تاريخ صناعة حلاوة المولد في مصر.. حكاية عمرها 1000 عام بدأت من موكب الخليفة الفاطمي

أميرة جادو
تعد حلاوة المولد النبوي جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي والديني في العالم الإسلامي، وخصوصاً في مصر. ومع ذلك، ما قد يغيب عن كثيرين هو أن هذه الحلوى التي تقدم سنوياً في ذكرى المولد النبوي تحمل تاريخاً يعود لأكثر من ألف عام، وتعود جذورها لأحداث سياسية ودينية في عهد الدولة الفاطمية.
نستعرض من خلال هذا المقال تاريخ صناعة حلاوة المولد النبوي في مصر وكيف أصبحت رمزاً مرتبطاً بذكرى مولد النبي محمد ﷺ.
تاريخ صناعة حلاوة المولد
الجذور التاريخية لحلاوة المولد ترجع إلى العصر الفاطمي في مصر، قبل حوالي ألف عام. سعت الدولة الفاطمية إلى تعزيز شرعيتها السياسية والدينية بين المواطنين، فلجأت إلى إحياء المناسبات الدينية مثل المولد النبوي، عبر تنظيم احتفالات ضخمة كانت تترافق مع توزيع الحلوى على الناس كهدايا لتعزيز الولاء للحاكم وتقريب الناس من السلطة الفاطمية.
أداة سياسية في العصر الفاطمي
حلاوة المولد كانت أداة سياسية هامة، حيث استخدمها الفاطميون لترسيخ حكمهم بين الناس، فبينما واجهوا تحديات من قوى سياسية ودينية مختلفة، اعتبروا الحلوى وسيلة فعالة لربط الناس بالمناسبات الدينية التي كانت ترعاها الدولة، مما عزز نفوذهم بين المصريين.
ظهور حلاوة المولد في مصر
بدأت الحكاية في القاهرة، وتحديدًا في القرن الرابع الهجري بعد دخول الفاطميين إلى المحروسة سنة 973 هجريًا. حيث اتفقت جميع الروايات على أن صناع الحلويات استلهموا الفكرة والأشكال من موكب الخليفة الفاطمي، الذي كان يسير في الشوارع ويوزع كميات كبيرة من الحلويات على الناس والجنود يوم المولد النبوي الشريف.
عروسة المولد
هناك رواية أخرى تشير إلى أن الحاكم بأمر الله كان يحرص على الخروج في موكب يوم المولد النبوي برفقة زوجته التي كانت ترتدي ملابس بيضاء. هذه الرواية تُرجع فكرة صنع الحلويات على هيئة عروسة وفارس على الحصان إلى هذا المشهد، حيث كانوا يوزعونها في طريق الموكب كل سنة حتى أصبحت عادة مصرية وطقساً مرتبطاً بالمولد النبوي.
ومع مرور الزمن، تحولت حلاوة المولد من أداة سياسية إلى تقليد اجتماعي وديني راسخ في الثقافة الشعبية المصرية. المصريون حافظوا على هذه العادة وطوروا الحلوى لتتنوع في أشكالها ونكهاتها، معبرة عن الفرح بمناسبة المولد النبوي. وعلى الرغم من زوال الدولة الفاطمية، بقيت هذه العادة جزءاً من التراث المصري.
حلاوة المولد في العصر الحديث
في الوقت الحالي، تعتبر حلاوة المولد جزءاً لا يتجزأ من الاحتفالات بالمولد النبوي في مصر، حيث تكتظ الأسواق بأنواع مختلفة من الحلوى مثل السمسمية والملبن والفولية وغيرها. ورغم التحولات الاقتصادية والاجتماعية، لا يزال المصريون يحتفظون بهذا التقليد الذي يجمع بين التراث الديني والفرحة بالمناسبة.
والجدير بالذكر أن “حلاوة المولد” ليست مجرد حلوى، بل هي رمز ثقافي يعبر عن تاريخ طويل من الاحتفالات الدينية والسياسية في مصر، ومن خلالها يستمر المصريون في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، محتفظين بجزء مهم من تراثهم الإسلامي والثقافي الممتد لأكثر من ألف عام.