جنون الحب.. حكاية «كارل وإيلينا» رفض موت حبيبته فعاش مع جثتها 7 سنوات
أميرة جادو
من الحب ما قتل عادة ما تسمع هذه العبارة، فهي من من المقولات التي تحمل الكثير من المعاني والمشاعر فجنون الحب أمر معترف به ولكن هل يمكن أن يصل الحب إلى درجة القتل؟ بتفكير بسيط تجد أن الطبيعي لا يصل الحب إلى درجة القتل ولكن مع وجود الجنون في المعادلة يمكن أن تراجع تفكيرك حتى وإن لم يكن القتل فيمكن أن يكون هناك أي فعل شاذ وغريب اخر وهو ما حدث مع “كارل تانزلر” فجنونه بعشيقته أوصله إلى القيام بأكثر فعل شاذ يمكن أن يخطر على الأذهان.
لم يرضى ” تانزلر” بالقدر ولم يستسلم، فلم يكن الموت عائق لاستمرار العيش معها وكأنها مازالت على قيد الحياة يمارس معها كل المظاهر الحياتية فكيف يمكن أن يقبل بفقدان حلم الطفولة الذي ظل يبحث عنه سنوات وسيطر على تفكيره حتى عند زواجه بأخرى ظلت الفتاة التي رآها في حلمه هاجس يسيطر عليه وبعد أن عثر عليها بفترة قصيرة أعلنت رحيلها لتكون كارثة حياته التي حولته من طبيب يبحث عن علاج للناس إلى مختل ينبش في القبور ويتزوج من بقايا جثة.
حلم الطفولة
ولد “كارل”، ذلك الطبيب المجنون بعشق مريضته وحافظ عليها كبقايا جثة، في 8 فبراير من عام 1877 بـ ” دريسدن” في المانيا مع حلم دائم في منامه فتاة ذات شعر أسود قاتم وجمال لا يوصف وجده المتوفي يؤكد أن هذه الفتاة هي حبه الحقيقي ليبدأ رحلة البحث والجنون.
ووفقًا لما ذكره موقع “thescarechamber”، تكرار ذلك الحلم بدأ “كارل” بالبحث عن تلك الفتاة الزائر الدائم في وجوه جميع النساء إلا إنه لم يجدها حتى اضطر على الزواج من ” دوريس شيفر” عام 1920 حينما عاد إلى ألمانيا من النمسا بعد انتهاء فترة دراسته لأنماط الأحوال الجوية وانتهاء الحرب العالمية الأولى ليرزق منها بطفلين.
هاجر كارل هو وعائلته الصغيرة إلى أمريكا، في عام 1926، ليأسسوا حياتهم الجديدة في ولاية “فلوريدا ولكن رغم العشرة والأطفال والزواج والحياة الجديدة في بلد آخر ظل حلم الطفولة يراوده فمازال يبحث عن حبه الحقيقي ليقرر أن ينفصل عن زوجته وعائلته وانتقل بعدها إلى مدينة كاي ويست وغير اسمه إلى ” كونت كارل فون كوزل” العامل التقني في قسم التصوير بالأشعة في مستشفى البحرية الأمريكية بالمدينة.
كما ظل كارل وحيدا لفترة طويلة، ليس في حياته سوى عمله والمستشفى ومرضاه حتى عام 1931 حينما تحول الحلم إلى حقيقة وصدقت رؤياه التي ظل يبحث عنها منذ طفولته فجميع النساء لم يكن لهن جمال يضاهي جمال فتاة الحلم التي حلم بها وتخيلها في اليقظة قبل النوم حبه الحقيقي ” ماريا إيلينا ميلاجرو هويوس” فتاة من أصول كوبية حضرت مع والدتها إلى المستشفى لشعورها ببعض التعب والإرهاق الشديد.
فتاة الحلم
بمجرد رؤيته لفتاة أحلامه ” إيلينا”، أبنة صانع السيجار، مجروحة القلب بسبب هجر زوجها لها بعد أن أجهضت طفلها الأول وقع في حبها فتشابها الكبير مع فتاة الحلم جعله يقتنع على الفور بأن حبهما كان مقدرا له أن يكون ويرى النور ولكن وقع ما لم يتوقعه فمرض إيلينا ليس مجرد إرهاق حيث تم تشخيصها بمرض السل الذي كان يعتبر مرض قاتل في أوائل القرن الـ 20.
وفي الوقت الذي كان يرسم فيه حياتهم الطويلة السعيدة تمزقت اللوحة على صخرة المرض وتكسرت جميع أحلامه، فلم يكن أمام عشيقته الكثير من الوقت لتحقيق كل هذه الأحلام ولكن بدافع غريزة الطبيب المقاتل رفض كارل الاستسلام وقرر أن يعالج إيلينا وينقذها من هذا المرض القاتل على الرغم من نقص التأهيل اللازم لعلاج مريض السل في تلك الفترة.
وبعد العديد من المحاولات لانقاذ حياتها وتجربة الكثير من أنواع العلاج المختلفة استسلمت إيلينا وودعت الحياة في أكتوبر من نفس عام لقائهما الأول بعد أن اعترف كارل بحبه لها وأمام القدر رفض كارل الاستسلام ورفض الواقع فكيف لها أن تودعه بعدما ظل يبحث عنها لسنوات وتمكن من إقناع عائلتها بعد إصرار أن يسمح له بتحنيط جثتها ودفنها في ضريح حجري فاخر في مقبرة “كاي ويست” مع تحمله لكافة المصاريف.
أغرب قصة حب
وبعد موت إيلينا ودفنها احتفظ كارل بمفتاح قبرها لتظهر أغرب قصص الحب في العالم، ففي بداية الأمر كانت الأمور طبيعية لم تدل على أي شيء شاذ أو غريب فما الغريب من زيارة يومية لحبيبته المتوفاه وعلى مدى سنتين كاملتين ولكن فجأة انقطعت هذه الزيارات، ليتحول معها الوفاء إلى جنون أوصل كارل إلى أكثر فعل شاذ ففي عام 1933 أخرج كارل جثة إيلينا من الضريح لتكون ونيسته في منزله.
ترميم جثة حبيبته
ولم يستسلم كارل أمام تحلل أجزاء من جثة إيلينا، بعد سنتين من الدفن، بل بدأ مهمة إعادة ترميم جثة حبيبته في منزله الذي تحول إلى معمل فقام أولا بمحاولة تثبيت هيكلها العظمي من خلال استخدام أسلاك البيانو وشماعات الملابس وبعدها عمل على إصلاح جلدها من خلال إعادة شده على جسدها باستخدام الحرير المنقوع والشمع.
وقام باستبدال عينيها بأخرى مصنوعة من الزجاج أما الشعر فكان الاسهل حيث صنع باروكة من شعرها المتساقط وقام بملأ تجويف البطن والصدر بالقطن ليحمل شكلها الأصلي وألبسها جوارب ومجوهرات وقفازات كما جعل من بقايا الجثة كائن متفاعل من خلال إطلاق جسدها في منطاد حتى لا تظل مستلقية لاستعادة معتمدا في ذلك على استخدام الكثير من المطهرات والعطور لإبعاد رائحة التعفن عن جسدها.
واستمر كارل في العيش مع حبيبته لمدة 7 سنوات، يأكل ويرقص وينام معها وكأنها زوجته على قيد الحياة حتى انتشرت الشائعات عن الرجل الذي يشتري بشكل دائم ملابس وعطور نسائية رغم أنه وحيد وغير متزوج وانكشف سره الذي وصل إلى عائلة إيلينا.
كشف السر
وفي عام 1940، وتحديدًا عندما ذهبت شقيقة إيلينا إلى منزل كارل للاطمئنان عليه، لتعثر على ما يبدو تمثال ضخم لشقيقتها لتبلغ على الفور السلطات الذين أدركوا فور وصولهم أن هذه الدمية العملاقة لم تكن في الواقع سوى جثة إيلينا نفسها وتم القبض على كارل بتهمة سرقة القبور.
وكشفت السلطات، بعد تشريح الجثة، أن كارل قام بالعديد من العمليات المعقدة على الجثة وصلت إلى حد الاعتداء عليها فيما يسمى بـ “جماع الأموات” ولذلك قامت بإخضاع كارل لتقييم نفسي والذي أظهر أنه كان مؤهلا للخضوع لمحاكمة عادية.
واثبتت كافة التقارير جريمة كارل، إلا أنه بالرغم من ذلك لم يتم محاكمته أو إصدار أحكام ضده بسبب “قانون التقادم المسقط” وهو يعني أن الجريمة سقطت بسبب وقعها منذ فترة طويلة يحددها القانون مما أدى إلى إخلاء سبيله.
ليكتب التاريخ النهاية لأغرب قصص الحب في العالم، بوضع جثة إيلينا للعرض في إحدى دور الجنائز لفترة حيث جاء لزيارتها ما يزيد عن 7 آلاف شخص قبل أن يعاد دفنها مرة أخرى في قبر مجهول في مقبرة “كاي ويست” المحلية وانتقل كارل ليعيش وحيدا حتى توفى في منزله عام 1952 ولم يتم اكتشاف وفاته إلا بعد 3 أسابيع نتيجة انبعاث روائح التعفن.