حي الجمالية منبع الزعماء قصةَ خاتم السيسي ومنبر عبد الناصر في « الحي المبارك »
السيسي ولد بالجمالية وكان محبًا لمجلس الشعراوي .. وناصر عاش طفولته فيه وتعلق قلبه بالمحراب
الشوارعُ عتيقةٌ تخبئُ جدرانها أسرارًا وحكاياتِ الزمنِ ، هنا مرَ الغزاة وهنا عاشَ السلاطينَ والولاة، هنا نثرتْ قطع الفضةِ والذهبِ على المارةِ ابتهاجا بمولدِ ابنِ الوالي ، عمائم أهلِ العلمِ تسكنُ الأزقةُ وروائحُ العنبرِ والمسكِ والطيبْ تتطاير منْ دكاكينِ العطارةِ، بينما تحفِ الملائكةِ الجميعَ بعنايةٍ خاصةٍ ، فالأرواحُ الطيبةُ تنامٍ هنا في المساجدِ القديمةِ والأضرحةِ المباركةِ .. هنا الجماليةِ في قلبِ القاهرةِ الفاطميةِ حيثُ الأزهرُ والحسين والظاهر، مصنعُ العلماءِ والأدباءِ والرؤساءِ .. هنا قضى جمال عبد الناصر، بعض عمرهِ وهنا كبر الفتى عبد الفتاح السيسي ، ذاكَ الشاب الخلوق مرتاد المساجدِ صاحب الوجهِ الصارمِ والحنون في آنٍ واحدٍ .. فما هوَ سرُ الحيِ الشعبيِ الشهيرِ ، وما تلك الروحُ التي تلهمُ ساكنيهِ فتجعلهمْ بشرًا منْ نوعٍ خاصٍ؟ .
الهديةُ الغالية
في نوفمبر 1954 رُزق الحاجِ سعيد السيسي بنجلهِ وقررَ أنْ يسميه عبد الفتاح، داعيا اللهَ أنْ يفتحَ لهُ كل القلوبِ والأبوابِ المغلقةِ ، كبرُ الطفل واشتدَ عودهُ وشبَ في منزلٍ يحتضنهُ أشهر مسجدينِ في مصرَ ( الأزهر والحسين) ، أسرة مسلمة معتدلة تعرفُ حدودَ اللهِ وذاعتْ سيرتها الطيبةُ بينَ الجيرانِ في الجماليةِ .
منْ والدهِ استمد الابنُ تعاليم الدينِ وحب آل البيت، وعشق القرآن والتصوف والزهد وأنَ خدمة الناسِ خير منْ حمرِ النعمِ ، وأنَ خادمَ القومِ سيدهمْ، بناء على هذا تشكلتْ شخصية الفتى الذي سيدفع اللهُ تعالى بهِ أهل الشرِ وعصابةِ الشيطانِ ولإنقاذِ مصرَ أم الدنيا وكنانةِ اللهِ في أرضهِ منْ المخططِ الشيطانيِ لتقسيمها وإضعافها .
دونًا عنْ أبنائهِ خصَ الحاجُ سعيد السيسي ابنهُ عبدَ الفتاح بخاتمٍ منْ الفضةِ يحوي حجرا أسودَ وهوَ منْ الخواتمِ الشهيرةِ التي يرتديها المتصوفةَ لما لمسهُ فيهِ منْ حبِ التصوفِ والخوفِ منْ اللهِ ، وهيَ القصةُ التي حكاها الرئيسُ السيسي بنفسهِ في حوارٍ سابقٍ لهُ بجريدةِ الأهرامِ .
كعادةَ أطفالِ أحياءِ مصرَ القديمةِ التي تحيطها الروحانيات ومساجد الصالحين والتاريخ الإسلامي ارتاد الطفلُ عبدَ الفتاح السيسي كتّاب مسجدٍ بالقربِ منْ منزلهِ ، ليحفظ فيهِ القرآن ، كما عرفَ السيسي طريقه إلى قبلة المسلمينَ في مصرَ الجامع الأزهرِ لحضورِ دروسِ الشيخِ إسماعيل صادق العدوي أحد أقطابِ الصوفيةِ ، كانَ لهُ تأثيرٌ عميقٌ على شخصيتهِ ، أيضا لمْ تفُتهُ دروسُ الشيخِ الراحلِ محمد متولي الشعراوي في مسجدِ الحسين ليستمعَ إلى آياتِ اللهِ في خلقهِ وبساطةِ التفسيرِ والتبسطِ للناسِ .
كلُ هذهِ الروحانياتِ ساهمتْ في تشكيلِ شخصيةِ الرئيسِ السيسي وفهمه العميق لصحيحٍ الدينِ ، كما تركتْ تأثيراتِ الصوفيةِ طابعا على حديثهِ العاديِ والاستعانةِ باللهِ تعالى لينصرهُ ويساعدهُ في أداءِ رسالتهِ والدعاءِ لمصر والمصريينَ بالخيرِ والنصرةِ على أهلِ الشرِ .
ناصر فوق المنبر
الرئيسُ الراحل جمال عبد الناصر، ولدَ في 15 يناير 1918 بحيِ باكوس الشعبيِ بالإسكندريةِ ، كانَ هوَ الآخرُ لهُ نصيبٌ في الحصولِ على قسطٍ منْ روحانياتِ حيِ الجماليةِ بالقاهرةِ الفاطميةِ، فقدْ عاشَ جزءا منْ سنواتِ طفولتهِ بهِ وكانَ يقيمُ لدى عمهِ خليل حسين، والتحقَ بمدرسةِ النحاسينِ الكائنة بحيِ الجماليةِ عامَ 1925 ، وبعد انتهاءِ السنةِ الثالثةِ الدراسيةِ لهُ في مدرسةِ النحاسينِ بالقاهرةِ ، عادَ في صيفِ 1928 لجدهِ لوالدتهِ واستكمل تعليمهُ في مدرسة العطارين الابتدائية بالإسكندريةِ، لكنَ قلبه ظلَ متعلقا بمسجدِ الحسين والأزهر وحيِ الجماليةِ .
ورغم أنَ « ناصر » لمْ يطلْ البقاء في حيِ الجماليةِ إلا أنهُ تأثرَ بشدةِ بسحرِ تلكَ المنطقةِ الشعبيةِ ، وكانَ لها تأثير قوي على شخصيتهِ، وحينما تعرضتْ مصرُ للعدوانِ الثلاثيِ ، توجهَ عبد الناصر لحى الجماليةِ وللجامعِ الأزهر تحديدا لحشدِ ومخاطبةِ المصريينَ واعتلى منبره وقالَ كلمتهُ الشهيرةَ للعالمِ في وجهِ العدوانِ .
حيُ الجماليةِ بشوارعهِ ودروبهِ وعطفاته، له سحرٌ خاصٌ يتحكمُ في تكوينِ وتشكيلِ عقليةِ قاطنيهِ فهذا الحيُ لمْ يكنْ منبعًا للزعيمينِ فقطْ بلْ أخرجَ للعالمِ العديدَ منْ العظماءِ في شتى المجالاتِ مثل الأديبِ العالميِ نجيب محفوظ الحاصلِ على جائزةِ نوبل في الأدبِ . . فما هوَ السرُ في ذلكَ الحيِ الشعبيِ؟، موضوع يستحقُ الدراسةَ منْ المختصينَ .