مهنة منسية.. “قص الأثر” رادار بدائي لتعقب المجرمين عند البدو
أميرة جادو
يشتهر البدو بالكثير من المهارات التي اكتسبوها بفضل بيئتهم وتواجدهم في الصحراء، ومن أهم هذه المهارات قص الأثر أو (القيافة)، ولهم في ذلك مهارة عجيبة لا ينافسهم فيها أحد، فيكشفون كثيراً من الحوادث الغامضة عن طريق قص الأثر، وتتبِّع آثار الأقدام، والعلامات الأرضية لمسافات طويلة، فهو بمثابة رادار بدائي وجهاز تعقب وتنصت ودليل إرشاد للبحث عن الغزاة أو الخاطفين.
وتعتبر “قص الأثر” من المهن يمارسها أناس على دراية كبيرة في تضاريس الصحراء وخبرة في اتباع الأثر، حيث يتبعون أثر الضالين أو الجُناة الهاربين في الصحراء الشاسعة ويستطيعون التفريق بين خطوات الرجل وخطوات المرأة حين يسيران حافيين بل يستطيعون التمييز بين أثر قدم المرأة الحامل من طبعته على التراب، ومثله أثر خف الجمل فيميزونه عن أثر خف الناقة الحامل.
ومن يمتهنون بـ “قص الأثر”، يمتلكون القدرة على كشف الكثير من الأمور الخافية وذلك من بعض الظواهر التي يشاهدونها وهم يسيرون في البادية مما يصعب على غيرهم الاستدلال بها، كأن يرى أحدهم مثلاً طائراً قد مرَّ من فوق كثيب أو هضبة فيتخذ مع قومه الحيطة تحسباً من أن يكون هناك قوم غزاة أو أعداء مروا من خلف تلك الهضبة أو ذلك الكثيب فهيَّجوا الطائر من مجثمه.
أشرف مهن الصحراء
ومن جهته أشار “حسن خضير المقبل”، الباحث في شؤون البدو، إلى أن علم البدوي في معرفة الأثر يكاد يكون شيئاً من التنبؤ، ويستطيع قصاصو الأثر من البدو-حسب قوله- معرفة اتجاه خط سير الأقدام لاسيما أن بعض آثار الأقدام قد تختفي معالمها بفعل عوامل التعرية، ولكن ونظراً لخبرتهم الطويلة في التعامل مع الصحراء بشكل مستمر يستطيعون تحليل الأثر ومعرفة الاتجاه الذي سار فيه صاحبه، وتُعد هذه المهنة بالنسبة للبدوي من أشرف مهن الصحراء حيث يُطلق على من يزاولها لقب الرجل الأمين لأنه أمين في عمله وهو يساعد العدالة في الوصول إلى هدفها.
ويتضمن “قص الأثر”، على العديد من الأسرار والخبايا لا يعرفها إلا أبناء الصحراء ومن ذلك أن القَصَّاص يمعن النظر إلى طبعة القدم سواء أكانت لإنسان أم لحيوان ويعرف إن كان بها اعوجاج أو حنف، وعندما يلاحظ القَصَّاص عنق القدم اليسرى عن القدم اليمنى يوقن بأن صاحب القدم – إنساناً كان أم حيواناً يبصر بعينه اليسرى فقط، ولا يجد قصَّاص الأثر صعوبة في معرفة أثر الحيوانات بأنواعها وتشخيصها.
التمييز بين أثر الناقة من الجمل
كما يمكنهم التمييز بين أثر الناقة من الجمل، حيث يلاحظ القصَّاص أن خف الجمل ينهب الأرض نهباً بينما خف الناقة يلامس الأرض بلطف، وتكون خطوة الجمل الذي يحمل أثقالاً على ظهره عميقة ومتقاربة في حين أن الجمل الذي لا يحمل ثقلاً يكون أثر خطواته واسعاً وقدمه على سطح الأرض، وإذا تبيَّن أثر لجمل ظهرت فيه الأرجل الأمامية مع الخلفية فهذا الجمل يجري وهو يحمل شيئاً، أما إذا كانت خطواته منتظمة فهذا يدل على أن الجمل لا يحمل شيئاً.
كما ساهم قص الأثر في حل العديد من المشاكل القديمة، ومنع النزاعات والاشتباكات، علاوة على الكشف أسرار الجريمة أو السرقة، وتعقب أثر المجرمين أو اللصوص، أو العثور على الحيوانات المفقودة.
والجدير بالذكر، أن الكثير من الأشخاص في المجتمعات الشعبية يستعينون إلى قص الأثر لحل لغز العديد من الحوادث الغامضة حتى الآن، كما تلجأ السلطات بقصاصين الأثر كبينة أو قرينة، وما تزال بعض الدول تعتمد على قصاصي الأثر في الكشف عن الجرائم مثل السودان وموريتانيا.