القصور المتوارثة: كيف عاشت الأميرات الثلاثة تحت ظل الخديوي
في قلب القاهرة العتيقة، تقف قصور الخديوي إسماعيل شامخةً رغم تعاقب الزمن، شاهدةً على تاريخٍ حافلٍ يمتد لأكثر من قرن. هذه القصور ليست مجرد مبانٍ صامتة؛ بل تحوي بين جدرانها حكايات وأسراراً عن عصور مضت، عن شخصياتٍ صنعت مجد مصر وارتبطت بحكايات عائلية وإنسانية تعكس ملامح مجتمعٍ كان منفتحاً على العالم ويمتاز بذوق معماري فريد. ورغم محاولات العبث بموروثها، ما زالت تلك القصور تروي قصة أصالة لا تبهت، إذ تحولت بعضها إلى مقار حكومية، بينما بقت أخرى تحتفظ بطابعها المعماري البهي، شامخةً كأنها تهمس بذكريات أزمنةٍ جميلة.
كيف شُيدت كهدية من الخديوي إسماعيل لبناته بالتبني، وحكايات تلك الأميرات اللاتي ورثن قصورًا تخفي خلف بواباتها جدرانًا من العراقة والجمال.
أقام الخديوي إسماعيل ثلاثة قصور متجاورة لبناته بالتبني، وهي سراي الأميرة توحيدة (حاليًا وزارة الإنتاج الحربي)، وسراي الأميرة جميلة هانم (حاليًا هيئة التخطيط العمراني)، وسراي الأميرة فائقة (ديوان وزارة التربية والتعليم منذ عام 1931).
وقد ظهرت مواقع هذه القصور في خريطة جران بك عام 1874، في منطقة تقع بين شارع قصر العيني وشارع منصور جنوب شارع الطرقة الغربي (حاليًا شارع إسماعيل أباظة). وسجّل جران بك على هذه الخريطة التعديلات التي طرأت على المدينة منذ القرن التاسع عشر وحتى عصر إسماعيل، مما جعلها مرجعًا هامًا للجنة حفظ الآثار العربية في خريطة القاهرة عام 1914.
سراي الأميرة توحيدة
كانت سراي الأميرة توحيدة هانم، زوجة منصور باشا عضو المجلس الخصوصي، تمتد من شارع جامع البنات إلى درب سعادة، ويشغل موقعها الآن مديرية أمن القاهرة ومحكمة مصر، إضافة إلى سراي أخرى بشارع الفلكي (وزارة الإنتاج الحربي حاليًا).
كانت سراي الأميرة جميلة هانم، زوجة محرم باشا ناظر الجهادية (وزير الحربية)، مقر المدرسة السعيدية الثانوية سابقًا ثم مستشفى للقوات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى، ثم صارت مقرًا لمدرسة محمد علي للبنات ووزارة المعارف العامة. يشغل موقعها اليوم وزارات التموين والإسكان والبحث العلمي، ولا يزال قصرها جزءًا من هيئة التخطيط العمراني.
بنيت للأميرة فائقة هانم، الابنة المتبناة للزوجة الثالثة للخديوي إسماعيل، الأميرة جشم أفت هانم، التي حرمت من الإنجاب. نالت الأميرة فائقة مكانة خاصة لدى إسماعيل، وزُفت في سراي القصر العالي بجاردن سيتي عام 1869 في حفل أسطوري، حيث شارك الخديوي إسماعيل بنفسه في مراسم الزفاف، ومنحها راتبًا إضافيًا في عام 1874.
السرايات الثلاثة والطراز الأوروبي
شُيدت قصور الأميرات على الطراز الغربي الأوروبي البلجيكي-الفرنسي، كما جرى في القصور الملكية بعهد إسماعيل، الذي تابع نهج محمد علي باشا في الانفتاح على أوروبا واستقدام الفنانين والمهندسين لتشييد قصور الدولة ودور الحكم والمرافق العامة، ليواصل أبناؤه من بعده هذا الإرث المعماري.