قصة الفانوس عبر التاريخ.. وكيف أصبح من أبرز طقوس رمضان؟

أميرة جادو
تتمتع مصر بأجواء رمضانية فريدة لا تضاهيها أي دولة أخرى، حيث تتزين الشوارع والأسواق الشعبية بمظاهر الفرح والاحتفال بهذا الشهر المبارك، ويأتي في مقدمة هذه المظاهر فانوس رمضان، الذي أصبح رمزًا أصيلًا للشهر الكريم بأشكاله وألوانه المتنوعة.
تسمية الفانوس
يعود أصل كلمة “فانوس” إلى اللغة الإغريقية، حيث كانت تعني أي وسيلة للإضاءة، مثل المشاعل والمصابيح التي استخدمها الإغريق القدماء، وتعود فكرة الفانوس الرمضاني إلى العصر الفاطمي في مصر، قبل أن تنتقل هذه العادة إلى مختلف الدول العربية، لتصبح جزءًا من التقاليد الرمضانية المتوارثة.
ظهور الفانوس في مصر
بدأت قصة فانوس رمضان في مصر قبل أكثر من ألف عام خلال العصر الفاطمي، حيث تعددت الروايات حول نشأته.
الرواية الأولى تشير إلى أن المصريين استقبلوا المعز لدين الله الفاطمي عند دخوله القاهرة ليلاً في رمضان، حاملين المشاعل والفوانيس الملونة لإضاءة الطريق له، ومنذ ذلك اليوم، استمرت الفوانيس في إضاءة الشوارع طوال الشهر الفضيل، لتتحول إلى تقليد سنوي متجذر في الثقافة المصرية.
وفي هذا الإطار، كشف الدكتور عبد الرحيم ريحان، الخبير الأثري المصري، أن المصريين عرفوا فانوس رمضان منذ 15 رمضان عام 362 هـ (972 م)، عندما وصل المعز إلى مشارف القاهرة، حيث خرج الأهالي لاستقباله بالمشاعل والفوانيس والهتافات الترحيبية، ومنذ ذلك الحين أصبح الفانوس أحد مظاهر الاحتفال برمضان.
قانون للنساء
هناك رواية أخرى حول انتشار الفانوس، تعود إلى عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي، حيث كان يمنع النساء من الخروج ليلًا، ولكن في شهر رمضان سمح لهن بالخروج بشرط أن يرافقهن صبي صغير يحمل فانوسًا مضاءً، لينبه المارة إلى وجود امرأة في الطريق، وسرعان ما تحولت هذه العادة إلى تقليد رمضاني للأطفال، الذين كانوا يجوبون الشوارع حاملين الفوانيس، مرددين الأغاني الرمضانية الشهيرة مثل:
وحوي يا وحوي.. إياحة
رحت يا شعبان.. إياحة
جيت يا رمضان.. وحوي يا وحوي
إضاءة شوارع القاهرة
تروي إحدى الروايات أن أحد الخلفاء الفاطميين قرر إضاءة شوارع القاهرة طوال ليالي رمضان، فأمر شيوخ المساجد بتعليق فوانيس تحوي شموعًا، ومع مرور الزمن، تحول الفانوس إلى أحد طقوس الشهر الكريم، وظل جزءًا من المشهد الرمضاني رغم زوال الدولة الفاطمية.
وخلال العصر الفاطمي، ازدهرت صناعة الفوانيس في القاهرة، حتى أصبحت من ضروريات الحياة اليومية، إذ أصدر أحد الخلفاء أمرًا يقضي بتعليق فانوس أمام كل منزل، وكان من يخالف ذلك يعاقب، كما ارتبط الفانوس مع مرور الزمن بشكل خاص بشهر رمضان، وأصبح مظهرًا من مظاهر الفرح والاحتفال بهذا الشهر المبارك.
صناعة الفوانيس.. فن متطور عبر العصور
في البداية، كانت الفوانيس تصنع من الصفيح الرخيص، لكنها سرعان ما تطورت لتصبح تحفة فنية مزخرفة، تصنع من النحاس والزجاج الملون، مع قاعدة خشبية توضع فيها الشمعة للإنارة، كما أنه مع تطور الصناعة، تم استبدال الشموع بالفتيل والزيت، ثم تطورت الفوانيس لاحقًا لتصنع من مواد مختلفة مثل الأرابيسك والمعدن والبلاستيك وحتى قماش الخيامية، الذي يستخدم في تزيين الشوارع خلال الشهر الفضيل.
والجدير بالذكر أنه بالرغم من مرور الزمن، يظل فانوس رمضان جزءًا لا يتجزأ من الثقافة المصرية، حيث يضفي أجواءً من البهجة والفرحة، ليبقى رمزًا خالدًا يضيء ليالي رمضان في مصر.