خبيرة في التراث تكشف دور الأميرة تتر الحجازية في العصر المملوكي
أسماء صبحي
اشتهر العصر المملوكي، بحضور قوى ودور ملموس للمرأة فى حركة المجتمع وبنائه الحضاري. إما بمشاركة فاعلة فى الأنشطة الإنسانية فى مختلف جوانبها. أو من خلال عمائر ما زالت قائمة حتى اليوم. من بينها قصر ومدرسة الاميرة تتر الحجازية، التي كانت موضع تقدير واحترام كبيرين من عامة المصريين. وخاصةً أهل العلم والتصوف لما بذلته من عناية بالعلم وأهله.
من هي الأميرة تتر الحجازية
ومن جهتها، تقول أميمة حسين، الخبيرة في التراث، أن الأميرة تتر الحجازية كما ذكر المقريزي هي ابنه الناصر محمد بن قلاوون. وكانت أقرب بناته إلى قلبه، وقد عرفت بالحجازية بعد زواجها من الأمير المملوكي “بكتمر” الحجازي.
…
وأضافت حسين، أن الأميرة تتر شيدت قصراً كبيراً في حي الجمالية بالقاهرة في منطقة كانت تعرف في العصر الفاطمي باسم “رحبة باب العيد”. وهو الباب الذي يخرج منه الخليفة الفاطمي من قصره لاستعراض مظاهر الاحتفال بالعيدينو وكان قصراً منيفاً يقوم على بعض قاعات القصر الفاطمي المعروف بقصر الزمرد تتجاوز مساحته عشرة أفدنة.
وأشارت حسين، إلى أن الأميرة اعتنت بتعميره وتأنقت في تزيين قاعاته. فأجرت الماء إلى أعلاه وجعلت له إسطبلاً لخيولها وخيول خدامها يشرف على ساحة واسعة أمام القصر. كنما شيدت الأميرة تتر في هذه الرحبة المدرسة الحجازية. وجعلت بها درساً للفقهاء الشافعية، ودرساً للفقهاء المالكية، وجعلت بها منبراً يخطب عليه يوم الجمعة. ورتبت لها إماماً يقيم بالناس الصلوات الخمس.
مدرسة الأميرة تتر
وتابعت الخبيرة في التراث، إن تتر ألحقت بمدرستها مكتباً لتعليم أطفال المسلمين من الأيتام مبادئ القراءة والكتابة والقرآن الكريم. وعينت لهم مؤدباً يعلمهم القرآن الكريم، وخصصت لكل منهم خمسة أرغفة من الخبز ومبلغاً من الدراهم. إضافة إلى كسوتهم كسوتي الشتاء والصيف كانتا عبارة عن (طاقية وثوب من الصوف شتاء ومن القطن صيفاً). كما جاء فى كتاب الوقف الخاص بها.
وأوضحت أن الأميرة أنشأت بجوار مدرستها قبة لتدفن تحتها. ورتبت بشباك هذه القبة عدة قراء يتناوبون قراءة القرآن الكريم ليلاً ونهاراً . كما خصصت الحجازية عدة أوقاف جليلة يُصرف منها مرتبات جزيلة لأرباب الوظائف. إضافة إلى ما يعرف بتوسعات النفقة التي اشتملت على الأطعمة في بعض المناسبات والأعياد. كالكعك فى عيد الفطر واللحوم فى عيد الأضحى.
الاستيلاء على القصر
وأوصت الأميرة بأن يوقف القصر على المدرسة بحيث يؤجر للسكن بمبلغ جزيل لينفق الريع على الوظائف المختلفة للمدرس. وظل القصر والمدرسة يحظيان بالتقدير والاحترام لدى العامة والخاصة لقترات طويلة. إلى أن تطلع إليه أحد عشاق الاستيلاء على أملاك وأوقاف من سبقه. وهو الامير المملوكى الجركسي جمال الدين الأستا دار ( أي المشرف على أمر البيوت السلطانية كلها من المطبخ ومخزن الشراب والحاشية والغلمان وخادم السلطان في أوقات سفره، كما أنه المسئول عن الجاشنيكيرية (ذواق الطعام السلطانى)”.
خطط الاستا دار للاستيلاء على القصر تدريجياً مستغلاً قرب القصر من مسكنه. فأخذ يجلس أولاً برحبة هذا القصر والمقعد الذي كان بها. وفي خطوة تالية اتخذ الأستادار من قصر الحجازية “سجناً” يحبس فيه كل من يعاقبه من الوزراء والأعيان بالخنق والقتل والتعذيب. ثم جاءت الخطوة الاخيرة بأن قام بتخريب القصر مطالباً باستبداله بوقف آخر . بزعم أنه “يضر بالجار والمار”، فكان له ما أراد.
وقام الاستاددار بهدم القصر ليبيعه أرضاً بعد ذلك متكسبا من ورائه الكثير من الأموال. وهكذا أصبح القصر إلى زوال، ويبدو أن الرغبة في تدمير كل ماهو جميل عادة تطل برأسها مخرجة لسانها للجميع عبر عصور مضت وعصور ستأتي.