بين الدبلوماسية والتحديات: مصر تعيد صياغة دورها في السودان
شهدت القاهرة تحركات مكثفة تتعلق بالأزمة السودانية خلال الأيام القليلة الماضية، أهمها زيارة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك إلى القاهرة ابتداء من الثامن من مارس الجاري.
جهود مصر
وقبل ذلك، عقد رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، اجتماعا مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة نهاية فبراير الماضي، واقترح البرهان إنهاء الحرب والحفاظ على رؤية للسلام والاستقرار في السودان.
في 6 مارس، عُقد في القاهرة اجتماع مهم للآلية رفيعة المستوى المعنية بالسودان في أفريقيا مع ممثلي حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق، حيث ناقش الجانبان كيفية إخماد الصراع في السودان.
وسلطت اللقاءات الضوء على جهود مصر لمعالجة الوضع المتدهور في جارتها الجنوبية، فضلا عن علاقاتها المنقسمة مع الأطراف الفاعلة على الساحة السودانية.
ويرتكز توجه مصر لحل الأزمة في السودان على سلسلة من المحددات التي وضعتها مبادرة “جيران السودان”، وهي قمة جيران السودان التي عقدت في 13 يوليو 2023، والتي تضمنت دعوات لإنهاء الحرب، والاحترام الكامل لسيادة السودان. السيادة والوحدة ووقف إطلاق النار وتدخل القوى الخارجية والحفاظ على الدولة السودانية.
كما استضافت القاهرة مؤتمرًا حول القضايا الإنسانية في السودان في نوفمبر 2023، والذي تضمنت توصياته مجالات تتعلق بالجوانب الإنسانية والإغاثية.
في المقابل، تراجع حضور مصر في الأزمة السودانية نسبيا، حيث تقدمت منصات أخرى مثل جدة، ومبادرة إيغاد، والمنامة في ساحة التسوية السياسية، التي فشلت بدورها في إنهاء الصراع المحتدم في السودان.
وفي هذا السياق، يرى المحللون أن هناك عوامل كثيرة وراء الأحداث الأخيرة التي شهدتها القاهرة، وأن انسداد الآفاق السياسية زاد المخاوف بشأن مستقبل السودان كدولة موحدة، وهو الوضع الذي له تأثير سلبي على الدول المجاورة. وخاصة مصر.
الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان
وبينما تهدد الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان بزيادة أعداد اللاجئين المتجهين إلى مصر، مما يضاعف العبء على القاهرة التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، أظهرت بيانات الأمم المتحدة الصادرة في فبراير الماضي، أن ما يقرب من 50 لاجئاً فروا من البلاد منذ بدء الحرب. وفر آلاف السودانيين إلى الدول المجاورة شمالاً.
من ناحية أخرى، أعادت التطورات الإقليمية والدولية السودان إلى أجندة الأولويات الغربية، مع تصاعد التوترات الأمنية في جنوب البحر الأحمر، وتطور علاقات السودان مع إيران. وفي أواخر فبراير، عينت واشنطن توم بيريلو مبعوثًا خاصًا إلى السودان، وهو ما من المتوقع أن يمثل بداية مشاركة أمريكية أكبر في جهود المصالحة السودانية.
وقال محمد خليفة صديق، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأفريقية الدولية في الخرطوم، إن الاهتمام الأمريكي المتزايد بالأزمة السودانية وعدم قدرة الجهود المختلفة على فك عقودها يوفر فرصة للقاهرة للعب دور أكثر فعالية. وأكد إن مصر تعمل على تنشيط مبادرة جوار السودان سعياً إلى تحديد حجم وطريقة التفاعل المتوقع بين مصر والأزمة السودانية وتسريع الجهود لحل القضية.
كما قال الصديق، إن هذه الخطوة تعد استمرارا لجهود مصر لمناقشة الإجراءات الإدارية اللازمة لمعالجة تأثير الأزمة في السودان على مستقبل السودان واستقراره، ووضع الضمانات، والحد من التأثير السلبي للأزمة على دول الجوار، ودراسة تحويل الأموال إلى دول الوطن واللجوء وآلية تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لشعب السودان (وخاصة مصر نفسها).
رؤية للمبادرات الجديدة
في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني محمد تورسين أن النجاح المحدود لمبادرات جيران السودان دفع القاهرة إلى اتخاذ إجراءات أحادية، وأن القاهرة متأثرة بالحاجة المتزايدة لإيجاد سبل للمساعدة في وقف الحرب. الأطراف الأكثر تضررا من تأخيره.
وأكد تورسين، أن القاهرة تعمل حاليا على تطوير مبادرة يمكنها اختراق الجدران الصلبة لأزمة السودان وتطوير أساليب تساعد في استعادة العناصر الضعيفة لكل المبادرات السابقة، من خلال دراسة المعوقات والتحديات التي أدت إلى ظهورها الفشل، والعمل على التغلب عليه لتحقيق رؤية أكثر فعالية يمكنها تغيير مسار الأزمة في السودان.
ورغم قيام القاهرة بالعديد من الأنشطة المتعلقة بالأزمة السودانية خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أن وفداً من تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، زار القاهرة لبحث الأزمة في السودان خلال مرحلة ما بعد نظام الإنقاذ. هناك صدى كبير لموضع العملية.
وفي هذا السياق، تكمن سلسلة عوامل وراء التباين في موقف القاهرة وتقدمها، التي تربطها علاقات وثيقة مع منافس القاهرة التاريخي في حوض النيل، إثيوبيا، التي استضافت اجتماع القوى السياسية والمدنية السودانية في أكتوبر2023، والذي أدى إلى ” التقدم” تشكيل لجنة التنسيق.
وبينما توصف القاهرة بأنها داعمة للمؤسسة العسكرية السودانية، وقع مجلس التنسيق التقدمي على إعلان أديس أبابا لحل الأزمة السودانية مع قوات الدعم السريع في العاصمة الإثيوبية مطلع يناير الماضي، والذي تناول القضايا المتعلقة بوقف الأعمال القتالية. وحماية القضايا المتعلقة بالمدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
ونوه تورسين أن التحدي الأكبر أمام القاهرة هو موقف قوات الدعم السريع ضد مصر، التي تتهم القاهرة باستخدام الطائرات المقاتلة لاستهداف قواتها، وأضاف تورسين أن القاهرة تستطيع حل هذه العقبة من خلال التنسيق مع الإمارات،