قبيلة العطاونة في الجيزة.. من الجذور البدوية إلى الاندماج الحضري في قلب مصر
أسماء صبحي – في قلب محافظة الجيزة، وتحديدًا في أطرافها الجنوبية المتاخمة للطريق الصحراوي والقرى الممتدة نحو الفيوم. تستقر قبيلة العطاونة، إحدى أبرز القبائل العربية التي انتقلت من جنوب سيناء والنقب إلى وادي النيل خلال فترات مختلفة من التاريخ. واستقرت في مناطق متعددة من الجيزة منذ أكثر من قرنين.
تنتمي القبيلة إلى جذور بدوية عريقة، ذات صلات قبلية بأفرع من قبائل التياها والطرابين والعزازمة. وهي قبائل معروفة في شمال سيناء والنقب الفلسطيني. وبرغم انتقالهم من حياة الترحال إلى الاستقرار، فقد حافظوا على تقاليدهم، ونقلوا روح القبيلة إلى بيئة الريف والمدينة.
جذور قبيلة العطاونة
يعتقد أن أصل القبيلة يعود إلى ما يعرف بـ”قبائل التيه” في صحراء النقب وسيناء. ويقال إنهم ينحدرون من جد يدعى “عطية”، وهو الجد الذي تفرعت منه عدة بطون داخل القبيلة. ووفقًا للباحث في شؤون القبائل البدوية الدكتور فؤاد أبو زيد، فإن العطاونة انتقلوا إلى وادي النيل في أوائل القرن التاسع عشر، واستقر بعضهم في الجيزة. لا سيما بعد فترات من الجفاف والصراعات القبلية في شبه جزيرة سيناء.
ويضيف أبو زيد: “قبيلة العطاونة تمثل نموذجًا فريدًا لقبائل بدوية أعادت صياغة هويتها في بيئة زراعية ريفية. دون أن تفقد صلاتها بمحيطها البدوي في سيناء والنقب:.
الانتشار والاندماج
تنتشر العائلات المنتمية للقبيلة في عدد من قرى الجيزة خصوصًا في المناطق الواقعة بين “البدرشين”، “العياط”، و”أوسيم”. وقد امتلكت هذه العائلات مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، مستفيدة من علاقتها التاريخية بالإقطاع والري القديم. كما أن بعضهم دخل معترك التجارة والنقل مستفيدين من علاقاتهم القبلية مع مناطق الصعيد وسيناء.
ورغم اندماجهم في النسيج الاجتماعي العام، ما زالت رابطة الدم والانتماء القبلي قائمة بقوة. لا سيما في مواسم الزواج، والمناسبات الدينية، وحل النزاعات من خلال “المجالس العرفية” التي يديرها كبار العائلة.
العادات والتقاليد
حافظت قبيلة العطاونة في الجيزة على العديد من العادات البدوية رغم تغير نمط الحياة:
- الزي التقليدي: لا يزال بعض رجال العائلة، خاصة كبار السن، يرتدون الجلباب البدوي والعقال في المناسبات.
- المجالس العرفية: تعقد المجالس لحل النزاعات داخل القبيلة وخارجها. ويتم الالتزام بحكم “القعدة” العرفية كمرجعية مجتمعية تحظى بالاحترام.
- الضيافة: لا تزال ثقافة الكرم البدوي راسخة، حيث تستقبل الضيوف بالقهوة العربية والذبائح في مناسبات الفرح والحزن.
- نظام العونة: وهو التعاون الجماعي في الزراعة أو البناء أو حل المشكلات. أحد أبرز ما توارثته القبيلة من تقاليدها البدوية.
التأثير في المجتمع المحلي
كان لأبناء القبيلة دور مؤثر في الحياة الاجتماعية والسياسية في محافظة الجيزة. حيث برز عدد من أبنائها في مواقع قيادية مثل المجالس المحلية، والعمل النيابي، وكذلك في قطاع التعليم والأزهر الشريف.
وقد ساهم أبناؤهم أيضًا في دعم الاستقرار الاجتماعي من خلال مبادرات المصالحة. والتوسط لحل الخلافات بين العائلات والقرى، وهو ما يعكس مكانة القبيلة واحترامها داخل النسيج الريفي في الجيزة.
قبيلة العطاونة والتعليم
من الملاحظ خلال العقود الماضية ارتفاع معدلات التعليم بين أفراد القبيلة. وقد التحق العديد من أبنائهم بالجامعات، لا سيما في كليات الطب، الهندسة، والحقوق. كما برز عدد من الأكاديميين من أبناء القبيلة، الذين يعملون حاليًا في جامعات حكومية وخاصة.
ويعزى هذا التحول إلى حرص العائلات على دمج الإرث القبلي مع التحصيل العلمي. وإدراكهم لأهمية التعليم في الحفاظ على الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي.
التحديات المعاصرة
رغم النجاحات التي حققتها القبيلة في مجالات متعددة. إلا أن هناك عدة تحديات ما زالت تواجه أبناء العطاونة في الجيزة:
- تآكل الأراضي الزراعية: نتيجة الزحف العمراني، وهو ما يهدد نمط الحياة الزراعية التي اعتادوا عليها.
- تراجع دور العرف: مع تدخل الدولة والمحاكم الرسمية في النزاعات. تراجعت أهمية المجالس العرفية في بعض الأحيان.
- الاندماج الكامل في الحضر: يواجه الجيل الجديد صراعًا بين الحفاظ على الهوية القبلية والانخراط في ثقافة المدينة.



