خميس القطيطي يكتب: إلى الأمة العربية
خميس القطيطي يكتب: إلى الأمة العربية
إلى أُمَّتنا العربيَّة من المحيط إلى الخليج، صرخة غضب تدوِّي في الوجدان والضَّمير ممزوجة بالأسَى والأسف أن ننسبَ إلى خير أُمَّة أُخرِجت للنَّاس ونحن نشاهد هذه المأساة، ونشاهد أهلَنا في قِطاع غزَّة الصَّابرة يتساقطون جوعًا، فمَن لَمْ يمُتْ بالقصف العدواني الهمجي الصهيوني ماتَ بسبب الجوع. وبقدر ما يُمثِّل هذا الخِطاب من استنفار للنُّفوس الحيَّة بقدر ما يُمثِّل حالةً من الإحباط من النِّظام الرَّسمي العربي الَّذي يشاهد المجازر بشكلٍ يومي ويتعرض للإذلال والامتهان ولَمْ يستطعْ تحريكَ ساكن، فإلى أيِّ مستوى وصل الخذلان والذُّل والهَوان؟!
لو سلَّمنا فرضًا حالات الإعاقة السِّياسيَّة والتدخُّل الخارجي وتقييد بعض الأنظمة العربيَّة باتِّفاقات ما يُسمَّى السَّلام! لكن هل غابتِ الكرامة؟ وهل أمسى الأمن القومي العربي مستباحًا وغابَتْ مشروعيَّة التَّضامن العربي والدِّفاع المشترك؟! وقَدْ باتَ العدوُّ يُجاهر بمشروعه من النِّيل إلى الفرات، بل إنَّ أحَد دهاقنة الصَّهاينة يُجاهر بتمدُّد مشروع الاحتلال الصهيوني «الوهمي» من المحيط إلى الخليج، وبالمقابل فإنَّ كيانه العدوَّ فشلَ في اختبار غزَّة ذات النطاق الصغير بفضل ما وهبها الله من عزيمة وإرادة وإصرار تجسَّدت في إذلال المحتلِّ طوال خمسة شهور منذ بدء العدوان. لذا يعُودُ السُّؤال مجددًا: كيف يُمكِن ترجمة معادلة المواجهة والتصدِّي طالما أنَّ خيارات النِّظام الرَّسمي مقيَّدة بعوائق تجذَّرت في الحالة العربيَّة الرَّسميَّة؟!
هناك أنظمة عربيَّة ما زالت تزعم القيادة للمشهد العربي، وهي بالفعل تسيطر على المنبر السِّياسي العربي، لكنَّ النَّتائج في الحالة العربيَّة مأساويَّة، وهو بسببِ الواقع المُخزي والمُهين للكرامة. فلَمْ تستطعْ تلك الأنظمة التَّعبير عن آلام أُمَّتها وإيصال رسالتها للمُجتمع الدولي والدوَل الحُرَّة المسانِدة للعدالة الإنسانيَّة، فضلًا عن انتزاع زمام المبادرة لِتقولَ كلمتها فيما يحدُث من امتهان لكرامة الأُمَّة نتيجة العدوان والحصار والتجويع في قِطاع غزَّة والعدوُ يحاصر (2.2) مليون مواطن! فإذا لَمْ تحرِّك هذه المشاهد العرب بعد استفراد العدوِّ بأهلِنا في غزَّة فمتى سيتحرَّك العرب؟!
بعد مُضي خمسة شهور على العدوان ما زال هذا الكيان المُجرِم الجبان يتعنَّت في المفاوضات الَّتي جاء إِلَيْها ذليلًا بعد فقدان كُلِّ أوراقه وسقوطه المدوِّي في مستنقع غزَّة الَّذي لَنْ ينهضَ بعده، فلَمْ يتمكَّن رغم الدَّعم الأميركي والأوروبي من حسْم المشهد، وزادت حالة الفشَل مع تزايد عامل الزَّمن، واشتدَّ الانقسام السِّياسي في كيانه واهترأت قوَّات جيشه ونُخب ألْوِيَته الممزَّقة، وضيَّق الرَّأي العامُّ الداخلي الخناق حَوْلَ حكومته «المتطرِّفة» وتصاعدَ الرَّأي العامُّ العالَمي ضدَّه. وبالمقابل فإنَّ موقف المقاومة يتصاعد معززًا بحاضنته الشَّعبيَّة مع استمرار استنزاف العدوِّ في الميدان، والاحتفاظ بمَن تبقَّى من الأسرى بحوزته. فالمقاومة في قِطاع غزَّة هي مَن يقرِّر ومَن يفرض المعادلة، ويقدِّم البرهان. واليوم تعلُو كلمته في الميدان وهو يأتي للمفاوضات بلُغة المنتصر رغم حالة الدَّمار الهائل في قِطاع غزَّة، ورغم سقوط ما يقرب من (40) ألفَ شهيد، مِنْهم ما زالوا مفقودين تحت الأنقاض وأكثر من (70) ألفَ مصاب طوال الشهور الخمسة الماضية، لكن ما زالت المقاومة تتحكم بالمشهد والموقف العامِّ للمواجهة رغم صراخ المُرجِفين والمتصهيِنين.
الخِطاب اليوم موَجَّه إلى الأُمَّة العربيَّة بعدما وصلَ العجز بالنِّظام الرَّسمي العربي إلى هذا المستوى من الخذلان، وهنا يجِبُ أن يكُونَ الضَّمير الشَّعبي العربي مستنفرًا لفرض إيقاع المسانَدة الشَّعبيَّة، وفاعلًا في التَّلويح بحركة الشَّارع للمطالَبة بحقٍّ مشروع من حقِّ الشعوب لمسانَدة الأشقَّاء في فلسطين، وتقديم التَّضحيات والفداء من أجْلِ المقدَّسات وفتح الحدود، والمطالَبة بإلغاء الاتِّفاقات الَّتي لَمْ تجنِ مِنْها الأُمَّة إلَّا الذُّل والخَيبة، بل حجبَت الشَّارع العربي عن أيِّ حراك مشرِّف لصالحِ قضايا أُمَّته، ودعوة العلماء إلى إعلان النَّفير العامِّ. ولا شكَّ أنَّ مَن يتسلَّح بحاضنة الشعوب لَنْ يذلَّ ولَنْ يُخذَلَ ولَنْ يُهزَمَ في معادلة الصِّراع العالَمي، أمَّا الخانعون فعَلَيْهم انتظار النِّهاية الحتميَّة.