تاريخ ومزارات

“حكاية الدير الأبيض” أقدم مبنى حجري مسيحي على وجه الأرض.. ما بين التاريخ واللإهمال

دعاء رحيل

منذ سنوات طويلة يعاني الدير الأبيض بسوهاج الإهمال. فرغم كل التحذيرات والتقارير الأثرية والهندسية التي أكدت أن المبنى مهدد بالانهيار منذ 20 عاما مضت، لم يلتفت أحد للوضع الكارثي الذي قد يحدث نتيجة عدم التحرك لإنقاذ الدير الأثري المهدد بالانهيار. التحذيرات التي لم ينتبه لها مسؤولي الآثار كانت بمثابة جرس إنذار لما حدث بالفعل في السادس من يناير الماضي عندما سقطت أجزاء من الجدار الشمالي الداخلي لصحن الكنيسة الأثري بالدير الأبيض وبعدها بيومين سقطت أجزاء أخرى من الجدار الشمالي الداخلي من الدير.

حكاية الدير

دير القديس الأنبا شنودة، المعروف بالدير الأبيض هو أحد أشهر الأديرة القبطية وأهمها وأقدمها. أنشئ الدير حوالي في القرن الخامس الميلادي، وتعود الرهبنة في المنطقة لما هو قبل ذلك. وقد أسسه الأب المؤسس الأنبا شنودة، هو أبو الأدب القبطي، والذي يعد أهم من كتب بالقبطية، وأحد عوامل قوتها وانتشارها آنذاك. كما أن الدير يعد أكبر وأهم مصدر للمخطوطات القبطية في تاريخ مصر.

يحكى مصدر بوزارة الآثار – فضل عدم ذكر اسمه، “ما حدث بالدير الأبيض أن الجدار الشمالي تحديدا في سنة 2017 تم عمل تقرير فني لترميمه على نفقة الكنيسة القبطية، والتي لم تكن نفقتها المالية تسمح بترميمه. لكن بشكل عام لم يحدث تنسيق كامل بين إدارات وزارة الآثار”.

وتابع: قبل سقوط الجدار بيوم أو يومين تمت زيارة الدير من جانب بعض المسؤولين عن منطقة آثار سوهاج لتفقد الأوضاع بالمواقع الأثرية. ولم يتخذوا أية إجراءات حينها لمنع “الكارثة” فقد سقط الجدار الشمالي في اليوم التالي من الزيارة. وخلال الفترة الحالية يقوم بعض مسؤولي الوزارة بالرجوع للتقارير القديمة للوقوف على وضع الدير. فالانفصال حدث تحديدا في الطبقة الداخلية من الجدار بارتفاع متر من الأرض.

وقد بدأ الانفصال في مساحة 6×7 أمتار. ومنذ يومين سقط أيضا جزء آخر من الدير نتيجة الانفصال في قشرة الحجر الجيري، فهذا ما حدث وأنا أراه نتيجة سوء التنسيق بين الإدارات وسوء الإدارة أيضا، فالميول الموجودة بالجدار ظهرت منذ سنة 2000.

وأضاف، أسند موضوع الدير لجامعة “ييل الأمريكية” وذلك لدراسة موقع الحفائر بالكامل حول الكنيسة الأثرية، بجانب مشروع ترميم للدير نفسه. وحدث تقصير منهم ولم يرمموا الدير في نهاية الأمر.

وبالفعل المنطقة كانت بصدد إعداد مذكرة رسمية لسحب المشروع من جامعة “ييل” وإسناده لمركز البحوث الأمريكي. لكن عندما شعرت جامعة ييل بالأمر بدأت بتنفيذ تعاون بينها وبين مركز البحوث الأمريكي. ولم ير المشروع النور أيضا في نهاية الأمر. فما تم فقط هو أنه في سنة 2016 جاء مركز البحوث الأمريكي وعمل اختبارات داخل الهيكل الموجود من الداخل.

مطالبات بالترميم

وفي سنة 2018 تم ترميم جزء بسيط في المنطقة الغربية من صحن الكنيسة، وهو الجزء الداعم للسور من الناحية الغربية، لكن لم يتم معالجة الميول من خلال عمل “سندة” لتدعيم السور.

طالبت المنطقة بعمل دعامات للمشروع لكن الموضوع توقف بسبب بطء قطاع المشروعات بوزارة الآثار الذي لم يتخذ أية إجراءات تخص سرعة إنجازه، أو إسناده لإحدى الشركات. رغم أن المهندس وعد أبوالعلا، رئيس قطاع المشروعات، قد زاره عدة مرات، فكان من المفترض صلبه وتدعيمه منذ سنوات لكن الأمر لم يتم.

حركة الشروخ

ويشرح المصدر، اضطرت المنطقة لقياس حركة الشروخ داخل الدير “على حسابها الشخصي” لكن ما حدث أيضا أنه قد تم إهمال الموقع الأثري. وحدث إهمال في منطقة الحفائر رغم مخاطبة القطاع أكثر من مرة. فهذه المنطقة هي امتداد للقبة السوداء وقد دمرت بشكل كامل نتيجة حركة الأمطار والرياح والأتربة، بجانب حركة الزوار.

ويقول: أما بالنسبة لمنطقة الحفائر التي تم ردمها فهي تقع في أعلى منطقة حفائر بالنسبة للمواقع هناك. وقد تم ردمها في سنة 2019 دون العرض على التفتيش المختص. وتم أخذ الموافقة على ردم الحفائر في “السر” دون الرجوع للمنطقة. واستخدمت معدات ثقيلة خلال عملية الردم ورمل به نسبة دبش كبيرة. وهي بالطبع تمثل خطورة على وضع الحفائر التي كان من المفترض أن يتم تدعيمها وتقويتها منذ البداية لكن للأسف الشديد حدث إهمال كبير من جانب قطاع الآثار الإسلامية رغم وجود خطابات أكثر من مرة.

تقاعس في الترميم

ونوه المصدر بأنه عندما وثق مركز البحوث الأمريكي الدير حذر من ارتفاع الجدران داخل الدير خاصة مع عدم وجود أي دعامات ساندة لحائط الدير. بجانب أن تربة الدير هي تربة رملية، وبالتالي الحركة بالموقع غير “ثابتة”.

وبجانب ذلك هناك ارتفاع لمياه الصرف الصحي الموجود بالمنطقة المحيطة، والذي يسبب عملية “ليونة” في التربة وقد أثر الأمر خاصة في الدير الأحمر. وأدى ذلك لانتشار النمل الأبيض. لذلك حذر مركز البحوث الأمريكي من تلك المسألة في المنطقتين؛ الدير الأبيض والدير الأحمر.

كما حذر المصدر من مرور المعدات الثقيلة في تلك المنطقة. وهو الأمر الذي لم يكن يراعى أبدا، فكثيرا ما كانت تدخل المعدات الثقيلة والجرارات داخل الدير للوصول للمزرعة. بجانب أن عملية ردم الحفائر استمرت لحوالي خمسة أيام متواصلة ودخلت معدات ثقيلة للموقع في تلك الفترة مثل “اللوادر”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى