الذكرى الـ36 لعودة طابا.. كيف أربكت مصر الاحتلال واستعادت أرض الفيروز؟

أميرة جادو
تحل اليوم الذكرى السادسة والثلاثون لعودة مدينة طابا إلى السيادة المصرية، الحدث التاريخي الذي شهد رفع العلم المصري على أرضها، إيذانًا بانتهاء أطول النزاعات القانونية مع الاحتلال الإسرائيلي، بعدما حسم التحكيم الدولي القضية لصالح مصر، مؤكدًا حقوقها المشروعة في استرداد تلك المنطقة الحدودية الواقعة في قلب سيناء.
ذكرى عودة مدينة طابا إلى السيادة المصرية
وبهذا الانتصار القانوني غير المسبوق، أسدل الستار على آخر قطعة من الأراضي المصرية التي ظلت تحت الاحتلال الإسرائيلي عقب نكسة يونيو 1967، لتكتمل بذلك ملحمة تحرير سيناء التي بدأها الجيش المصري بانتصارات حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وتُوجت باسترداد آخر شبر من أرض الفيروز في عام 1988.
كيف قاومت مصر التضليل الإسرائيلي لاستعادة طابا؟
وفي هذا الإطار، كشف الدكتور عبد الرحيم ريحان، الخبير الأثري وعضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، الذي واكب القضية منذ بدايتها، تفاصيل تلك المعركة القانونية الشرسة، حيث كان يشغل وقتها منصب مفتش لآثار طابا قبل وبعد عودتها، ويستند في حديثه إلى كتاب “طابا قضية العصر” للمؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق.
وأكد “ريحان”، أن المنطقة المتنازع عليها لم تتعدَ كونها شرفة صغيرة على رأس خليج العقبة بمساحة 1020 مترًا مربعًا، ورغم صغر حجمها، إلا أن إسرائيل اعتبرتها مسألة حياة أو موت، إذ صرح وكيل حكومة الاحتلال روبي سيبل أثناء المرافعات بأنها بالغة الأهمية لمدينة إيلات، بل وصفها بأنها ضاحية لها، في محاولة لفرض أمر واقع عبر إقامة استثمارات سياحية وبنية مدنية فيها لتعزيز وجودهم.
خطة الاحتلال لتغيير معالم طابا
لم يكتفي الجانب الإسرائيلي بالاحتلال العسكري، بل عمد إلى تزييف الواقع الجغرافي بين عامي 1967 و1982، من خلال إزالة العلامات الحدودية المصرية، وتحديدًا أنف الجبل الذي كان يصل إلى مياه خليج العقبة، حيث أقاموا مكانه طريقًا يربط بين إيلات وطابا، وهو ما جعل مهمة الجانب المصري شاقة للغاية في العثور على العلامة الحدودية الأصلية التي اختفت معالمها تمامًا.
وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور ريحان، أن القرار الحاسم الذي صدر في 13 مايو 1985 عن رئيس مجلس الوزراء المصري، بتشكيل اللجنة القومية العليا لطابا، والتي ضمت نخبة من الكفاءات القانونية والتاريخية والجغرافية، وقد تحولت اللجنة إلى هيئة الدفاع المصرية التي قادت ملف القضية من البداية وحتى النهاية، مرتكزة على الأدلة والوثائق التي بلغت نسبتها 61% من مجمل الإثباتات المقدمة.
والجدير بالإشارة أن البحث في الوثائق لم يقتصر على فترة الانتداب البريطاني بين عامي 1922 و1948، بل امتد ليشمل وثائق تعود للقرن التاسع عشر وما بعد عام 1948 حتى ما بعد حرب يونيو، بحثًا دقيقًا في دار الوثائق القومية، الخارجية البريطانية، دار المحفوظات العامة في لندن، الخرطوم، إسطنبول، محفوظات الأمم المتحدة، وحتى الوثائق الأثرية المصرية الصادرة عام 1986.
مفاجأة قلبت الموازين وأربكت إسرائيل
والمفاجأة كانت عند العلامة الحدودية رقم 91، حيث رفض الوفد المصري الموقع الذي اقترحه الإسرائيليون وأصر على الصعود إلى قمة الهضبة، وهناك عثر المصريون على القاعدة الحجرية الأصلية للعلامة، لكن العمود الحديدي المغروس بها كان مفقودًا، المفاجأة الكبرى وقعت حين تمكن أحد الضباط المصريين من اكتشاف العمود الحديدي على منحدر شديد الوعورة، فحمله رغم وزنه البالغ قرابة 70 كجم، واتضح أن عليه الرقم 91 بوضوح، ما أصاب الوفد الإسرائيلي بالذهول، ودفع أحد أعضائه للاعتراف قائلاً: “الطبيعة لا تكذب أبدًا”.
الحكم التاريخي الذي أعاد طابا لمصر
وتحدث الدكتور ريحان، عن المشهد الفاصل يوم الخميس 29 سبتمبر 1988، داخل قاعة مجلس مقاطعة جنيف، حين دخلت هيئة المحكمة يتقدمها القاضي السويدي جونار لاجرجرين لتنطق بالحكم المنتظر، وجاء القرار بأغلبية أربعة أصوات، مقابل صوت معترض وحيد من القاضية الإسرائيلية، ليعلن رسميًا أن العلامة 91 تقع في الموقع الذي حددته مصر.
والجدير بالذكر أن الحكم التاريخي جاء في 230 صفحة، قسمت إلى ثلاثة أقسام: إجراءات التحكيم، وأسباب الحكم التي أكدت أحقية مصر، ومنطوق الحكم الذي انتهى إلى عودة طابا كاملة للسيادة المصرية، ليرفع العلم المصري على أرضها في 19 مارس 1989.