مقال للإعلامي/ عادل رستم
بين التاريخ الممتد وتنوع الجغرافيا تقف سيناء شامخة وشاهدة على عظم الثراء وقد ذكر المؤرخين عن أصل كلمة “سيناء “، فقد ذكر البعض أن معناها ” الحجر ” وقد أطلقت علي سيناء لكثرة جبالها، بينما ذكر البعض الآخر أن اسمها في الهيروغليفية القديمة ” توشريت ” أي أرض الجدب والعراء، وعرفت في التوراه باسم “حوريب”، أي الخراب. لكن المتفق عليه أن اسم سيناء، الذي أطلق علي الجزء الجنوبي من سيناء، مشتق من اسم الإله “سين ” إله القمر في بابل القديمة حيث انتشرت عبادته في غرب آسيا وكان من بينها فلسطين، ثم وفقوا بينه وبين الإله ” تحوت ” إله القمر المصري الذي كان له شأن عظيم في سيناء وكانت عبادته منتشرة فيها. ومن خلال نقوش سرابيط الخادم والمغارة يتضح لنا أنه لم يكن هناك اسم خاص لسيناء، ولكن يشار إليها أحياناً بكلمة ” بياوو” أي المناجم أو ” بيا ” فقط أي ” المنجم “، وفي المصادر المصرية الآخري من عصر الدولة الحديثة يشار إلي سيناء باسم ” خاست مفكات ” وأحياناً “دومفكات” أي “مدرجات الفيروز”.وقد ظل الغموض يكتنف تاريخ سيناء القديم حتي تمكن بتري عام 1905 من اكتشاف اثني عشر نقشا عرفت ” بالنقوش السينائية “، عليها أبجدية لم تكن معروفة في ذلك الوقت، وفي بعض حروفها تشابه كبير مع الهيروغليفية، وظلت هذه النقوش لغزا حتى عام 1917 حين تمكن عالم المصريات جاردنر Gardinar من فك بعض رموز هذه الكتابة والتي أوضح أنها لم تكن سوي كتابات كنعانية من القرن الخامس عشر قبل الميلاد من بقايا الحضارة الكنعانية القديمة في سيناء.
وتدل آثار سيناء القديمة علي وجود طريق حربي قديم وهو طريق حورس الذي يقطع سيناء، وكان هذا الطريق يبدأ من القنطرة الحالية، ويتجه شمالاً فيمر علي تل الحي بالقرب من المحمدية، ومن قطية يتجه إلي العريش، وتدل عليه بقايا القلاع القديمة كقلعة ثارو، ومكانها الآن ” تل أبو سيفة “، وحصن “بوتو” سيتي الذي أنشأه الملك سيتي الأول، الذي يقع الآن في منطقة قطية.
وخلال العصرين اليوناني والروماني استمرت سيناء تلعب دورها التاريخي، فنشأت بينها وبين العديد من المدن التي سارت علي نمط المدن اليونانية علاقات تجارية، والتي كان أشهرها هي مدينة البتراء وهي مدينة حجرية حصينة في وادي موسى، كانت مركزا للحضارة النبطية التي نسبت إلي سكانها من الأنباط، وهناك خلاف كبير حول أصل الأنباط، والمرجح أنهم من أصول عربية نزحت من الحجاز، لأن أسماء بعض ملوكهم كانت أسماء عربية كالحارث وعبادة ومالك. وقد استخدم النبطيون طرق التجارة، وعدنوا الفيروز في وادي المغارة والنحاس في وادي النصب، وكانوا يزورون الأماكن المقدسة في جبلي موسى وسربال، كما سكن رهبان من البتراء دير سانت كاترين في صدر العصر المسيحي، وكانت أبرشية فيران قبل بناء الدير تابعة لأبرشية البتراء. كان الفتح الإسلامي مشجعا لبعض العناصر البدوية في شبه جزيرة العرب للنزوح إلي سيناء والاستقرار بها مما شجع علي انتشار الإسلام بين سكانها، وقد اعتبرتها بعض هذه العناصر نقطة وثوب إلي شمال إفريقيا فاستقر بعضها بمصر بينما نزح البعض الآخر إلي بلاد المغرب. فكانت سيناء أحد أهم المعابر البشرية خلال القرون الأولي من الفتح الإسلامي. وهذه الهجرات التي عبرت سيناء منذ الفتح الإسلامي أخذت تزداد علي سيناء خلال العصرين الأموي والعباسي،
بدأت مصر مع بداية القرن التاسع عشر أحداثا جديدة مع تولي محمد علي حكم مصر عام 1805، وكان أهمها إنشائه لمحافظة العريش عام1810 ضمن التشكيلات الإدارية التي وضعها في هذا العام، والتي كانت تمثل أول شكل إداري منظم في سيناء في العصر الحديث، ولها اختصاصات وحدود إدارية، ووضع تحت تصرف محافظ العريش قوة عسكرية لحماية حدود مصر الشرقية، وقوة نظامية لحماية الأمن داخل المدينة. كما أنشأت نقطة جمركية ونقطة للحجر الصحي بالعريش. أما الطور فقد كانت تابعة إدارياً لمحافظة السويس، بينما أدخلت نخل ضمن إدارة القلاع الحجازية التي كانت تتبع قلم الروزنامة بالمالية المصرية.
في عام 1956 قامت كل من إسرائيل وفرنسا وإنجلترا بعمل هجوم منظم علي مصر فيما يسمي بالعدوان الثلاثي علي مصر وقد قامت المقاومة الشعبية باعمال بطوليه لصد الغزاة والانجليز اما إسرائيل فأخذت سيناء بالكامل ولكن صدر قرارمن مجلس الامن آنذاك برد جميع الأرض المحتله الي مصروعدم شرعية الهجوم علي مصر الى ان قامت إسرائيل في 5 يونيو 1967 م بشن هجوم على مصر وسوريا والأردن واحتلت سيناء والجولان والضفة الغربية للأردن· واستطاع جيش مصر برغم فداحة الخسارة أن يعبر هذه المحنة في صموده أمام القوات الإسرائيلية ودخوله حرب الاستنزاف، وفى ذلك الوقت توفى “جمال عبد الناصر” في سبتمبر 1970
وفي عهد الرئيس السادات انطلقت حرب التحرير في عام ١٩٧٣ لتشكل اول انتصار على اسرائيل ومرحلة جديدة من التنمية والاهتمام …
لم تتوقف معاناة سيناء وهي بوابة مصر الشرقية فقد جثم الإرهاب على أرضها مايقرب من عشر سنوات حتى استطاع جيشنا المصري القضاء عليه لنبدأ حلم التنمية للانطلاق من جديد …
ولكن يبدو أن للأحداث رأيا اخر في السابع من اكتوبر هذا الشهر بدأت حرب غزة وعادت سيناء مرة أخرى لتبقى شاهدة ومؤثرة وفي قلب الحدث …
ولابد أن نذكر هنا الحدث الاهم وهو محاولة الغرب وامريكا وإسرائيل للتهجير القسري لسكان غزة إلى شمال سيناء ..
وهنا وقفت القيادة السياسية موقفا رافضا لا لبس فيه لدعوات التهجير ومحاولة دفن القضية الفلسطينية وهو موقف قومي ومساند وداعم للقضية الفلسطينية .
في السنوات الأخيرة أظهرت القيادة المصرية وعيا وقراءة عميقة لواقع معاش
وكان لتنمية سيناء أولوية كبيرة للقيادة السياسية لوضعها على خارطة التنمية الشاملة والاستثمار، ضمن خطة طموحة وغير مسبوقة تكلفت حوالي ٧٠٠ مليار جنيه لتعمير سيناء وربطها بالوطن الام من خلال الانفاق وجعلها منطقة جاذبة للاستثمار والسكان وإعادة الحلم القديم لتوطين ٣ مليون نسمة يشكلون حائط صد ضد اطماع الغزاة وذلك عن طريق تنفيذ مشروعات قومية وتنموية عملاقة تضمنت إنشاء مناطق ومجمعات صناعية وزراعية وتعدينية، ومجتمعات عمرانية ومد الطرق والجسور والأنفاق، بالإضافة إلى الاهتمام ببناء الإنسان.
وأصبح حلم سيناء وتعميرها واقعا ملموسا نعيشه، وذلك بعد سلسلة من المشروعات القومية بسيناء في مجالات الإسكان ومحطات تحلية مياه البحر وانشاء تجمعات زراعية، وحفر آبار وخطة تنمية شاملة نفذتها الحكومة خلال العام المالي الحالي.
وكان لاحتفال القوات المسلحة والشعب المصريفي 25 أبريل هذا العام في مدينة العريش بذكرى تحرير سيناء الأرض مذاق خاص التي عادت بعد معركتي الحرب والسلام، والتي أصبحت الآن خالية من الإرهاب، ونتيجة لذلك تم تنظيم حفل إفطار جماعي في العريش وهو مشهد لم يكن لنراه يحدث من قبل
ونختتم
ستظل التنمية وإقامة المدن والمجتمعات العمرانية وشبكة الطرق وميناء العريش البحري ومطار العريش ستبقى عناصر مؤثرة للحفاظ على تلك الأرض الابية هي وسكانها الابطال الذين قدموا الغالي والنفيس على مدار التاريخ لتبقى الأرض طاهرة يرتفع على كل ربوعها علم الوطن وتبقى حائط صد ضد اية افكار تراود اطماع الغزاة …