المسحراتي.. تطور مهنة إيقاظ المسلمين للسحور على مر العصور
أسماء صبحي
في العالم الإسلامي، كان هناك دور مهم يقوم به الشخص المسحراتي في إيقاظ المسلمين لتناول وجبة السحور خلال شهر رمضان. وكان المسحراتي يستخدم الطبل أو المزمار ليدق عليها. وكان يردد الابتهالات والأناشيد الدينية بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر.
أول مسحراتي في الإسلام
في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كانت معرفة وقت السحور تتم من خلال أذان بلال بن رباح. وهو أول مسحراتي في التاريخ الإسلامي. وكان بلال يجوب الشوارع والطرقات طوال الليل لإيقاظ الناس للسحور بصوته العذب. وكان النبي محمد يقول: “إن بلالًا ينادي، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم”، الذي كان يؤذن لصلاة الفجر.
التطور في مكة
في مكة، كان المسحراتي المعروف بالزمزمي يقوم بنفس المهمة. وكان يصعد إلى المئذنة ويعلن بدء السحور. وكان يحمل قنديلين كبيرين ليشاهده الناس الذين لا يسمعون النداء.
ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، ابتكر المسلمون وسائل جديدة لإيقاظ الناس للسحور. وظهرت مهنة المسحراتي في عصر الدولة العباسية، في عهد الخليفة المنتصر بالله.
التطور في مصر
وفي مصر، ظهر المسحراتي عندما لاحظ والي مصر عتبة بن إسحاق أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة. فتطوع الوالي بنفسه ليقوم بإيقاظ الناس قبل صلاة الفجر. وكان يطوف شوارع القاهرة ليلاً وينادي الناس: “عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة”.
المسحراتي في العصر الطولوني
في العصر الطولوني، تطورت مهنة المسحراتي وشملت مشاركة النساء. حيث كانت النساء يقمن بإنشاد الأناشيد من وراء النوافذ لإيقاظ الناس للسحور. شريطة أن يكن صوتهن جميلًا ومعروفًا لسكان الحي، وكانت النساء ينادين على جاراتهن.
في عصر الدولة الفاطمية
أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمرًا لجنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا على الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور. ومع مرور الوقت تم تخصيص رجل للقيام بمهمة المسحراتي. وكان ينادي: “يا أهل الله قوموا تسحروا”، ويدق على أبواب المنازل بعصا كان يحملها في يده.
المسحراتي في العصر المملوكي
كادت مهنة المسحراتي تختفي تماما لولا أن الظاهر بيبرس أعادها. وعين أناساً مخصوصين من العامة وصغار علماء الدين للقيام بها ليتحول عمل المسحراتي إلى موكب محبب. وخاصة للأطفال الذين تجذبهم أغاني المسحراتي ويسعدون بصوته وطريقة أدائه على الطبلة. وغالبَا ما كان هؤلاء الأطفال يحملون الهبات والعطايا التي كان يرسلها الأهل إلى من يقوم بعملية التسحير.
تطور مظاهر المهنة
ظهرت بعد ذلك ظاهرة التسحير في مصر بشكل متطور. حيث ابتكر الناس في مصر الطبلة لتحملها المسحراتي بدلاً من العصا. كانت الطبلة تسمى “بازة” وكانت صغيرة الحجم، وكان المسحراتي يدق عليها دقات منتظمة. كان غالبًا ما يصاحب المسحراتي طفل صغير أو طفلة تحمل مصباحًا لإضاءة الطريق. وكان يردد نداءاته المميزة مثل “استيقظ يا نائم الدائم”، وكان يذكر الشهادتين ويذكر أسماء أصحاب المنازل التي يقف أمامها.
ثم تطورت مظاهر المهنة، حيث بدأ المسحراتي يستخدم الطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجوله في الأحياء. ويشدو بأشعار شعبية وزجل خاصة بهذه المناسبة. ومع الوقت، ازداد عدد الأشخاص الذين يقومون بالتسحير. واستخدموا الطبل البلدي والصاجات برئاسة المسحراتي، وكانوا يغنون أغانٍ خفيفة.
وكان من عادة النساء في ذلك الوقت وضع قطعة معدنية من النقود في ورقة ملفوفة. ثم يشعلن أحد أطرافها ويقذفنها إلى المسحراتي. ويستدل المسحراتي على مكان وجود الهدية ويصعد صوته في الدعاء لأهل المنزل جميعًا، ثم يقرأ الفاتحة.
وفي الريف والقرى، كان “العمدة” هو المسؤول عن إيقاظ سكان القرية لتناول السحور. أو يقسم الشوارع إلى عدة مناطق يتولى في كل منطقة مسحراتي يبدأ العمل من ليلة رؤية هلال رمضان وحتى ليلة عيد الفطر. وفي تلك الليلة يقوم المسحراتي بزيارة جميع المنازل، ليس بهدف التسحير. ولكن ليحصل على أجره الذي عادة ما يكون بعض المال أو الكعك ولحوم العيد.
ومع توفر الكهرباء واستخدامها، تقلص دور المسحراتي. وبدأ الناس في السهر في المقاهي أو أمام التلفزيون خلال ليالي رمضان لتناول السحور.