تاريخ ومزارات

البروفيسور ماجد إغبارية: قصة كفاح من قرية فقيرة إلى قمة الإنجاز العلمي

وُلد البروفيسور ماجد حردان إغبارية في قرية معاوية بمدينة أم الفحم بفلسطين لعائلة فقيرة، عانى منذ صغره ظروفًا قاسية بعد أن فقد والدته عام 1967 وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، ما دفعه للخروج إلى سوق العمل لدعم أشقائه الخمسة وشقيقاته السبع. عمل في البناء، ومع أنه أكمل المرحلة الثانوية، اضطر للتوقف عن الدراسة عامًا بسبب الحاجة الملحة للعمل.

في عام 1978، بدأ ماجد رحلته الأكاديمية في الجامعة العبرية بالقدس، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الإحصاء والاقتصاد بامتياز، ليُعين بعدها معيدًا في الجامعة. واصل دراسته لنيل الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة نفسها، وأظهر تفوقًا لافتًا أهّله للحصول على منحة من جامعة تل أبيب لدراسة الدكتوراه في الأنظمة المعلوماتية. أكمل الدكتوراه خلال عامين فقط، وحصل على تقدير امتياز، مما جعله محاضرًا في جامعة هاواي بالولايات المتحدة، ثم في جامعة دروكسل بولاية فيلادلفيا، حيث قضى أربع سنوات تميز خلالها ونال لقب “بروفيسور”.

أصبح ماجد حردان رمزًا للتفوق في مجاله، إذ تعاقد مع شركات أبحاث أمريكية وواصل التنقل بين الجامعات الأمريكية، مكرسًا وقته للبحث العلمي. في عام 1996 انضم إلى جامعة وكليرمونت، وبعدها بعامين حصل على عضوية الهيئة الأكاديمية بجامعة تل أبيب، ليكون العربي الوحيد الذي شغل هذا المنصب، وترأس عدة أقسام بكلية الإدارة فيها، بما في ذلك قسم الأنظمة المعلوماتية.

بعيدًا عن مجال العلم، كان ماجد عاشقًا لكرة القدم، حيث لعب في فريق قريته معاوية في شبابه، ورغم تعرضه لكسر في قدمه منعه من الاستمرار كلاعب، ظل شغفه باللعبة حاضرًا حتى بعد انتقاله إلى أمريكا، حيث اهتم بكرة القدم الأمريكية.

في أكتوبر 1996، عانى ماجد من ألم شديد في رجليه، وكشفت الفحوصات عن إصابته بأورام سرطانية في العمود الفقري. ورغم التوقعات الطبية التي أبلغته بأنه لن يعيش أكثر من ثلاثة أشهر، تحدى المرض بإصرار مذهل وعاد لمواصلة التدريس بعد أسابيع قليلة من العملية الأولى. على مدى سنوات، خضع لسبع عمليات جراحية، لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في مشواره الأكاديمي، مدفوعًا بإيمانه بالله وثقته بقدرته على تجاوز المحنة.

استمر ماجد في نشر الأبحاث والإشراف على الطلاب حتى الأشهر الأخيرة من حياته. احتل المركز الأول عالميًا كأكثر الباحثين إنتاجًا في مجال الأنظمة المعلوماتية للفترات 1981-1991 و1991-1997، بنشره 23 بحثًا علميًا بتقييم تجاوز 10.58، متفوقًا بفارق كبير على نظرائه.

في يوليو 2002، تدهورت حالته الصحية ودخل المستشفى في كليرمونت بالولايات المتحدة، حيث وُضع تحت التخدير وتوفي يوم 18 يوليو. بوفاته، خسر العالم واحدًا من أبرز العقول في مجال الأنظمة المعلوماتية، فيما بقيت مسيرته شاهدة على إرادة لا تنكسر وعزيمة لا تعرف المستحيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى