهم
لكننا شعوب وللحكومة مطيعين
ووين ماصلوا نصلى وراه
وشاعرنا هنا- يحدثنا عن الثورة وعن حرب 1956م وبطولات رجال قواتنا المسلحة ضد اليهود والإنجليز والفرنسيين، وكان يتمنى أن يتم تسليح أبناء سيناء حتى يكونوا مستعدين فى أى وقت للدفاع عن الوطن فى الشدائد والمحن، كما يؤكد أن أبناء سيناء مطيعين للحكومة وللدستور المصرى ويتحملون أى مسئولية وأى تضحيات من أجل مصرنا الحبيبة، ولاشك أنها وطنية لا تحتاج إلى تشكيك أو مزايدة، فأبناء سيناء هم حماة الوطن على البوابة الشرقية