البطل أحمد حمدي.. مهندس كباري العبور في حرب 73 وشهيدها
![البطل أحمد حمدي.. مهندس كباري العبور في حرب 73 وشهيدها](https://sqawoa.com/wp-content/uploads/2023/03/images-2023-03-12T092037.619.jpeg)
أسماء صبحي
“قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”، آخر أيه لفظها الشهيد أحمد حمدي قبل أن يفارق أسرته. هو بطل من قواتنا المسلحة، ظل دائماً يقاتل في مقدمة جنوده في وحدات بناء الكباري بسلاح المهندسين. إنه البطل الشهيد لواء مهندس “أحمد حمدي عبد الحميد”، نائب مدير سلاح المهندسين وقائد قوات الكباري فى العبور.
ولد أحمد حمدي في 20 مايو 1929 بالمنصورة، وتخرج في هندسة القاهرة قسم الميكانيكا في يونيو عام 1951، والتحق بالقوات الجوية في 18 أغسطس من نفس العام، ثم انتقل إلى سلاح المهندسين عام 1954، وأهم دراساته حصوله على دورة القادة والأركان من أكاديمية فرونز العسكرية بالاتحاد السوفيتي بامتياز، ودورة استراتيجية تعبوية بأكاديمية ناصر العسكرية بامتياز، ودبلوم الدراسات العليا في الهندسة الميكانيكية من هندسة القاهرة عام 1957.
حياته العسكرية
وعن حياته العسكرية، عمل بورش سلاح الطيران ثم المهندسين، وكان قائدًا لإحدى وحدات المهندسين بالمنطقة الشرقية. وخلال هذه الفترة شارك في العديد من الأعمال الفدائية، وحصل على فرقة الصاعقة رقم 1 للضباط.
وفي حرب عام 1967، كان يعمل نائبا لرئيس المهندسين بقيادة المنطقة الشرقية. وساهم في التخطيط والتجهيز الهندسي لمنطقة سيناء، وكان صاحب فكرة نقط المراقبة على أبراج حديدية عالية علي الشاطئ الغربي للقناة بين الأشجار لمراقبة تحركات العدو. واستمر عمله في الجيش الثاني وتولى قيادة المهندسين المخصصين لتنفيذ الأعمال الهندسية بالجيش الثاني. والتي كانت القاعدة الأساسية لحرب أكتوبر 1973.
ومن واقع شهادة زملائه الذين عملوا معه تميزه بقوة العزيمة ودماثة الخلق، ومع أسرته كان طيباً ودودًا ويقضي وقته القليل في اللعب واللهو مع أولاده. وكان عندما يأتي إلى المنزل يعلمهم الوضوء وقواعد الصلاة وكيفية قراءة القرآن، وحثهم على حب الوطن والمذاكرة والنجاح. ويصطحبهم إلى الأهرامات ويحكي لهم عن عظمة المصريين ومصر وجمالها.
بطولات أحمد حمدي
تركت أحداث النكسة 67 أثرًا لدىة ولدى كبار القادة والعسكريين، كان لا يتحدث مع أحد، وقال أحد أصدقائه عقب لقائه بالإسكندرية قبل النكسة مستعرضاً حديثه عن أحوال الجيش وقتها: “كان يائساً وحزيناً بل قال بأن الجيش سيتعرض لنكسة وسيتمزق إذا دخل الحرب. وكان يمسك بورقة في يده وقد مزقها بين أصابعه وهو يشير إلى أن هذا ما سيحدث لجيشنا، وقد حدث فعلا في 5 يونيو 1967.
وفي عام 1971، كلف بتشكيل وإعداد لواء كباري جديد كامل، والذي خصص لتأمين عبور الجيش الثالث الميداني. وقام بتشكيل اللواء واستكمال معدات وبراطيم العبور، وكانت تصنع بورش المهندسين والشركات المدنية بإشرافه. وطور من الكباري الروسية لتلاءم ظروف القناة، وساهم في التغلب على الساتر الترابي الذي يشبهها للتدريب على القيام بالمهام التي سيكلف بها لتأمين عبور الجيش الثالث الميداني.
دوره في حرب 73
وعن معركة أكتوبر 1973، وهذه الفرصة كان ينتظرها بفارغ الصبر، وأعد نفسه لها وأحسن الإعداد.وعندما رأى أبناء مصر الأبرار يعبرون القناة أدرك قيمة تخطيطه وجهوده السابقة في الإعداد لوحدات المهندسين عامة والكباري خاصة، وكان إدراكه السليم لأهمية عمليات المهندسين باعثًا أكبر لبذل المزيد من الجهد من أجل تذليل الصعاب التي قابلت وحداته العابرة غير عابئ بما تتعرض له وحداته وروحه من خطر.
وقاد الشهيد وحدات كباري الجيش الثالث على أعظم عمليات العبور وأعقدها في الحرب الحديثة، والتي شهد لها العالم بأسره الأعداء قبل الأصدقاء. وعندما أعلنت ساعة الصفر وعند بدء تحرك وحدات الكباري إلى القناة للإسقاط لتجهيز المعابر والكباري. طلب من قيادة الجيش السماح له بالتحرك شخصياً من مقر قيادته إلى القناة ليشارك أفراده في العمل من أول وهلة، وبعد وقت قصير بدأت المعركة واستمر طوال الليل بلا نوم وأكل ولا راحة متنقلاً من معبر لآخر. حتى اطمأن على بدء تشغيل معظم المعابر والكباري وصلى بعدها ركعتي شكر لله علر رمال سيناء الطاهرة.
وفي مساء 13 أكتوبر اتصل بأسرتة وتكلم معه ابنه وقال له: “خللي بالك من نفسك يابابا”، فرد عليه: “وأنت كمان ياعبدالحميد خللي بالك من نفسك ومن إخوتك ووالدتك”.
قبلها رأت السيدة زوجتة رؤيا أثناء إجازته القليلة، حيث شاهدته مصابا بجرح وملقى على الأرض وسط مجموعة من الجنود والضباط. واستيقظت من النوم في حالة فزع حتى شعر بها وأخبرته برؤية حلم مزعج. فسألها هل رأيت الكوبري؟ قالت نعم فسألها هل الكوبري سليم؟ قالت له نعم سليم، فقال” الحمد لله” وسافر للجبهة في صباح اليوم التالي.
استشهاد أحمد حمدي
وكان دائماً يقول إن كل طلقة مكتوبة باسم صاحبها، ولا أحد يأخذ طلقة لا تخصه، ويردد الآية “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا “. واستشهد يوم 14 أكتوبر، وتقول السيدة زوجتة عندما علمت بالخبر، لم نعرف إلا في يوم 21 أكتوبر، وأحمد الله الذي منحني القوة والصمود. وفي هذه اللحظة أدركت أن قلبي كان صادقا في هواجسه، وأن عقلي كان يرفض التفكير المنطقي في تفسير غيابه المفاجئ عنا. احتضنت أبنائي الثلاثة أمنية 12 سنة وعبدالحميد 10 سنوات ونجلاء 4 سنوات، وعاهدت الله على أن أواصل رسالتي معهم مثلما كان يريد تماما.
واستشهد البطل أحمد حمدي أثناء مساهمته بجهده الجسدي بجوار جنوده في إعادة إنشاء كوبري لضرورة عبور قوات لها أهمية خاصة، وضرورة تطوير وتدعيم المعركة. وأثناء ذلك ظهرت فجأة مجموعة براطيم غارقة متجهة بفعل تيار المياه إلى الجزء الذي تم إنشاؤه من الكوبري، معرضاً هذا الجزء لخطر التدمير.
وبسرعة بديهة وفدائية قفز إلى ناقلة برمائية كانت تقف على الشاطئ قرب الكوبري وقادها بنفسه وسحب مجموعة البراطيم وأبعدها عن منطقة العمل، ثم عاد لمباشرة استكمال عملية التركيب، وفي اللحظة الأخيرة عند الانتهاء من إنشاء الكوبري أصابته إحدى الشظايا المتطايرة وهو بين جنوده. وكانت الإصابة الوحيدة والمصاب الوحيد ولكنها كانت قاتلة وارتفعت روحه إلي السماء شهيداً.
ونال الشهيد تكريماً خاصاً حيث أطلق اسمه على أول دفعة تخرجت في الكلية الحربية بعد حرب أكتوبر. وتم إطلاق اسمه على نفق قناة السويس نفق الشهيد أحمد حمدي.