أعراس البحرين قديمًا بين بساطة التقاليد ومبالغة العصر الحديث

كانت مراسم الزواج في البحرين قديمًا تتسم بالبساطة والود، بعيدة كل البعد عن مظاهر التباهي والإسراف التي أصبحت سمة العصر الحالي. فقد كان الشاب يتزوج قبل أن يبلغ العشرين، وتعتبر الفتاة التي تجاوزت الخامسة عشرة متأخرة عن الزواج، بينما كانت الخطابة تلعب دورًا محوريًا في جمع القلوب، حيث تحظى بثقة الجميع، وتعتبر وسيطة خير بين العائلات.
أعراس البحرين قديمًا
تبدأ خطوات الزواج حين تمر الخطابة على منازل الحي، تسأل عن الفتيات الراغبات في الزواج، وتصف محاسنهن بطريقة جذابة، ثم تنقل صورة متكاملة إلى أهل العريس. وإذا حصل توافق مبدئي، تنتقل المسؤولية إلى الخالة أو العمة، وهنا تبدأ الترتيبات الرسمية.
الملجة، وهي عقد القران، كانت تتم في جلسة يحضرها العريس ووالده واثنان من الشهود، بالإضافة إلى وكيل العروس، ويتم توثيق الزواج بعد سؤال الفتاة عن رضاها. وغالبًا ما كانت العروس لا ترى زوجها إلا ليلة الزفاف، لا سيما إذا كان من خارج الحي.
المهور آنذاك كانت رمزية جدًا، مجرد روبيات قليلة. وكان أهل العروس يقولون بفخر خذوها بعبايتها، أي أن الفتاة تعطى مع ما تلبسه فقط. وكان الأساس في الاختيار هو الخلق والدين، لا المال والمكانة، وكانوا يعتبرون البيت الزوجي هو المكان الطبيعي للفتاة.
بعد عقد القران، يحمل والد العريس هدية تسمى الطروة، وغالبًا ما تكون كمية من السمك، ترسل إلى أهل العروس. وترافقها الدزة، وهي بقجة تحوي ملابس العروس وحليها، وتنقلها النساء بأغان وزغاريد تعكس الفرح والبهجة. وتبدأ بعدها ليلة الحنة، التي تستمر ثلاث ليال، وتشارك فيها الفتيات والنساء بتزيين العروس بزخارف الحناء وسط أجواء مليئة بالأغاني الشعبية القديمة.
أما ليلة الزفاف، فكانت تقام عادة يوم الجمعة. ويتعاون الأهل والجيران في تجهيز بيت الزوجية، حيث يحضر كل بيت شيئًا من الأثاث أو الزينة، فتفرش الغرفة بالمساند والمناظر التي تظهر حسن الضيافة والتكاتف. ويعم الفرح أرجاء الحي، فالزواج كان يعتبر مناسبة جماعية يشارك فيها الجميع.
تبدأ الزفة بعد صلاة المغرب، وقد يتأخر العريس إذا كان بيت العروس بعيدًا. يمر الجميع بمسجد الحي لأداء صلاة العشاء، ثم يكملون طريقهم إلى بيت العروس بأغان تقليدية وزغاريد لا تنقطع. وكانت العروس تزين بأدوات طبيعية، فتغسل شعرها بالطين والماء، وتطيبه بالسدر والحناء، وتعطره بالمشموم والياسمين والرازقي.
أما الزينة، فكانت بسيطة وجذابة، الكحل للعيون، والديرمة للشفاه، والحلي من الذهب، وبعض العائلات الفقيرة كانت تستعير الذهب من الجيران. ومن الحلي المعروفة آنذاك، القرط، الخزامة، المرتعشة، السبحة، المعضد، والخواتم.
أما العريس، فكان يرتدي الثوب والبشت والغترة والعقال والنعال الزبيرية، ويتعطر بالعود والعطور العربية الأصيلة، ويسير في زفة يرافقه فيها الأهل والأصدقاء. وكان المجتمع يضفي على المناسبة طابعًا من الدفء والتعاون والفرح الحقيقي، بعيدًا عن المبالغة أو التكلف.
لا يمكن نسيان تلك الأيام التي كانت فيها الأفراح البحرينية عنوانًا للبساطة والرضا، حيث كانت القلوب متقاربة، والفرح مشتركًا، والنية خالصة. واليوم، وسط ما نشهده من مبالغة في حفلات الزفاف، تزداد الحاجة للعودة إلى تلك القيم الجميلة التي صنعت الذكريات الأجمل في وجدان المجتمع البحريني.