تاريخ ومزارات

صلاح على فراج يكتب: حكايات اسيوطية214.. قناطر أسيوط القديمة..

صلاح على فراج يكتب: حكايات اسيوطية214 ..قناطر أسيوط القديمة..
أسطورة عمرها 115 عام تحاكي بها الأجيال على مر التاريخ، وهي قناطر أسيوط القديمة التي شيدت بسواعد مصرية على نهر النيل لتصل لأكبر إنجازاتها بتشييد قناطر أسيوط الجديدة التي سوف يسجلها التاريخ أيضا، قناطر أسيوط القديمة شيدت في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني. وتم تقويتها في عهد الملك فؤاد، وتم افتتاحها وسط احتفال ملكي في عهد الملك فاروق، شيدت وسط أحضان نهر النيل فاستمدت من فيض مياهه للري والزرع فعم الخير والرخاء وهنا نستحضر أبيات الشاعر أحمد شوقي عن نهر النيل “فترى زرعا يتلو زرعا..وهنا يجني وهنا يبذر “
بداية القول .. ازدهرت مدينة أسيوط في عصر محمد علي باشا الذي أولى اهتمام بالغ بإقامة العديد من المشروعات وكثيرا ما كان يفد إليها بنفسه ويقيم فيها أياما كما جاء في الخطط التوفيقية أن محمد علي كان ينزل فى منزل الشيخ عبد العاطي، وهو أحد مشايخ البلد إذ ذاك وكانت له حدائق واسعة في غربي البلد ، واستمر ازدهار المدينة في عصر إسماعيل باشا، حيث ازداد تقدمها والنهوض بها حتى أصبحت في ذلك الوقت أكبر بلدة فى الصعيد وأرقى مدينة فيه ولا ننسى خطة إسماعيل في تحسين الري وحفر المزيد من الترع والقناطر من بينها ترعة الإبراهيمية واستمدت ماءها من النيل عن أسيوط والتي بالقرب منها شيدت قناطر أسيوط القديمة ووصل التقدم مسيرته في عهد الخديوي توفيق وطفرت المدينة وظهرت على غيرها من المدن الأخرى وفي نهاية عهد عباس حلمي الثاني تطورت مدينة أسيوط بشكل هائل بما حوت من مبان عظيمة وشوارع فسيحة وإقامة لمشروعات الري أهمها قناطر أسيوط.
قناطر أسيوط القديمة.. أسطورة عمرها 115عام
تقع قناطر أسيوط القديمة على النيل شمال مدينة أسيوط بالقرب من قرية الوليدية وعلى بعد 546 كم من خزان أسوان ، وتتميز بطابع فريد لتوسطها نهر النيل، شيدت في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني ما بين عامي 1898وحتى 1903 ، صممها المهندس البريطاني السير ويليام ويل كوكس بهدف التحكم في ماء النيل وقت الفيضان ولتزويد ترعة الإبراهمية بالمياه اللازمة لري الأراضي الزراعية وهو المهندس الذي قام بتصميم سد أسوان، كما نفذ العديد من مشاريع الري الكبرى ، بلغت تكلفة أنشاء قناطر أسيوط 870 ألف جنيه استرليني.
مراحل التنفيذ
تزامن عمليات تنفيذ قناطر أسيوط مع وضع حجر الأساس لمشروع سد أسوان أكبر السدود المائية بالعالم آنذاك وهو سد أسوان ، أقيم مشروع قناطر أسيوط القديمة في عهد وزارة مصطفى فهمي باشا وتحت إشراف وزير نظارة الاشغال العمومية محمد زكي باشا.
نفذ العمل على ثلاث مراحل أو ما يسمى بثلاثة مواسم عمل، كان الموسم الأول عبارة عن تصميم السدود الترابية وذلك عام 1899، بالجهة الغربية من المجرى المائى وقد أحيطت السدود بستائر حديدية على عمق 4 أمتار، وأقُيمت مبان وخرسانات كفرش للقناطر، وقد أوكلت أعمال البناء للسير جون إيرد، وهو أحد المهندسين البارزين الذي شارك كذلك في إقامة خزان أسوان، مع المهندس ويليام ويل كوكس، والمهندس بنيامين بيكر.
استخدم في عمليات التشييد الأحجار التي تم جلبها من محاجر العيساوية أشهر محاجر مصر التي تقع شرق محافظة سوهاج وقد استكملت أعمال البناء، وانتقلت لمرحلة بناء الهويس والدعامات بعد إنشاء السدود الترابية بالجهة الشرقية ، في موسم العمل الثاني، وقد خدمت الطبيعة هذه الأعمال وقتها، ففي عام 1900 انخفض منسوب مياه نهر النيل قليلا، مما ساهم في استكمال أعمال البناء وسرعة الانتهاء منها، واستعان المقاولون بأكبر عدد من العمال مرة واحدة بلغ عددهم 12880 عاملا، منهم 12500 مصرى و380 من الأجانب ، وجاء الموسم الثالث الذي بدأ فى يناير 1901 ، بتكملة السدود التي بلغت مساحتها 13 فدانا، تم حقن أساسات القناطر بالأسمنت اللباني نظرًا لظهور العديد من عيون المياه، وانتهت أعمال إنشاء قناطر أسيوط القديمة في فبراير سنة 1902.
بلغ طول القناطر 800 متر وبها 111 فتحة، سعة كل فتحة 5 أمتار ، وسمك الدعامة بين كل فتحة والأخرى 2 متر، وعرض الطريق فوقها أربعة ونصف من الأمتار وبها هويس للملاحة بالجهة الغربية طوله بين البوابتين 80 متر، وسعة الفتحة الملاحية 16متر، وفوقه جسر متحرك .
كانت لهذه القناطر دور هام في تطوير مدينة أسيوط خلال تلك الفترة ، فقد ربطت أسيوط بغيرها من بلاد البر الشرقي وسهلت المواصلات بينها ، كما أقبل الناس على مدينة أسيوط واستوطنها كثير من الأسر التي كانت تقيم في الضواحي القريبة كأبنوب والواسطة ، كما كثرت الموارد الغذائية بأسيوط ونشطت الحركة التجارية وغيرها من النتائج التي أسفرت عن أنشاء القناطر .
مشروع تقوية القناطر
في عام 1933م في عهد الملك فؤاد الأول، تقرر إنشاء قناطر جديدة بالقرب من موقع قناطر أسيوط، وذلك لإعطاء كافة أراضي مصر الوسطى نصيبها من مياه التخزين، بخاصة بعد أعمال التعلية في خزان أسوان، فشرعت وزارة الأشغال العمومية في دراسة المشروع، لكن استقر الأمر على القيام بأعمال تقوية وتدعيم لقناطر أسيوط نفسها أفضل من إنشاء قناطر أخرى .
وكان من أسباب التقوية ضمان تغذية ترعة الإبراهمية بالمياه الكافية والتبكير برى الحياض والمساعدة في تحويل بعضها الى رى مستديم ، زيادة عرض الطريق من أربعة أمتار الى ثمانية أمتار تمشيا مع زيادة العمران وما يتبع ذلك من تغيير الجسر بآخر اكبر حمولة وأسهل في الفتح والقفل.
يذكر أن المللك فؤاد أولى اهتماما بالغا بالنهوض بالبلاد وتفقد أحوال المدن والعمل على رقيها لذا تعددت زياراته لجميع أنحاء البلاد وعلى رأسهم مدينة أسيوط وقد قال جلالته عن أحد زياراته “إنى لا انسى ولاء أهل أسيوط أبدا وأن شاء الله نزور أسيوط ونحن جميعا مفتبطون بمستقبل مصر السعيد” ، وقد جاد جلالته في أحد زياراته لمدينة أسيوط على الفقراء وعلى المعاهد الدينية والمدارس بأكثر من 3 آلاف جنيه ، وقام بالعديد من الأعمال العمرانية وافتتاح العديد من المنشآت النافعة هناك وتنفيذ العديد من المشروعات فتقدمت المدينة تقدما عظيما بفضل النهضة العامة التي بعثها الملك فؤاد هناك جعلها تتزعم بلاد الصعيد بجدارة واستحقاق .
نعود إلى مشروع التقوية .. في 9 اكتوبر عام 1934م صدر الأمر من جلالة الملك فؤاد بالشروع في العمل على تقوية القناطر إلى شركة الخواجات “جون كوكرين وولده الإنجليزية” وانتهى العمل في الميعاد المحدد تماما وهو 14 اكتوبر عام 1938م في عهد الملك فاروق وشملت أعمال التطوير، استبدال بعض البوابات الحديدية بأخرى، وكذلك تزويد القناطر بحجارة من الجرانيت، وتوسعة الهويس، ودق خوازيق لتفادي نحر المياه، وردم المستنقعات، وإنشاء متنزهات بدلا منها، بلغت التكاليف الإجمالية لمشروع التقوية مليون و250 ألف جنيه مصرى ، وبذلك أصبحت القناطر بعد تقويتها فى حالة تمكنها من القيام بالمطلوب منها على أحسن وجه.
جدير بالذكر أن مشروع التقوية تم بمجهودات مهندسى الحكومة الذين تولوا إدارة العمل وعلى رأسهم حامد سليمان بك المهندس المقيم للتقوية وقتذاك .
افتتاح القناطر وسط مراسم ملكية
وتدخل القناطر عهد الملك فاروق ليتم افتتاحها وسط احتفال ملكي ضخم ..
فقد رأى المسئولون بالمدينة آنذاك وعلى رأسهم بيومي نصار مدير أسيوط إقامة احتفال ضخم لإعادة افتتاح قناطر أسيوط يحضره الملك فاروق بنفسه وتم الإعداد لهذا الاحتفال الضخم بشكل رسمي يراعى فيه المراسم الملكية، حيث أرسلت الدعوات الملكية التى يعلوها التاج الملكي موجهة من قبل وزير الأشغال العمومية محددا اسم المدعو والمكان الذي سيقام به الاحتفال والملابس الواجب ارتداؤها وهي ملابس رسمية تعرف باسم “الردينجوت” كما تم إرسال كتيب صغير للمدعوين محدد فيه تعليمات المرور عند زيارة الملك فاروق وضرورة الوصول إلى أماكن الاحتفالات قبل تشريف الملك بنصف ساعة على الأقل.
ولا يفوتنا هنا القول أن أسيوط حظيت باهتمام الملك فاروق أيضا .. فصار بها في طريق التقدم وحظيت بزيارته مرتين ، الزيارة الأولى كانت في 9 يناير سنة 1937 ، وكانت بالباخرة ومعه الملكة نازلي والأميرات ، فقصد القناطر ونزل إلى قاع النهر لرؤية أعمال التقوية التي كانت جارية وقت هذه الزيارة لقناطر أسيوط ، وبعدها قام بالعديد من الزيارات لأماكن مختلفة من المدينة ، الزيارة الثانية كانت الثلاثاء 24 يناير 1938 ، وقد افتتح العديد من المشروعات على رأسها افتتاح قناطر أسيوط ، وقد تسابق الأسيوطيون فى أقامة الزينات وتنافس فرع بنك مصر ومأمورية الأوقاف ومصلحة المباني ومديرية أسيوط في إقامة شعائر الترحيب وكان يوما من أبهى أيام مدينة أسيوط وقتذاك ، وفي تمام الساعة الثالثة والنصف افتتح الملك فاروق قناطر أسيوط وسط فرحة عارمة لأهالي أسيوط ، بعدها حضر الملك حفل الشاي المعد عند القناطر ، وقد كان النظام خلال الاحتفال بالغ الدقة بفضل مدير أسيوط بيومي نصار بك إذ كان يشرف بنفسه على تنظيم جميع الحفلات
حكاية قناطر سطرها المصريين عبر رحلة عمل شاقة على نهر النيل لتصل إلى قمة الإنجاز بإنشاء قناطر أسيوط الجديدة على بعد حوالي 400 متر، خلف القناطر القديمة، وذلك لتحسين الري في إقليم مصر الوسطى
صلاح على فراج يكتب: حكايات اسيوطية214 قناطر أسيوط القديمة..
صلاح على فراج يكتب: حكايات اسيوطية214 قناطر أسيوط القديمة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى