تاريخ ومزارات

ذكرى استرداد طابا.. انتصار دبلوماسي لمصر في محكمة العدل الدولية

أميرة جادو

يحتفل المصريون اليوم بذكرى الحكم التاريخي لمحكمة العدل الدولية بأحقية مصر في منطقة طابا عام 1988. جاء الحكم بأغلبية أربعة أصوات مقابل صوت واحد معترض من الجانب الإسرائيلي، ووثق القرار في 230 صفحة، مما أنهى نزاعًا طويلًا استمر لسنوات بين مصر وإسرائيل حول سيادة هذه المنطقة الاستراتيجية.

توثيق تاريخي لقضية طابا

يعتبر كتاب المؤرخ الراحل الدكتور يونان لبيب رزق أحد أهم المراجع التي تناولت قضية طابا، حيث يروي الكتاب تفاصيل النزاع منذ بدايته وحتى استرداد مصر لطابا. أشار “يونان” في كتابه إلى الأطماع الاستراتيجية لإسرائيل في البحر الأحمر، موضحًا أن مشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 كان جزءًا من مساعيها لتحقيق حضور في خليج العقبة. وأضاف أن دافع إسرائيل لحرب 1967 كان أيضًا للسيطرة على مدينة إيلات، مما جعلها ترى استعادة طابا من قبل المصريين أمرًا مستحيلًا. ورغم محاولات إسرائيل لتزييف الحقائق وتغيير معالم الحدود الجغرافية للمنطقة بعد حرب يونيو، اعتمدت مصر على الحقائق التاريخية والجغرافية والسياسية في استرجاع حقها.

معركة دبلوماسية وقانونية

في كتابه “طابا- كامب ديفيد- الجدار العازل: صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية”، يصف وزير الخارجية الأسبق نبيل العربي قضية طابا بأنها كانت مواجهة حضارية بين حكومتين، حيث سعت كل منهما إلى تقديم الأدلة التي تدعم موقفها أمام المحكمة الدولية. اعتمدت كلتا الدولتين على الأدلة التاريخية والجغرافية التي جمعت من مصادر متنوعة، بما في ذلك ملفات الأمم المتحدة ودور الأرشيف في إنجلترا، تركيا، والسودان. هذه الوثائق كشفت عن جهود مكثفة قام بها الطرفان لإعداد ملفات قوية للمرافعة، ما يعكس عمق البحث والدراسة المتأنية في هذا الملف الشائك.

معركة الوثائق والمخطوطات

يقدم خالد عكاشة في كتابه “سيناء أرض المقدس والمحرم” رؤية تحليلية لدور الوثائق والمخطوطات التاريخية في إثبات أحقية مصر في طابا. يوضح الكتاب كيف قررت مصر منذ البداية أن تخوض معركة قانونية ودبلوماسية، مستخدمة كافة الوثائق المتاحة من دور المحفوظات العالمية لإثبات حقوقها. ويشير عكاشة إلى أن مصر كانت واثقة من حقها التاريخي، مما دفعها في 13 مايو 1985 إلى تشكيل اللجنة القومية العليا لطابا بموجب قرار رئيس الوزراء رقم 641. ضمت اللجنة نخبة من الكفاءات القانونية والتاريخية والجغرافية، واعتمدت بشكل رئيسي على الوثائق التاريخية التي مثلت 61% من إجمالي الأدلة المقدمة، وجاءت هذه الوثائق من ثمانية مصادر متنوعة.

دليل على التخطيط المتقن

تشكلت اللجنة القومية العليا لطابا بهدف تقديم أفضل الحجج القانونية التي تثبت حق مصر. ووفقًا لمشارطة التحكيم، كان على المحكمة تحديد مواضع علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب. اعتمدت اللجنة على بحث دقيق في الخرائط المصيرية والوثائق التاريخية المحفوظة في أجهزة الدولة المصرية، بالإضافة إلى الاستفادة من أرشيفات الأمم المتحدة والدول الأجنبية. ومن خلال تقديم أدلة قوية، استطاعت اللجنة إقناع المحكمة الدولية بأحقية مصر في طابا.

انتصار الحق أمام التحكيم الدولي

والجدير بالذكر أن حكم محكمة العدل الدولية لم يكن مجرد انتصار قانوني لمصر، بل كان أيضًا انتصارًا للحق التاريخي والجغرافي في مواجهة محاولات التزوير والتضليل. أثبتت مصر، من خلال التحكيم الدولي، قدرتها على استرداد حقوقها بأسلوب حضاري ودبلوماسي، معتمدةً على الأدلة الموثقة والبحث العلمي الدقيق، مما يُعزز مكانتها على الساحة الدولية. ويظل هذا الحكم شاهدًا على قوة الإرادة المصرية والقدرة على تحقيق الانتصارات مهما كانت التحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى