كتابنا

إبراهيم علوش يكتب:مثلت إيران-أذربيجان-الكيان: ليس الحياد ممكناً

إبراهيم علوش يكتب:مثلت إيران-أذربيجان-الكيان: ليس الحياد ممكناً

لا يكون الحياد ممكناً بين طرفين عندما يتعلق خلافهما بعلاقةُ أحدهما مع الكيان الصهيوني، لكنّ تفاقم ذلك الخلاف مؤخراً بين الجارتين إيران وأذربيجان، جراءَ ازدهار علاقات الأخيرة مع الكيان الصهيوني، عسكرياً ودبلوماسياً وأمنياً واقتصادياً، أتى ليطوق علاقة معقدة أصلاً ومتشابكة الملفات بأطواقَ من فتائل متفجرة تهدد بجعل أذربيجان لإيران كأوكرانيا لروسيا، وربما تحويلها إلى مدخل لتفكيك إيران ذاتها، إذا نجح ما يطبخه الغرب الجماعي والنظام التركي والكيان الصهيوني لها خلف ستائر المسرح الأذربيجاني.

بدأت القصة بالاسم، إذ نشأت منذ إعلان استقلال “جمهورية أذربيجان الديموقراطية” عام 1918 بدعمٍ تركيٍ مباشر إشكالية وجودية تهدد إيران ككيان سياسي في الصميم.

ولدت تلك الجمهورية على أنقاض روسيا القيصرية، وفي مواجهة الحكومة الروسية المؤقتة التي تأسست بعد إطاحة القيصر نيكولاس الثاني في آذار/ مارس عام 1917، على يد تحالف عريض من أحزاب الكاديت والمناشفة والبلاشفة والاشتراكيين الثوريين وحركات الاستقلال القومي في الأقاليم.

لم يأتِ اختيار “أذربيجان” اسماً للجمهورية الوليدة آنذاك مصادفةً، إذ إن “حزب المساواة” ذا التوجه القومي الطوراني، والذي قاد حركة إشهار الجمهورية الجديدة، أصر عليه، وعينه ترنو عبر نهر آراس إلى الجنوب.

العبرة إيرانياً أن اسم أذربيجان ظل محفوظاً عبر القرون للمناطق الشمالية الغربية من إيران، المتألفة من أذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية وأردبيل وزنجان، وهي أكبر مساحةً وأكثر سكاناً من شمالي أذربيجان الذي احتكر اسم أذربيجان لنفسه.

ويبلغ عدد الأذريين في أذربيجان الحالية أكثر من 10 ملايين بقليل، في حين يقدر عددهم في إيران، ضمن محافظاتهم وخارجها، بنحو 20 مليوناً، أي نحو 23% من الإيرانيين، يضاف إليهم 2% من التركمان.

أطلقت الجمهورية الواقعة شمالي نهر أراس، إذاً، والتي تسمي نفسها “أذربيجان” اليوم، ذلك الاسم على نفسها عام 1918، على أساس برنامج سياسي يقوم على ضم إذربيجان الإيرانية إليها، في سياق مشروع قومي طوراني أوسع، وهو ما كان واضحاً للنخب الإيرانية وقتها التي احتجت بقوة على اتخاذ الجمهورية الجديدة اسم “أذربيجان”.

على الهامش، اشتعلت منذ إشهار “جمهورية أذربيجان الديموقراطية” في ظل تدخل عسكري تركي مباشر في القوقاز أزمة أذرية-أرمنية وصلت سريعاً إلى صدامات عسكرية وحرب أهلية ومجازر في القوقاز.

كانت تلك بداية الأزمة الأذرية-الأرمنية التي نعيشها اليوم. ولم ينهِ الصدام العلني المباشر آنذاك إلا استعادة البلاشفة لأذربيجان وضمها إلى الاتحاد السوفياتي كإحدى جمهورياته عام 1920، مع إبقاء جيب ناغورنو-كاراباخ الأرمني ضمنها، رغم احتجاجات الشيوعيين الأرمن للسلطات في موسكو، استرضاءً للنزعة الطورانية بين الأذريين، وهو مثال تكرر في ضم شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا (تحت عنوان: “كله سوفياتي، فلا يهم”).

ظلت الأزمة تحت الرماد إيرانياً وأرمنياً حتى انهيار الاتحاد السوفياتي وانحلاله، لتشتعل حرب ناغورنو-كاراباخ الأولى التي اشتد أوارها بداية التسعينيات، والتي وقفت فيها إيران مع أرمينيا، مسهمةً في فك الحصار الاقتصادي التركي والأذري عليها.

وكانت إيران قد تحمست للتقارب مع أذربيجان ذات الغالبية الشيعية الساحقة فور استقلالها عن الاتحاد السوفياتي، فسارعت للاعتراف بها ووقعت اتفاقيات شتى معها وقامت بعدد من المبادرات الودية إزاءها.

لكنْ سرعان ما اتضح أن الحكم الجديد في باكو يميل إلى تركيا، وأن شعارات مثل “أذربيجان الكبرى”، و”توحيد أذربيجان”، و”اضطهاد الأذريين في إيران”، و”الحكم الذاتي للأذريين في إيران”، إلخ… ظلت تتردد بوتائر متفاوتة في الخطاب السياسي الأذربيجاني، وفي المناهج الدراسية الأذرية، ومعها ازدهر الخطاب والخط المناهضان لإيران، ما دفع أذربيجان إلى حضن الكيان الصهيوني في المحصلة، وما دفع إيران إلى تعميق علاقتها الاستراتيجية مع أرمينيا.

أذريون أم أتراك؟

لا غبار مبدئياً على حق الأمم في لم شتاتها في كيان سياسي مستقل خاص بها، فهذا حقٌ ثابتٌ لكل الأمم، وهو أساس فكرة الدولة القومية التي يقوم عليها عالمنا السياسي المعاصر، من دون أن تتقاطع حدود الدول مع حدود الأمم، ما يسبب كماً هائلاً من التوترات والنزاعات والحروب حول المعمورة، ولكنّ ممارسة مثل هذا الحق لا ينظر إليه بالمجرد بمعزل عن عاملين أساسيين:
أولاً، مدى تأثيره في الصراع الجاري في عالمنا المعاصر بين الدول والحركات المستقلة من جهة، وبين منظومة الهيمنة الغربية من جهةٍ أخرى، وبالتالي تأثيره على حق أمم الأرض عموماً في التحرر من هيمنة تلك المنظومة.
ثانياً، مدى تأثيره في خريطة النفوذ الإقليمي وموازين القوى في منطقتنا، ولاسيما في مواجهة: أ – الاحتلال الصهيوني، ب – مشروع التمدد التركي.

لذلك، يجب أن نسأل دوماً: استقلال من؟ ضد من؟ وبدعمٍ ممن؟ ويجب أن نسأل قبل ذلك كله: هل هناك أمة أذرية منفصلة يحق لها أن تقيم دولة قومية خاصة بها أم أننا نتحدث عن مشروع انفصالي مدعوم صهيونياً؟

تتمثل المشكلة في حالة أذربيجان الحالية أنها عرقياً من الأرومة الإيرانية وأنها بقيت تاريخياً تحت الحكم الإيراني منذ عصر الميديين في القرن التاسع قبل الميلاد حتى الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، وكان الأذريون يتحدثون الأذرية القديمة؛ إحدى اللهجات الإيرانية التي يكاد ينعدم أثرها اليوم.

ظلت أذربيجان الحالية تحت حكم وكلاء إيرانيين غالباً في ظل الخلافتين الأموية والعباسية حتى انتاب الضعف الخلافة العباسية، فانساح السلاجقة الأتراك في بداية القرن الـ11 الميلادي عبر أذربيجان كلها شمالي نهر أراس وجنوبه، فاختلطوا بهم وترّكوها وترّكوا لسان أهلها وترّكوا انتماء بعضهم، على الرغم أن الأذريين من أصول إيرانية، ما يثبت مجدداً أن الأصل العرقي ليس شرطاً في تحديد الهوية القومية.

بقي الأثر الفارسي قوياً في القرون التي تلت الحكم السلجوقي، فما يبنى على مدى ألفيات لا يُمحى بجرة قلم أو ضربة سيف. تجلى ذلك في ازدهار الأدب الفارسي في أذربيجان حتى في ظل السلاجقة، وفي بروز نخب من الأرومة الإيرانية حكمت بالوكالة في أذربيجان، وصولاً إلى وقوعها تحت حكم الدولة التيمورية (الفارسية ثقافياً) في القرن 14، وعاصمتها سمرقند، ثم تحت الحكم الصفوي بداية القرن 16 ميلادي، لتتشيع إذربيجان في زمن الصفويين مع بقية إيران.

عادت أذربيجان إلى إيران رسمياً إذاً بداية القرن 16، إلى أن خسرت إيران مناطق عدة في القوقاز، من بينها شمالي أذربيجان، أي أذربيجان الحالية، لروسيا، عام 1828 ميلادي، لتصبح جزءاً من الإمبراطورية القيصرية منذ ذلك التاريخ حتى أعلنت استقلالها لأول مرة عام 1918، تحت اسم “اذربيجان”، على أساس برنامج قومي طوراني، أي على أساس برنامج لا يختص بأذربيجان وحدها.

ترى إيران، بناءً على هذه الخلفية التاريخية والثقافية والعرقية لشمالي أذربيجان، أن استعادة الشمال الأذربيجاني إلى أذربيجان الإيرانية أولى، إذا كان موضوع “توحيد أذربيجان” سيطرح على بساط البحث، وأنها الإقليم الذي فصلته قوة أجنبية، هي روسيا القيصرية، عن أذربيجان الأم.

يرى النظامان التركي والأذربيجاني أذربيجان كلها، بالمقابل، جزءاً من العالم التركي أسوةً بعددٍ من الدول الأخرى في آسيا الوسطى. يمثل هذا مشكلة لا لإيران وحدها، بل لروسيا أيضاً، إذ إن من المهم الإشارة هنا إلى أن عدداً من دول آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً، المنضوية في “رابطة الدول المستقلة” التي تقودها روسيا حالياً، راح ينضوي الواحد تلو الأخر في منظمة الدول التركية (المجلس التركي سابقاً) التي تأسست رسمياً عام 2009 في أذربيجان، وهي أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان.

وعام 2021، نالت تركمانستان صفة مراقب في منظمة الدول التركية، وهي على وشك نيل عضويتها، مع أنها ليست سوى عضوٍ مراقبٍ في “رابطة الدول المستقلة”. أما طاجيكستان، ففارسية الجذور لا تركية. ومن البديهي أن أرمينيا، عضو “رابطة الدول المستقلة”، ليست بوارد الانضمام.

أما بخصوص توظيف النزعة الطورانية في آسيا الوسطى لضرب المشروع الأوراسي من جهة، ومشروع الحزام والطريق من جهة أخرى، فالرجاء مراجعة مادة “آسيا الوسطى: الخاصرة الرخوة للمشروع الأوراسي؟”، المنشورة في الميادين نت في 13/12/2022.

لكنْ بعيداً من التوظيف السياسي، يبقى أن موضوع “توحيد أذربيجان” مشكلة من حيث المبدأ: هل يحق لمن تتركوا (في إيران أو غيرها) أن يطرحوا مطلب “حق تقرير المصير”؟ وبصفتهم ماذا؟ بصفتهم أذريين أم أتراكاً؟ فإن لم يعودوا إيرانيين لأنهم تتركوا لغوياً، فإننا لا نعود بصدد الحديث عن “حق الأمة الأذرية في تقرير مصيرها”، بل عن مشروع تمدد طوراني في آسيا الوسطى (والوطن العربي)، وعن تغيير كاسر للتوازنات في الجغرافيا السياسية للعالم الإسلامي، لا بل يمثل هذا المشروع امتداداً لصراع تركي-فارسي عمره قرون، كان السبب الرئيس لتبني الدولة الصفوية خط التشيّع حفاظاً على وجود إيران في مواجهة العثمانيين.

ربما كان خطأ الصفويين أنهم اعتقدوا أن تشيّع الأذريين يقيهم من تمدد النزعات الطورانية في صفوفهم. واللافت أن الاتحاد السوفياتي ارتكب الخطأ ذاته حين اعتقد أن الاشتراكية تقيهم من تفشي النزعة الطورانية أيضاً، ليظهر من البحث، خلال الإعداد لهذه المقالة، أن تلك النزعة إنتعشت بقوة بين النخب السياسية في باكو، ووجدت طريقها إلى المناهج الدراسية والأعمال الأدبية في كنف جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفياتية (Ahmadi, Hamid (2017). The Clash of Nationalisms: Iranian Response to Baku’s Irredentism)، فالنزعة الطورانية في باكو اليوم لم تأتِ من العدم.

نتحدث هنا باختصار عن مشروع تفكيك إيران بأدوات ناعمة تركية لمصلحة مشاريع أخرى، تركية وغير تركية، ليست أصابع الكيان الصهيوني ببعيدةٍ عنها، كما بات واضحاً من تغلغلها وعبثها في أذربيجان، ولاسيما أن الأذريين ثاني أكبر قومية في إيران بعد الفرس. إنه لغمٌ كبير عنوانه “حقوق الأتراك المهضومة في إيران”.

ما يلي ذلك لا بد من أن ينعكس بعيداً من أفغانستان إلى لبنان، أو أن تنشغل إيران عن القضية الفلسطينية وفضائها الخارجي بحربٍ أهليةٍ فارسية-أذرية شبيهة بتلك الدائرة في قلب العالم السلافي بين الأوكران المدعومين ناتوياً من جهة، والروس من جهةٍ أخرى. لذلك، وجب التنبيه من خطورة الخطاب الطوراني من شينجيانغ إلى سورية (هناك من يزعم أن عدد التركمان في سورية يبلغ 3 ملايين نسمة)، ولكن خصوصاً في إيران.

ورغم أن بعض ألد المناهضين للنزعة الطورانية بين أذريي إيران منذ عام 1918 كانوا أذريين، وعلى الرغم من أن الإمام الخامنئي ذاته أذري، ورغم تمثيل الأذريين الوافر في أجهزة الدولة كافة وحقهم في استخدام لغتهم الخاصة في الإعلام والثقافة والجامعات، فإن المظاهرات التي اندلعت في طهران وتبريز (عاصمة أذربيجان إيران فعلياً) دعماً لشمالي أذربيجان في تشرين الأول / أوكتوبر 2020، على خلفية حرب نغورنو-كاراباخ الثانية، والتي اصطدم فيها المتظاهرون مع رجال الأمن، لا تبشر بالخير إذا وصلت الأمور إلى صدام عسكري مباشر بين إيران وأذربيجان.

ولم تكن تلك المرة الأولى، إذ وقعت احتجاجات واسعة النطاق في تموز / يوليو 2016 في المدن الأذرية بذريعة “تشويه الإعلام الرسمي للأذريين”.

في الصلة الأذربيجانية-الصهيونية

يشكل الاختراق الصهيوني العميق لأذربيجان، بعد الاختراق التركي، أحد أخطر معالم التحولات الجارية في منطقة القوقاز. وإذا كانت أذربيجان قد اندفعت بعد إعلان استقلالها نحو نسج علاقةٍ خاصة مع تركيا، تعمقت في ظل نظام حزب العدالة والتنمية، وسارعت إلى إقامة علاقاتٍ قوية مع باكستان والولايات المتحدة، فإن انشدادها إلى بناء علاقات تطبيعية مع الكيان الصهيوني الذي عدته “حليفاً طبيعياً”، برز كأحد أخطر الثغرات الاستراتيجية في القوقاز مع بروز نزعات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو فيها، مع أن أذربيجان لا أوروبية ولا أطلسية.

كان الكيان الصهيوني، بعد تركيا، من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال أذربيجان عام 1991. وبناءً عليه، تأسست العلاقات الدبلوماسية بينهما في 7/4/1992، بحسب موقع وزارة الخارجية “الإسرائيلية”.

في حرب ناغورنو-كاراباخ الأولى، قدم الكيان الصهيوني تمويلاً وسلاحاً لأذربيجان. وفي عام 2009، كشفت وثائق ويكيليكس عن برقية من السفارة الأمريكية في باكو إلى الخارجية الأمريكية، نقلاً عن الرئيس الأذري إلهام علييف، أن العلاقة الأذرية-“الإسرائيلية” مثل جبل الجليد الذي يقع تسع أعشاره تحت السطح!

كان ذلك موضع اهتمام وقلقٍ الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، لأن أذربيجان أعطت الكيان الصهيوني تسهيلات لوجستية في قواعدها الجوية، وكان ذلك يهدد مشروع أوباما للتفاهم مع إيران إذا شن الصهاينة ضربة على إيران من أذربيجان.

ومع أن إيران وأذربيجان وقعتا معاهدة عدم اعتداء بينهما عام 2005، ومع أن أذربيجان ربما لا تجرؤ على أن يُشن هجومٌ “إسرائيلي” مباشرٌ على إيران من أراضها، فإن “التسهيلات اللوجستية” تعني إمكانية استخدام أذربيجان للتزود بالوقود وإنشاء محطات تجسس أو قواعد يمكن أن تنطلق منها عمليات البحث والإنقاذ في إيران.

يعيش في أذربيجان نحو 30 ألف يهودي، في باكو أساساً، وخلال زيارة بنجامين نتنياهو الثانية إلى أذربيجان، بحسب موقع الرئاسة الأذربيجانية في 13/12/2016، حيّا نتنياهو وعلييف دور يهود أذربيجان الكبير في “تعزيز العلاقات الثنائية” وفي النهوض باقتصاد أذربيجان (وهذه ملاحظة صغيرة على هامش النقاش حول العلاقة بين اليهود والصهاينة، ومظهرٌ آخر للحركة الصهيونية كحركة نفوذ يهودي عالمي تتخذ من فلسطين موطئ قدمٍ لها).

وعام 2010، أصدر إلهام علييف قراراً تنفيذياً يفرض على مواطني كل دول العالم الحصول على فيزا مسبقاً لدخول أذربيجان، ما عدا حاملي جوازي السفر التركي أو “الإسرائيلي”!

اتخذت العلاقات الأذرية مع العدو الصهيوني طابعاً استراتيجياً مبكراً في التسعينيات، وتضمنت أبعاداً تجارية وعسكرية وأمنية وثقافية وتعليمية. وبعد زيارة بنجامين نتنياهو الأولى إلى أذربيجان عام 1997، تبنى الكيان الصهيوني مشروع تحديث القوات المسلحة الأذرية.

كان الكيان الصهيوني تحول قبل ذلك وبعده إلى مزود رئيسي للأسلحة إلى أذربيجان. وخلال زيارة الرئيس “الإسرائيلي” الأسبق، شمعون بيريز، إلى أذربيجان عام 2009، أعلن تشييد مصنع طائرات بدون طيار في باكو. وعام 2012، وقع الطرفان اتفاقاً لبيع أذربيجان 1.6 مليار دولار من الطائرات المسيرة والأنظمة المضادة للطائرات والصواريخ.

وعام 2016، أعلن أن الكيان الصهيوني باع أذربيجان نحو 5 مليار دولار من الأسلحة بناء على اتفاقيات وقعت خلال زيارة نتنياهو. وعام 2021، أعلن أن 2 مليار دولار إضافية من الأسلحة “الإسرائيلية” ستباع إلى أذربيجان. هذا يعني أن الكيان الصهيوني يسلح أذربيجان في مواجهة إيران، لا أرمينيا فحسب.

وفي حرب ناغورنو-كاراباخ الثانية عام 2020، لعب السلاح “الإسرائيلي” (والتركي)، ولاسيما الطائرات المسيرة، دوراً رئيسياً في تأمين التفوق الأذري ميدانياً.

اقتصادياً، اخترقت شركات “إسرائيلية” منذ بداية التسعينيات قطاعات الاقتصاد الأذري، مثل قطاعي الاتصالات والطاقة، ومن الأمثلة على ذلك سيطرة شركة Bezeq “الإسرائيلية” على قطاع الاتصالات الأذري منذ التسعينيات حتى عام 2018 عندما باعت حصتها.

نفطياً، كان الكيان الصهيوني، قبل الشروع باستخراج الغاز الفلسطيني المسروق، يستورد 40% من نفطه من أذربيجان. وعام 2007، أعلن السفير الصهيوني في باكو آنذاك، أرثر لينك، ترحيبه بافتتاح خط نفط “باكو-تبليسي-سيحون” عام 2006، الذي يبدأ من أذربيجان ويمر من جورجيا ليصل إلى ميناء أضنة في تركيا، إذ أن قرب سيحون من فلسطين المحتلة، بحسب قوله، سيسهل تصدير النفط الأذري إلى الكيان الصهيوني.

في تشرين الأول / أوكتوبر الفائت أجرت إيران تمارين عسكرية على الحدود مع أذربيجان ردت عليها الأخيرة بمناورات واسعة النطاق، بالاشتراك مع تركيا، على الحدود مع إيران، وما برح التوتر يتصاعد.

ليس هذا بمستغرب؛ ففي 11 تشرين الثاني / نوفمبر الفائت، أعلن إلهام علييف، في مؤتمر منظمة الدول التركية في سمرقند، أنه “سيفعل كل شيء لحماية حقوق الأذريين في الخارج وحرياتهم وأمنهم، ومن ضمنهم الأذريون في إيران”، مضيفاً بأنه “مصمم على ضمان بقائهم موالين لأفكار النزعة الأذرية، وعلى ألا يقطعوا صلاتهم بالوطن التاريخي”. “إنهم جزءٌ من أمتنا”، قال علييف.

وربما يحاول البعض تغطية الشمس بغربال في ما يتعلق بالنظام التركي، لكنه ضالعٌ في هذه الطبخة الفاسدة جنباً إلى جنب مع الكيان الصهيوني.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى