قصر عبد الرحمن باشا فهمي: ملاذ الثوار وأدباء إفريقيا وآسيا
في أجواء من السرية والتكتم، كان رجال يتسللون واحدًا تلو الآخر إلى القبو المظلم في قصر عبد الرحمن باشا فهمي. كانت طرقاتهم على الباب تتم وفق إشارة متفق عليها، حيث يخلعون معاطفهم ويضعونها في مكان مخصص قبل أن يتوقفوا أمام المرآة لتسريح شعرهم. ثم ينضمّون إلى الآخرين في نقاشات حيوية حول مستقبل أمة بأسرها.
شهد هذا القصر في مطلع القرن العشرين أحداثًا مهمة مهدت لقيام أول ثورة شعبية في تاريخ مصر، وهي ثورة 1919. تحول القصر لاحقًا من قبلة للحركة الوطنية إلى صومعة أدبية أنشأها الأديب يوسف السباعي بتكليف من الرئيس جمال عبد الناصر، لتعزيز علاقات مصر بجيرانها في إفريقيا وآسيا. ومنذ عام 1966، أصبح القصر مقرًا دائمًا لمنظمة الكتاب الأفارقة والآسيويين.
تاريخ القصر ودوره في الثورة
في الأصل، كان القصر مملوكًا لعائلة الحسيني باشا، وهو رجل ذو أملاك. قام عبد الرحمن فهمي، أحد أبرز رجال الوفد، باستئجاره ليكون مقراً للجنة المركزية للوفد، التي لعبت دورًا محوريًا في الترويج للقضية المصرية خلال غياب سعد زغلول ورفاقه في أوروبا. ومع تصاعد الأحداث، فرض اللورد اللنبي قيودًا على قادة اللجنة، مما أدى إلى ترحيل بعضهم ووضع عبد الرحمن بك فهمي تحت الرقابة في القاهرة.
بعد وفاة عبد الرحمن بك فهمي، استأجر الأديب يوسف السباعي القصر، بدعوة من الرئيس جمال عبد الناصر لتأسيس منظمة الكتاب الإفريقية والآسيوية. شهد القصر في الستينيات والسبعينيات نشاطًا كبيرًا وأصبح ملتقى للأدباء من مختلف الجنسيات. شهدت أروقته جلسات أدبية جمعت عمالقة الأدب كالعقاد وتوفيق الحكيم والشاعر الهندي محمد إقبال.
ومع مرور الزمن، دخلت المنظمة في مرحلة من الركود بعد وفاة السباعي، لكن الأديب عبد الرحمن الشرقاوي تولى إدارتها لفترة قصيرة، وتتابع عليها المستشار محمد مجدي مرجان منذ عام 2002، حيث تم تفعيل نشاطها من خلال تنظيم الندوات الثقافية والسياسية.
التحديات القانونية والتراثية
اليوم، يشغل القصر أيضًا دار الأدباء المصرية ويترأسها الشاعر محمد التهامي، إلى جانب جمعيات أخرى. يواجه القصر نزاعًا قانونيًا حول ملكيته، حيث يطالب الورثة بحقهم فيه. تحاول الجمعية المعنية بتراثه تسجيله كأثر، إذ يعدّ القصر ذا أهمية تاريخية كبيرة، حيث شهد الاجتماعات السرية التي أعدت لثورة 1919.
القبو الذي كان مكانًا للاجتماعات السرية يشهد تاريخًا حافلاً من الأحداث، ويحتاج الآن إلى أعمال صيانة وترميم، إذ لم تمتد إليه يد ترعى أو تصلح حالته المتدهورة. لا يزال يحتفظ القصر ببعض المقتنيات، مثل منضدة بلياردو من خشب الأبنوس وتمثال نصفي لعبد الرحمن بك فهمي، في غرفة مغلقة تضم بعض مقتنياته الشخصية.