دير البلاص: كنز أثري مخفي في قلب الصعيد

أسماء صبحي – عندما يذكر التاريخ المصري، تتجه الأنظار غالبًا إلى الأهرامات وأبو الهول ومعابد الأقصر وأسوان. لكن هناك أماكن أخرى لا تقل أهمية عن هذه المعالم، وإن كانت أقل شهرة. وأحد هذه الكنوز المجهولة هو دير البلاص، الواقع في محافظة قنا بصعيد مصر، والذي يعد شاهدًا على حقبة نادرة من التاريخ المصري القديم والحديث. ويمثل مزيجًا فريدًا من التراث المعماري والصناعي والديني.
موقع دير البلاص
يقع الدير على بعد نحو 5 كيلومترات من مدينة فرشوط بمحافظة قنا، وتحديدًا على ضفاف النيل. وهو منطقة هادئة تكتنفها الحقول الخضراء والمنازل الطينية التقليدية. أما اسم “البلاص” فيُشير إلى الأواني الفخارية الكبيرة التي كانت تستخدم قديمًا لتخزين المياه والزيت، والتي عرفت بها المنطقة عبر القرون.
رغم أن الاسم يوحي بأنه دير ديني، إلا أنه ليس ديرًا تقليديًا كما يتبادر إلى الذهن. ويعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، حين أمر الخديوي إسماعيل ببنائه كمقر صناعي ضخم لصناعة السكر، ضمن مشروع نهضوي لإحياء الصناعة في الصعيد. وأنشئ الدير على طراز معماري يجمع بين الطابع الإسلامي والأوروبي. واحتوى على آلات ومعدات تم جلبها من أوروبا خصيصًا لهذا الغرض.
وتحول المكان فيما بعد إلى معلم أثري وصناعي، واحتفظ باسمه الشعبي “دير البلاص” نسبة إلى قربه من دير قديم ولبقاء طابعه التاريخي قائمًا حتى بعد توقف النشاط الصناعي فيه.
الطابع المعماري الفريد
يتكون الدير من مجموعة من المباني ذات الطابع الصناعي الكلاسيكي، مثل أبراج التقطير، ومداخن ضخمة، وساحات واسعة كانت تستخدم لنقل قصب السكر. ورغم توقف المصنع عن العمل منذ سنوات طويلة، فإن الأبنية لا تزال قائمة بشكل جيد. وتمنح الزائر إحساسًا عميقًا بعظمة المكان وأهميته في الماضي.
وتحيط بالدير أراضي زراعية شاسعة، وسكان محليون لا يزالون يتذكرون القصص التي رواها أجدادهم عن زمن ازدهاره. مما يمنح المكان طابعًا إنسانيًا وتاريخيًا غنيًا يستحق التوثيق والزيارة.
ورغم أن الدير يعد موقعًا تراثيًا مهمًا، إلا أنه لم يحظَ بالاهتمام الكافي من حيث الترويج أو التطوير السياحي. وكثير من المصريين أنفسهم لم يسمعوا به، مما يجعله فرصة مثالية لعشاق الأماكن الهادئة وغير المكتشفة. وللمهتمين بالتاريخ الصناعي لمصر في العصر الحديث.