عائلة الحريري: رافد من روافد السياسة والاقتصاد في لبنان

أسماء صبحي
تعتبر عائلة الحريري من العائلات اللبنانية البارزة التي تركت بصمة كبيرة في السياسة والاقتصاد في لبنان والعالم العربي. وتعود شهرة العائلة إلى رفيق الحريري، رجل الأعمال والسياسي اللبناني. الذي لعب دورًا محوريًا في تاريخ لبنان الحديث.
ولد رفيق الحريري في عام 1944 في مدينة صيدا. وبدأ حياته المهنية في مجال الأعمال قبل أن يصبح أحد أبرز الشخصيات السياسية في لبنان. ومن خلال مسيرته المتميزة، استطاع أن يعيد لبنان إلى الساحة الدولية ويجعله نقطة محورية في المنطقة من خلال الاستثمارات الكبرى في البنية التحتية.
مسيرة عائلة الحريري
بدأ رفيق الحريري حياته التجارية في مجال المقاولات. حيث أسس مجموعة سعودي أوجيه في السبعينات، التي أصبحت من الشركات الكبرى في الشرق الأوسط. كانت البداية صعبة. ولكن بفضل عزيمته وجهوده، تمكن من تحويل شركته إلى قوة اقتصادية كبيرة داخل السعودية ومنطقة الخليج العربي.
استخدم رفيق علاقاته القوية في السعودية لتحقيق نجاحات اقتصادية هائلة. كما تمكن من التوسع في العديد من المشاريع الضخمة مثل بناء المنشآت العمرانية والفنادق والمشاريع الحكومية. ومع تزايد ثروته، أصبح شخصية محورية في الساحة السياسية اللبنانية. حيث قرر الدخول في العمل السياسي بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في التسعينات.
الدور السياسي لـ عائلة الحريري
في عام 1992، تولى رفيق الحريري منصب رئيس وزراء لبنان، بعد انتخابه من قبل مجلس النواب اللبناني. وقد تكون بداية مرحلة إعادة البناء قد جاءت في وقت صعب. إذ كانت البلاد تعاني من دمار شامل نتيجة الحرب الأهلية التي دامت لسنوات. وبفضل رؤية رفيق الحريري، بدأ لبنان يشهد انطلاقة اقتصادية كبيرة في فترة التسعينات.
كما قاد العديد من المشاريع التنموية الكبرى، وعلى رأسها مشروع إعادة إعمار بيروت. والذي كان يهدف إلى استعادة جمال المدينة وعراقتها مع تعزيز البنية التحتية الحديثة.
وكان لحكمه دور كبير في تحفيز الاقتصاد اللبناني من خلال مشاريع إعادة البناء والتنمية. وأصبح يعرف بلقب “رجل الإعمار” بسبب مشروعاته الضخمة التي حولت بيروت إلى مدينة حديثة ومتطورة. أصبحت على إثرها مدينة ذات سمعة عالمية في مجال السياحة والأعمال.
لكن، رغم الإنجازات الكبيرة، واجهت حكومته العديد من التحديات السياسية الداخلية والخارجية، بما في ذلك التدخلات السورية في الشؤون اللبنانية. فبينما كان يطالب رفيق الحريري بسيادة لبنان واستقلاله، كانت سوريا تتمتع بنفوذ كبير في لبنان خلال تلك الفترة. وهو ما أدى إلى صراعات سياسية مستمرة.
اغتيال رفيق الحريري
في 14 فبراير 2005، تعرض رفيق الحريري لاغتيال مفاجئ في تفجير ضخم في بيروت أسفر عن مقتل الحريري وعدد من مرافقيه. وكان لهذا الحادث تأثير مدوٍ في لبنان والمنطقة ككل، حيث أوقع العديد من الشخصيات السياسية في حالة من الصدمة. كما قوبل اغتياله بتظاهرات عارمة تحت شعار “ثورة الأرز”، ما أدى إلى ضغط دولي كبير على النظام السوري لسحب قواته من لبنان.
وشهد هذا الحدث تحولات سياسية ضخمة في لبنان. منها تسريع عملية خروج القوات السورية من الأراضي اللبنانية بعد 29 عامًا من التواجد العسكري في البلاد.
وبعد اغتيال رفيق الحريري، ازدادت التوترات السياسية في لبنان. وشهدت البلاد انقسامًا حادًا بين المؤيدين والمعارضين للتدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية. كما كان اغتيال الحريري نقطة تحول في العلاقات اللبنانية-السورية. حيث أصبحت لبنان أكثر تمسكًا بسيادتها واستقلالها السياسي.
سعد الحريري
وبعد اغتيال والده، تولى سعد الحريري، الابن الأكبر لرفيق الحريري، قيادة تيار المستقبل وورث العديد من القيم السياسية والاقتصادية التي تبناها والده. وفي عام 2009، تولى سعد الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية لأول مرة. وشارك في محاولة إعادة الاستقرار إلى لبنان بعد سلسلة من التوترات السياسية والأزمات الاقتصادية.
وفي عام 2016، أصبح رئيسًا لمجلس الوزراء اللبناني مرة أخرى بعد انتخابات لم تسجل فيها مفاجآت كبيرة. ليعتبر أحد الشخصيات السياسية البارزة في لبنان حتى يومنا هذا.
وكان سعد الحريري، مثل والده، يواجه تحديات كبيرة في سعيه لتحقيق استقرار سياسي واقتصادي في لبنان. وعلى الرغم من العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان. لا يزال سعد الحريري يمثل قوى فاعلة في السياسة اللبنانية، محاولًا استكمال الطريق الذي بدأه والده.
ويقول الدكتور سامي الناظر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيروت العربية، إن عائلة الحريري تمثل نموذجًا مميزًا في السياسة اللبنانية. فبينما قدمت العديد من الإسهامات الاقتصادية، فإنها لعبت أيضًا دورًا مهمًا في إعادة بناء لبنان بعد الحرب الأهلية. لكن التحديات التي واجهتها، خاصة بعد اغتيال رفيق الحريري، جعلت العائلة محط أنظار المجتمع الدولي. كما كانت العائلة دائمًا جزءًا لا يتجزأ من حياة لبنان السياسية، ولا يزال تأثيرها واضحًا حتى اليوم.