كتابنا

عبدالرحيم أبو هارون الشريف يكتب :السيدة رقية بنت الإمام علي  أم الشهداء

عبدالرحيم أبو هارون الشريف يكتب :السيدة رقية بنت الإمام علي  أم الشهداء وزوجة سفير الإمام الحسين إلى الكوفة

 

إشتهرت مصر التاريخية ، أو القاهرة الفاطمية بالإهتمام ورعاية العديد من المساجد والأضرحة المنسوبة لآل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) ، والتي ما ترك زيارتها المسلمون عبر التاريخ وحتّى يومنا هذا . على اعتبار أن هذه الأماكن هي مهبط للرحمة الإلهية ، ومظنة إستجابة الدعاء ، لكرامة من يحتضن القبر الشريف في داخله ، هذه الكرامة المستمدّة من طاعة الله ولزوم عبادته من جهة ، ومن ذاك النسب الطاهر والشريف المتّصل بخاتم الرسل والنبيين محمّد صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين ، من جهة ثانية هذه المساجد والأضرحة ما تزال موضع عناية المسؤولين في وزارتي الآثار والأوقاف في مصر ، وهذا دليل إضافي يظهر مدى تعلق المسلمين والمصريين من كافة أطيافهم ، بهذه الأماكن الشريفة.

اليوم يحتفل الشعب المصري بمولد السيدة رقية بنت الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وهو اليوم الثاني من إنتهاء فاعليات مولد كريمة الدارين ونفيسة العلوم السيدة نفيسة بنت الإمام الحسن الأنور بن الإمام زيد الابلج بن الإمام الحسن بن أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ، ومن أجل هذة المناسبة والذكرى العاطرة والشخصية النبيلة حديثنا في هذا الموضوع يدور حول شخصية السيدة رقية بنت الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ، الذي يقع مقامها والمسجد التابع لها في حي الأشراف ، في منطقة مصر القديمة ، والسيدة رقية عليها السلام وغيرها من آل البيت عليهما السلام المنتشرين في ربوع مصر المعمورة ، ومساجد يذكر اسم الله فيها ، ويصلى على نبيه وآله آناء الليل وأطراف النهار .

التعريف بصاحبة الفرح والمسجد والمقام الشريف السيدة رقية بنت الإمام عليهما السلام:

 

هي السيدة رقية بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وارضاهما ، هي بنت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ورابع الخلفاء الراشدين عند أهل السنة والجماعة ، أمها الصهباء بنت ربيعة التغلبية ، وهي شقيقة عمر الأكبر ، الملقب بالأطرف ، وقد تزوجها إبن عمها سيدنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهما وارضاهما الذي أرسله إلى أهل الكوفة لأخذ البيعة منهم ، وكان أول من أستشهد من أصحاب الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما وارضاهما في الكوفة، وقد عُرف فيما بعد بأنّه (سفير الإمام الحسين) ، وهو العلم الشامخ ،ثقة الإمام الحسين عليه السلام وسفيره الى أهل الكوفة ، والشجاع الابيّ الذي ذكرت الناس بطولته ببطولة عمه أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) ، يوم جابه جموع ابن زياد لوحده ، حتى غُدر به بالأمان الكاذب والحفيرة الخيانية، فكان الشهيد السعيد الذي سبق أصحاب الإمام الحسين الى الشهادة .

كان مسلم (عليه السلام) من أجِلَّة بني هاشم ، وكان عاقلاً عالماً شجاعاً ، وكان الإمام الحسين (عليه السلام) يلقّبه بثقتي .

سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما كان محاربا فذًا اتصف بالقوة البدنية فتصفه بعض المصادر “وكان مثل الأسد ، وكان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت”. ذاك فضلا عن كونه يشبه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة أنه قال: “ما رأيت من ولد عبد المطلب أشبه بالنبي (ص) من مسلم بن عقيل .

وكان سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما مناصرا لعمه الخليفة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. فشارك في معركة موقعة صفين عام 37 هـ وجعله الخليفة علي على ميمنة الجيش مع الامامان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر الطيار رضي اللّه عنهما وارضاهما .

والسيدة رقية بنت الإمام علي عليهما السلام أمها الصهباء بنت ربيعة التغلبية كانت من سبي حرب الردة الذي أغار عليه سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه بعين التمر (اليمامة) فاشتراها سيدنا الإمام علي رضي الله عنه من سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه ، وقد تزوجها أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه بعد السيدة أسماء بنت عميس ، وتكنى السيدة الصهباء بأم حبيب أو أم حبيبة ، وهي جارية أم ولد ، وكانت من حضرت واقعة الطف ، ووصلت للمدينة المنورة وتوفيت فيها ، فدفنت بالبقيع.

وقد سمى الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه سمي السيدة رقية بهذا الإسم تيمنا بالسيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.

تذكر بعض المصادر التاريخية أن السيدة رقية عليها السلام ولدت في المدينة المنورة عام 13 هـ ، ونشأت بها وعندما بلغت نحو العشرين عامًا خطبها مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما من عمه الإمام علي عليه السلام فتزوجها ، وقد أنجبت له أربع ويقال أيضاً أنهم ثلاث أبناء هم عبد الله الأكبر ومحمد واللذان استشهدا في معركة كربلاء ، وكذا علي رضي الله عنهما وارضاهما

هكذا لم يكتف سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما بتضحيته بنفسه وشهادته ، فقد قدّم أولاده في طريق الإسلام بين يدي الإمامة الحقة يوم عاشوراء فكان منهم سيدنا عبدالله وسيدنا محمد بن مسلم رضي الله عنهما وارضاهما.

إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بقتله:

تذكر بعض المصادر التاريخية بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عنه وعن مكانته واستشهاده .

قال الإمام علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : (يا رسول الله إنّك لتحبّ عقيلاً)؟قال: (أي والله إنّي لأحبّه حُبَّين، حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي طالب له ، وإن ولده مقتول – ويقصد بذلك مسلم – في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون).

ثمّ بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى جرت دموعه على صدره، ثمّ قال : (إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي)

وعن استشهاد نجلها سيدنا عبدالله بن مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما

وقال البلاذري: «ورمى عمرو بن صبيح الصيداوي عبد اللّه بن مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما ، واعتوره الناس فقتلوه، ويقال: إن رقاد الجنبي كان يقول: رميت فتى من آل الحسين ويده على جبهته فأثبتها فيها، وجعلت أنضنض سهمي حتى نزعته من جبهته وبقي النصل فيها».

وقال السماوي : وكانت قتلته بعد الإمام عليّ الأكبر بن سيد الشهداء الإمام الحسين عليهما السلام ، فيما ذكره أبو مخنف والمدايني وأبوالفرج دون غيرهم».

يقول الطبري في تاريخه نقلاً عن حميد بن مسلم الأزدي، وكذا الشيخ المفيد في الإرشاد :

«رمى عمرو عبد الله بسهم وهو مقبل عليه، فأراد جبهته فوضع عبد الله يده على جبهته يتقى بها السهم فسمر السهم يده على جبهته فأراد تحريكها فلم يستطع ثم انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه فوقع صريعاً»

أنّه برز عبد الله بن مسلم بعد هلال بن الحجاج إلى الميدان، وهو يرتجز، ويقول:

أقسمت لا أقتل الا حراً
و قد وجدت الموت شيئاً مراً
أكره ىن ادعي جبانا فرا
ان الجبان من عصي و فرا

وقيل أن عبد الله بن مسلم عندما برز في الميدان كان يقول:

الْيوم الْقي مُسْلِماً وَ هُوَ ابي
وَ فِتْيةٌ بادوا عَلي دِينِ النَّبِي
لَيسَ كقَوْمٍ عُرِفُوا بالْكذِبِ
لكنْ خِيارٌ وَ كرامُ النْسَبِ
من هاشم السادات أهل الحسبِ

أما استشهاد سيدنا محمد بن مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما :

بعد قتل سيدنا عبد الله بن مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما حمل بنو أبي طالب حملة واحدة ، فصاح بهم الحسين: «صبرا على الموت يا بني عمومتي» ، والله لا رأيتهم هواناً بعد هذا اليوم”، فقُتل منهم على أرض الشهادة : كل من سيدنا عون بن عبد الله بن جعفر الطيار وأمه زينب بنت أمير المؤمنين (عليها السلام). وأخوه محمد بن عبد الله بن جعفر وعبد الرحمن بن عقيل بن ابي طالب ، وأخوه جعفر بن عقيل ومحمد بن مسلم بن عقيل رضي الله عنهما جميعاً وارضاهما ، وكان سيدنا محمد بن مسلم رضي الله عنهما وارضاهما قاتلاه هما أبا مرهمٍ الأزدي ولقيط بن أياس الجهني ، لينال سيدنا محمد بن مسلم رضي الله عنهما وارضاهما ذلك الشرف السامق مع بقية الشهداء ، كما يروي ابو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين).

من شيبة الحمد شبان مشت مرحاً

لنصرة الدين .. لا كبراً ولا تيها

ليست تبالي وللأسياف صلصلة

مطبق سعة الغبراء داويها

وللرماح اصطكاك في أسنتها

وللسهام اختلاف في مراميها

وللرؤس انتثار في كواهلها

وللصدور انتظام في مجانيها

لو لم يكن همها نيل السعادة ما

أبقت على الارض شخصاً من أعاديها

وعن قصة استشهاد سيدنا مسلم عليه السلام زوج السيدة رقية عليها السلام

ترجع الأحداث إلى أنه بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان وتنصيب يزيد بن معاوية خليفةً من بعده بالمخالفه لمبدأ الشورى بين المسلمين وكذا شروط الصلح التي قد تم الإتفاق عليها مع الإمام الحسن عليه السلام ، والذي سمي بعام الجماعة والذي بشر بة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان قد قال إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، كان للإمام الحسين عليه السلام موقفٌ رافضٌ معارضٌ لهذا التنصيب . وبعد رفض الإمام الحسين عليه السلام طلب حاكم المدينة المنورة من الإمام الحسين عليه السلام مبايعة يزيد ، فرفض بقوله الشهير «مثلي لا يبايع مثله»، ورأى أن الوضع داخل المدينة أصبح خطرا عليه وعلى أهله . الأمر الذي استدعى مغادرته للمدينة على وجه السرعة ، فانتقل منها إلى مكة.

كانت أخبار هذه التطورات تصل إلى أهل الكوفة التي تحوي على عددٍ لا بأس به من أنصار الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، المتحمسين إلى مبايعة الإمام الحسين عليه السلام . فاجتمعوا في بيت سليمان بن صرد وكتبوا إلى الحسين ما نصه :

«بسم الله الرحمن الرحيم. للحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلامٌ عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمر عليها بغير رضًا منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبعدًا له كما بعدت ثمود! إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق. والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشأم إن شاء الله؛ والسلام ورحمة الله عليك.»

وصلت الرسالة ومعها رسائل أخرى أرسلت من أهل الكوفة أيضًا ومن البصرة تدعو سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام للقدوم إليهم وتنصيبه خليفة للمسلمين ، وفور وصول الرسائل له كلف سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما بالذهاب إلى الكوفة والإطلاع على حال أهلها واستعداد المدينة لاستقبال الإمام الحسين عليه السلام من عدمه .

تحرك سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما من مكة حاملاً معه رسالة الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة ، وأخذ معه دليلين من أهل الكوفة ، لكنهما تاها بالطريق ولقيا حتفهما من العطش ، إلا أن سيدنا مسلم عليه السلام وصل سالمًا إلى الكوفة .

استقبل الكوفيون سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما بكثير من الحفاوة ، وتلا ابن عقيل عليهم كتاب الإمام الحسين عليه السلام فخنقتهم العبرات وتعالت نداء المناصرة للحسين عليه السلام ، وتروي المصادر أن عدد المبايعيين في ذلك اليوم كان 18 ألف. فأرسل سيدنا مسلم عليه السلام برسالة للإمام الحسين عليه السلام يطلب منه القدوم إلى الكوفة .

كانت هذه الأحداث تصل إلى مسامع والي الكوفة الأموي النعمان بن بشير فلم يكن يقوم بشيء غير نصح الناس على المنبر بترك مبايعة الإمام الحسين عليه السلام ، وكان الأمويين من أهل الكوفة يرون أن النعمان إما ضعيف أو أنه يتظاهر بالضعف بفعل عدم اتخاذه إجراءات عسكرية ضد الملتفين حول مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما.

حتى وصل الأمر أن اتهموه وهو على المنبر بالضعف فأجابهم: «أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله» فقام بعض أهل الكوفة بإرسال رسالة إلى يزيد يخبرونه بمجريات الأمور وبما رأوه تقاعسًا لأميرهم من والي الكوفة.

مع وصول هذه الكتب إلى يزيد ، أشار سرجون (وهو أحد مستشاري يزيد وكان مساعدًا لمعاوية) إلى يزيد بعزل النعمان عن ولاية الكوفة وتأمير عبيد الله بن زياد عليها؛ لوسع حيلته وتدبيره وكان أميرًا على البصرة. فسارع يزيد بالأخذ بنصيحة سرجون وعين عبيد الله أميرا للكوفة وأمره بالتحرك إليها بسرعة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة .

لم يضيع عبيد الله بن زياد كثيرا من الوقت ، فترك على حكم البصرة أخاه عثمان بن زياد ، ودخل إلى الكوفة متلثما يلبس عمامة سوداء مقلدا ملابس الإمام الحسين عليه السلام ولا يكلم أحدا ويصحبه بضع من أصحابه ، وكان أهل الكوفة ينتظرون الإمام الحسين عليه السلام فلما رأوا عبيد الله ظنوه الإمام الحسين عليه السلام واستقبلوه بالورود ، فتحرك الموكب حتى وصل القصر عندها كشف عن هويته الحقيقة لحراس القصر فدخل دار الإمارة وعزل النعمان . وما أن علم أهل الكوفة به حتى أصابتهم كآبة وحزن شديد .

قام ابن زياد بالخطبة بالناس محذرا إياهم من ما سماه «الفتنة» وحذر المناصرين للإمام الحسين عليه السلام بالقتل والسجن والملاحقة الشديدة ، ثم بعد ذلك بدأ بعملية بث الجواسيس داخل المدينة للوصول إلى سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما المختبئ هناك ، فأرسل شخصا يدعى «معقل» ومعه ثلاثة آلاف درهم يحملها إلى سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما ويتظاهر بأنه أجنبي جاء من خارج الكوفة. فاستطاع أن يصل إلى سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما الذي كان موجودا في بيت سيدنا هانئ بن عروة رضي الله عنه وأرضاه وهو أحد أنصار الإمام الحسين عليه السلام. فأعطاه المال وغادر المكان متجها إلى ابن زياد ليبلغه بمحل اختباء سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما.

شك سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما بالرجل فغادر بيت هانئ ، وما هي إلا فترة قليلة وأصبحت الدار محاصرة بالشرطة الذين لم يجدوا في الدار إلا هانئ فاعتقلوه ، استجوب عبيد الله هانئ بن عروة لمعرفة مكان سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما ، إلا أن هانئ لم يفصح عن مكانه قائلا : «والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه .» فأمر سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما رجاله بالنهوض فنهض معه أربعة آلاف توجهوا جميعهم إلى القصر وحاصروه .

فامر عبيد الله أنصاره بإثارة الشائعات في الكوفة وإخبار الناس حول جيش أموي جرار قادم من الشام سيفتك بكل من يقف ضد الدولة الأموية ، كما قام برشوة زعماء بعض القبائل ليقوموا بتخذيل أقاربهم عن نصرة سيدنا مسلم عليه السلام وبالفعل حدثت بلبلة كبيرة في الكوفة ، وبدأ الناس بالتفرق من حول سيدنا مسلم عليه السلام ، حتى إذا حان الليل أغدى وحيدا ليس معه أحد ، وصار يتجول في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب ، وأخذ يلتفت يميناً ويساراً ، فقال : “يا سبحان الله غرنا هؤلاء بكتبهم ثم أسلمونا إلى أعدائنا”.

فبعث عبيد الله بن زياد الوالي على الكوفة عمرو بن حريث المخزومي – وكان صاحب شرطته – ومعه عبد الرحمن ومحمد بن الأشعث في سبعين أو ثمانين فارسا ، فلم يشعر سيدنا مسلم عليه السلام إلا وقد أحيط بالدار التي هو فيها ، فسمع سيدنا مسلم عليه السلام وقع حوافر الخيل ، و قال: “يا نفس! أخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص”. فخرج سيدنا مسلم ابن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما يقاتل الجنود ويرتجز:

أقسمـــــــت لا أقتل إلا حراً وإن رأيت الموت شيئاً نُكرا
أكره أن أخــــــــــــدَع أو أغرّا أو أخلط البــــــــارد سخناً مرّا
كلّ امرئ يوماً يلاقى شرّا أضربكم ولا أخـــــــــــــاف ضرّا
وتكاثروا عليه، وقد أثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه ، فخرّ إلى الأرض ، فأُخذ أسيراً” ، حتى لم يقدروا عليه على كثرة عددهم ، فعرض عليه محمد بن الأشعث الأمان مقابل أن يرمي سلاحه فقبل سيدنا مسلم ابن عقيل ذلك ، فأدمعت عيناه عند اعتقاله فهون ابن الأشعث عليه فقال له: «إني والله ما لنفسي أبكي ، ولا لها من القتل أرثي ، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفًا ، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إلي ، أبكي لحسين وآل حسين ».

واقتادوا سيدنا مسلم ابن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما إلى قصر الإمارة حيث عبيد الله بن زياد الذي لم يكثرت للأمان الذي وُعِدَ به سيدنا مسلم ابن عقيل رضي الله عنهما وأرضاهما ، فأمر بقتله ورموه من فوق القصر وكان ذلك في 9 من ذي الحجة 60 هـ وظل التاريخ محتفظا له بمكانته ، ويوجد قبر سيدنا مسلم عليه السلام في الجانب الشرقي في مسجد الكوفة بالعراق ، حيث يقيمون له مآتم العزاء في شهر محرّم من كلّ عام ، وخصصت الليلة الخامسة من المحرم في المجتمعات العربية الشيعية بليلة سيدنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما .

السيدة رقية عليها السلام جاءت مع عائلة الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء ، وفي أثناء الطريق أخبرت بنبأ استشهاد زوجها مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وارضاهما وشهدت واقعة الطف (معركة كربلاء) ، وكانت إحدى سبايا كربلاء وأبنائه (عدا الإمام علي زين العابدين عليه السلام) وأخواته وأصحابه وأهله واستشهد ابنها عبدالله بن مسلم رضي الله عنهما وارضاهما يوم عاشوراء ، وجاءت إلى مصر مع بقية أهل البيت عليهما السلام بعد موقعة كربلاء ، ويذكر صاحب كتاب رياحين الشريعة أن لها ابناً باسم محمد وبنتاً أخرى .

وجاءت إلى مصر بصحبة أختها عقيله بني هاشم وبطلة كربلاء السيدة زينب الكبرى عليها السلام ، وهما اللذان اختارا أن تكون مصر مكاناً آمناً لهما مع بقية آل بيت الرسول الكريم ، وكانت إقامتهما واستقرارهما في مصر محل سعادة المصريين المعروفين بمحبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان سبب وجودهما في مصر ، أنه في عام 61 هجرية ، أمر يزيد بن معاوية الأموى ، بإخراج السيدة زينب بنت الإمام على بن أبى طالب عليهما السلام ، خارج حدود المدينة ، طالبًا منها أن تختار لها بلدًا تسكن فيه عدا مكة والمدينة المنورة ، بعد أن أصبح بقاؤها يؤجج نيران الثورة ضد الخلافة الأموية بعد الأحداث الدامية التي شهدتها واقعة الطف ، فأبت فى أول الأمر وقالت «أأترك بلد أبى وجدى» ، فقال لها خبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وارضاهما «يا ابنة بنت رسول الله ، اذهبى إلى مصر ، فإن فيها قومًا يحبونكم لله ، ولقرابتكم لرسول الله ، وإن لم تجدى أرضًا تسكنيها هناك ، فستجدين قلوب أهلها وطنًا » ، فاختارت السيدة زينب عليها السلام مصر لتقيم فيها ، لتكون أول نساء أهل البيت اللاتى شرفن أرض مصر بالمجيئ إليها ، ووصلت إليها فى شهر شعبان عام 61 هجرية ، فجاءته أرض مصر مصحوبة بنفر قليل من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الإمام علي زين العابدين والسيدة فاطمة النبوية والسيدة سكينة أبناء الإمام الحسين عليهما السلام والسيدة رقية بنت الإمام علي كرم الله وجهه عليهما السلام ، وعلى مشارف مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية ، خرج لاستقبالها جموع غفيرة من أبناء الشعب المصري بالدفوف والزغاريد ، فاستقبلها والي مصر وأهل مصر استقبالًا عظيمًا ، لم يسبق له مثيل ، حيث فرحوا كثيرا بقدومها ، وذلك حبًا في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبركًا بنسبها الشريف ومن معها وكان على رأس المستقبلين والى مصر الأموى آنذاك مسلمة بن مخلد الأنصارى ، وبعد أن رأت السيدة زينب عليها السلام الترحيب الكبير ومن معها عند قدومها لمصر ، دعت دعوتها الشهيرة لأهل مصر فقالت: «أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله ، وآويتمونا آواكم الله ، وأعنتمونا أعانكم الله ، وجعل لكم من كل مصيبة مخرجًا ومن كل ضيق فرجًا»، لتظل مصر بدعواتها وبآل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم محفوظة وفي أمن وأمان ، وأقامت فى بيت الوالى حتى وافتها المنية فى الـ 14 من شهر رجب عام 62 هجرية ، ودفنت فى بيت الوالى ، الذى تحول إلى مقام ومسجد لها فيما بعد .

أما عن ضريح السيدة رقية بنت الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه بمصر

يوجد مسجد ومقام السيدة رقية عليها السلام فى منطقة شارع الأشراف وهو الشارع الذي تم تطويره وتحويله لممشى سياحي ، ضمن التطوير الشامل لمسار مزارات آل البيت عليهما السلام ، ويحمل مسجد وضريح السيدة رقية إسمها القريب من مساجد السيدة عائشة والسيدة نفيسة والسيدة سكينة رضي الله عنهما وارضاهما وبجوار مشهد مفسر الأحلام محمد بن سيرين فى منطقة الخليفة بالقاهرة ،
وكان بناء مقام ومسجد السيدة رقية عليها السلام يعود إلى العصر الأول لدخول أهل بيت رسول الله عليهما السلام والصحابة في مصر .

وقد نقش على المشهد الخارجي (( وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين وسلم تسليماً كثيرا في شهر ذي القعدة 527 هـ ، وهو حسبي الله)) كما أن هناك تابوتاً خشبياً نقش عليه بالخط الكوفي : هذا ضريح السيدة رقية بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. أمر بعمل هذا الضريح المبارك الجهة الأميرية الكريمة في 533هـ /1138 م.

وقد أعادت بناء مسجدها ابنة الآمر بالله الفاطمي

وفي هذا المقام والى جانبه ، هناك ضريحان ينسب أحدهما الى السيدة الجليلة : عاتكة عمّة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والآخر ينسب الى سيدنا علي محمد بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.

السيد محمد بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر (رضي الله عنهما وارضاهما) هو شقيق السيدة عائشة(رضي الله عنها وأرضاها) ، وبالتالي وجود قبر ومقام له في هذا المكان دليل على انه كان برفقة أخته السيدة عائشة (رضي الله عنها وأرضاها) ، تتجاور هذه الأضرحة الثلاث بشكل متلاصق ، وتعلوها قباب بيضاء.

إبن أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه والسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله
إبن العارف بالله سلطان الأولياء السلطان محمد شمس الدين ابوهارون والإمام الصوفي العارف بالله الشيخ محمد بن هارون الشريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى