الفروسية في النسيج القبلي العربي.. من رمزية الشجاعة إلى إرث متنقل
أسماء صبحي – في الذاكرة العربية القديمة تكتنز الخيول صورة الفروسية والشجاعة. فالفارس كان رمزاً للمكانة والشرف والخيل وسيلة بقاء ورفيق معركة وسفر. ولم تكن الفروسية مجرد مهارة قتالية فحسب، بل منظومة قيمية تربط بين الفرد والقبيلة وتضع معايير الشجاعة والكرم والولاء. وهذه القيم استمرت متجسدة في طقوس واحتفالات وممارسات محلية لا تزال حاضرة في الريف والبادية وحتى في المدن الحديثة.
الفروسية قبل الإسلام وبعده
تدل المصادر الأثرية والأدبية على انتشار الخيل في المنطقة منذ آلاف السنين. وكانت سمةً مألوفة في حضارات الهلال الخصيب ومصر القديمة قبل أن يتبلور شكل الخيل العربي المعروف لاحقاً. ومع انتشار العرب والإسلام أخذت مكانة الخيل أوضح أبعادها الدينية والثقافية. فقد وردت أحاديث وروايات تمدح الخيل وتربطها بالخير والفضل، وهو ما يعكس احتراماً تاريخياً لهذا الحيوان ودوره في الحروب والانتقال.
اختلاف الممارسات
وتختلف ممارسات الفروسية بين مناطق العالم العربي ولكنها تتقاطع حول عناصر أساسية. المهارة في الركوب، التحكم بالخيل في ظروف صعبة، وطقوس احتفالية تربط بين القوة والكرم. وفي المغرب والجزائر وتونس تعرف عروض الفانتازيا أو “التبوريدة” تشكيلات فريدة لفرسان يركضون في خط واحد ثم يطلقون دفعة من البارود في توقيت متزامن كمشهد احتفالي يعيد إلى الأذهان تدريبات الكتائب القديمة. وتمثل هذه العروض تمازجًا بين الأداء الحربي القديم والهوية الثقافية المحلية.
في صعيد مصر ما زال لطقوس الفروسية الشعبية حضورها عبر سباقات تعرف محلياً بالـ”مرماح”. أو عبر مسابقات تقام في المناسبات القبلية والمهرجانات. حيث يبرز الفارس ومهارته أمام المجتمع كسجلٍ للشهامة والولد.
الخيل العربي مصدر فخر
السلالة العربية هي إحدى أشهر سلالات الخيول عالمياً، وتشتهر بقدرتها على التحمل وسرعتها وجمالها المميز. وهذه الخصائص شكلت سبب استمرارها كمكون أساسي في الثقافة البدوية والقبلية. واعتبرت الخيول العربية عبر القرون رأس مال ورمز مكانة إذ تبادلتها القبائل كهدايا أو كغنائم أو أدوات تفاوض. وسافرت بسمعتها إلى أوروبا وآسيا مع الغزوات والتجارة.
ومع الحداثة دخلت الفروسية أبعاداً جديدة من حفلات ومواسم شعبية إلى سباقات عالمية ومهرجانات سياحية. وأصبحت دول الخليج على سبيل المثال مضماراً مهماً لسباقات الخيل الحديثة (مثل كأس دبي العالمي). وبنية تحتية متطورة لرياضات التحمل والعروض، مما يعطي الفروسية بعداً اقتصادياً ورياديًا بجانب بُعدها الثقافي. كما طورت اتحادات الفروسية بنية تستوعب السباقات الدولية ومنافسات التحمل التي تظهر قدرة الخيل العربية على التنافس على المستوى العالمي.
وقال علي العلي، الرئيس التنفيذي لنادي دبي للسباق، إن السباقات والمهرجانات الحديثة لم تهمش التراث. بل أعطته منصة عالمية لإظهار قيم الفروسية العربية وأهمية الخيل العربية في المشهد الرياضي والثقافي.



