| د. بسام أبو عبد الله يكتب: سورية في عين العاصفة مرة أخرى!
لم تكن الزيارة المفاجئة للرئيس بشار الأسد إلى موسكو قبل أسبوع زيارة عادية أبداً، إذ كان لافتاً ما سُرب عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن المنطقة قادمة على اضطرابات كبيرة، وهو ما اقتضى التشاور السريع بين الرئيسين الأسد وبوتين، ومن الواضح أن لدى الروس معلومات استخباراتية، وتقارير دبلوماسية تؤشر إلى مثل هذا التصعيد الكبير الذي ظهر تباعاً من خلال:
– العدوان على الضاحية الجنوبية في بيروت، وهو تجاوز كبير لقواعد الاشتباك.
– العدوان على ميناء الحديدة في اليمن، وتدمير خزانات النفط، وإعطاء رسالة علنية واضحة بأن يد العدو الإسرائيلي ستصل إلى أبعد مكان.
– اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران بعد مراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وهذه الجريمة هي رسالة إلى طهران باعتبارها أحد الداعمين الأساسيين لحركات المقاومة، وللقول إنه لا خطوط حمراء بعد الآن.. سنضرب في كل مكان من دون هوادة.
– الخطاب الذي ألقاه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في الكونغرس ولاقى تصفيقاً حاراً قياماً وقعوداً ممن يُفترض بهم أنهم ممثلو الشعب الأميركي، وليسوا مهرجين في عرض للسيرك.
إن ما حدث بعد افتعال جريمة مجدل شمس الإرهابية والتي كانت الفتيل الذي نقل المنطقة إلى فوهة البركان أو الكذبة التي يدرك نتنياهو أنها لن تعدل موازين القوى، ولكنه لا يمكن القول إنها ليست ضربات موجعة ومؤلمة بالنسبة لمحور المقاومة، وتجاوز لخطوط حمراء كثيرة.
والآن ماذا عن دمشق؟
كان لافتاً ما نشره أيال زيسر في صحيفة «إسرائيل اليوم» بتاريخ 21 تموز الماضي، وهو المختص بالشأن السوري، تحت عنوان: «كما لجمنا مصر- عبد الناصر.. لماذا لا نبقى في قطاع غزة ونطيح ببشار الأسد؟» حيث يقر زيسر بكارثة القصور والفشل وليس الخلل، ويقول إنه آن الأوان للعودة للتفكير الكبير في طريقة المواجهة للتحديات التي تواجهها إسرائيل، التي سقطت للدرك الأسفل على الرغم من أن الكثير من الإسرائيليين يستصعبون الاعتراف بذلك، ويرى أن التحدي هو التحرر من الشلل والجمود الفكري اللذين يعيشهما الكيان منذ سنين، مؤكداً أن الهجمات الموضعية الخفية في سورية والعراق وإيران ليست هي التي سترجح الكفة في صراع الأجيال الذي نعيشه!
يدعو زيسر إلى ما فكّر به بن غوريون في الخمسينيات، وما سماه «عصف المنظومات الإقليمي»، أي البحث الآن عن جواب إستراتيجي شامل لما يواجهه الكيان، حيث يعتقد أن بالإمكان امتلاك القدرة على المبادرة لخطوات إستراتيجية، وما تحتاجه إسرائيل حسب قوله هو جرأة، ورؤية تركز على الغابة وليس الأشجار، ليطرح سؤالاً: هل يعد استمرار حكم بشار الأسد مصلحة لإسرائيل، أم ينبغي العمل على إسقاطه، وتوجيه ضربة إلى إيران وحزب الله؟
ما قصده زيسر، وهو أحد المقربين من نتنياهو، أنه ينبغي العودة للتفكير بشكل كبير، وعدم الخوف من المبادرة الإستراتيجية والتخلي عن خدمة المصالح الشخصية مثلما يحصل اليوم!
أما المقال الثاني الذي لم يكن بعيداً عن النغمة نفسها فقد كتبه عاميت ياغور في 26 تموز الماضي في صحيفة «معاريف»، وهو مسؤول سابق في شعبة التخطيط في المخابرات البحرية الإسرائيلية، حيث يقول: «ليس في طهران، ولا في بيروت، رأس الأفعى موجود في مكان آخر، ليس بعيداً عن إسرائيل»، ويقصد سورية، حيث يدعو إلى تغيير «الملعب الإستراتيجي»، ورفض قواعد اللعب التي فرضها حزب الله، من خلال استهداف سورية مباشرة بعد كل استهداف، وتغيير قواعد اللعبة ليس لتوسيع الحرب بل لكبحها، وبلورة واقع مختلف في الساحة الشمالية بانتظار اليوم التالي للحرب!
هذه الدعوات المتتالية من خلال مقالات رأي تعكس بشكل أو آخر ما يدور في كواليس صُناع القرار الصهاينة وتؤشر بوضوح شديد إلى ما يلي:
• إن الحرب الفاشية على سورية طوال 14 عاماً كانت بإدارة صهيونية– أميركية مباشرة، وإن السوريين الذين حملوا السلاح تحت عناوين مختلفة ليسوا إلا مرتزقة وعملاء ضد بلدهم وشعبهم.
• عودة النغمة من جديد لاستهداف سورية الذي لم يتوقف ولن يُغير من مواقفها بشيء، ولكن لابد من الانتباه لما يخطط له عدونا المأزوم وجودياً منذ طوفان الأقصى.
• إن بدء عودة المياه إلى مجاريها من خلال تحسين العلاقات السورية- العربية، وتحرك المسار السوري- التركي، والاندفاع الأوروبي، وتغير البيئة الإستراتيجية عامة، كلها أمور تقلق قادة الكيان الذين يتدهور واقعهم باعترافهم، ولذلك يفكرون بخلط الأوراق، ومحاولة العودة إلى مربع استهداف سورية، وقيادتها.
• في هذا اليوم الأول من آب عيد الجيش العربي السوري البطل الذي حمى سورية وشعبها وأرضها، وهو المؤسسة الوطنية الشجاعة التي قاومت بإيمانها بأرضها وشعبها، ومازالت، لن تكون رسالتها إلى شعبها وأمتها سوى القول: «وطن- شرف- إخلاص» وإذا كانت سورية في عين العاصفة منذ 14 عاماً وأكثر، فإن مثل هذه الرسائل لن تخيفها، ولن تثنيها عن مسارها المقاوم، وهي تعرف كيف تتعاطى مع مثل هذه الرسائل.
الرسائل هذه تكررت في فترات عديدة، لكنها لم تثنِ الرئيس بشار الأسد عن خط دعم المقاومة، والمزج بين الدبلوماسية، وفن الممكن، والحكمة التي يتمتع بها أهل بلاد الشام عبر تاريخهم الطويل.
الحقيقة، لا خوف أبداً، لكن الانتباه واجب دائماً مع أعداء مسعورين، ويشعرون بالخطر الإستراتيجي والوجودي، وفي مثل هذه الحالات لابد من توقع خطوات جنونية، وما يحصل الآن يؤشر إلى هذا الجنون.