المزيد

من هو الشاعر الذي قتله شعره؟.. وهذه أشهر قصائده

دعاء رحيل

من هو الشاعر الذي قتله شعره، هذا الشاعر العربيّ الشهير، الذي اشتهر بالحكمة وشخصيّته المميّزة، وما كان يكتنف جدرانها غموضًا فضوليّ، حيّر الناس بشعره، وسطا على شعراء جيله، ترك وراءه عدد كبير من القصائد المتنوّعة، كما وتعتبر قصائده سجلًا تاريخيًّا لأحداث عصره، وسيرة ذاتيّة لما يمثل حياة الشاعر، كما ويستطيع قارئ قصائده بمعرفة ما يعتلي لسانه من الحكمة وكيف تطورت قصائده، إلى أن مات بسبب أبيات شعره التي قصد بها شيء معني، وفي هذا المقال من موقع المرجع سوف نتحدَّث عن الشاعر الذي قتله شعره وسنذكر نبذة عنه وأشهر قصائده وما يميّزها أيضًا.

مفهوم الشعر

تعود كلمة الشعر إلى مشاعر مدفونة داخل الإنسان، يُخرجها على شكل كلمات موزونة بلسان موسيقي شاعري، ليُلقيها على نفسه ومن ثم يجري عليها ما جرى على غيرها من القصائد، ولكن ليس لأي شخصٍ أن يكتب شعر يُعتبر شاعر عريق وإن كانت هواية لنفسه، وما سمعناه من الكتب التاريخيّة عن شهرة الشعراء وما يميّز قصائدهم، كما ويعتبر الشعر واحدًا من أشكال الأدب العربي، الذي اشتهر به عدّة من الشعراء منذ العصر الجاهلي إلى وقتنا الحالي، حالت الأزمان إلى سماع بعضًا من الكلمات الموزونة المفصّلة المتحدّة في حروفها الأخيرة من كل جملة كاملة، كما وتسمى هذه الجمل بالأبيات، والحرف الأخير قافية، ومن البداية إلى النهاية فهي قصيدة، ويتنوع الشعر بأهداف العناوين إلى قصائد مدح وحب ورثاء وفخر واعتزاز، كما وتتنوع القصائد فهنالك الشعر الحر والعمودي والرباعيات الشعريّة، إذ تُستخدم الصفات الجمالية إضافة إلى الموضوع وذلك لإضفاء الحس الجذاب إلى قارئيه، يصب الشاعر مشاعره وأحاسيسه إلى قصائده وذلك ما يشعر به القارئ بشكل معنوي، وما نكتبه دليلًا على أن مفهوم الشعر واسع وعميق بجماله ومميّزاته الجليلة ومهما نكتب فإننا نُجزّء ما شملناه.[1]

 

من هو الشاعر الذي قتله شعره

الآن نركز على موضوع مقالنا، من هو الشاعر الذي قتله شعره ؟، إنّ الشاعر الذي قتله شعره هو:

أبو الطيّب المتنبي.
هو أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي، لُقّب بشاعر العرب وهو من أعظم شعراء الأدب العربي وُلد عام 303هـ الموافق 915م وتوفي عام 354هـ الموافق 965م، أكثر الشعراء تمكنًا باللغة العربيّة من قواعدها إلى مفرداتها، كما اعتلى مكانة لم تكن عند غيره من الشعراء، أعجوبة زمانه، جُلّ تعظيمه عند كافتهم، وُلد في مدينة الكوفة في منطقة كندة وفارق الحياة أي توفي في مدينة النعمانيّة في العراق عن عمرٍ يُناهز الخمسين في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر لعام 965 ميلادي، نشا في الشام وانتقل إلى البادية ليتعلم الأدب والشعر وعلوم اللغة العربيّة، مذ كان صبيًّا وهو يتغنّى بالشعر، ألقاه على الأمراء والولاة ليحظى بالمكانة القيّمة، وفي مرّة أدرك أن هنالك أحد من الحكام حاول أن ينزل مكانته بتذكيرهم بمكانه الذي ولد فيه، ولكنه كان دائمًا ما يفخر بنفسه لا بقومه ونسبه، فقال:[2]

لا بقومي شَرُفتُ بل شَرُفُوا بي وبنفسي فَخَرْتُ لا بجدودي

ولكن كيف تمّ قتله وبأي سبب ؟، هناك من يعجزه التفكير عند ذكر أن شاعرًا قد قتله شعره، يتعجبون أن نهاية حياته تكون على يد كلمات كتبها، ولكن هو نفسه لم يحتسب أن هذا ما يحصل يومًا ما، إن المتنبي كما عرفنا هو الشاعر الذي قتله شعره، لُقب بهذا لأنه كما قيل كان يدعي النبوة مذ كان صغيرًا وورد ذلك في شعره وبيّن ويكأنه نبي الشعراء، ولكن الحادثة الشائعة التي أدت لموته هي، أنه في يومٍ خرج المتنبي سائرًا مع ولده وخادمه في رحلة خارج الكوفة، فصادف رجل يدعى ضبة بن يزيد الأسدي، نشب صراعًا بسبب خلاف ما وحاول هذا الرجل بكمين أن يُغير عليه ومن معه، حيث إن المتنبي معروف بقوته ولا يخشى أحدًا، إن حاول أحد التصدي له يُهجيه أبيات من الشعر، فهجاه أبيات شعرٍ تلبست روح هذا الرجل، حاول المتنبي الهرب ولكن غلامه ذكره ببيت من قصيدة واحَرَّ قلباه حينما قال في بيتٍ:

الخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ

وحينها استسلم المتنبي وتم قتله.

 

الأبيات التي أدت إلى قتل الشاعر

كما تبيّن أنّ الشاعر أبو الطيّب المتنبي لا يخشى من يجابهه واقفًا متصديًا له، وفورًا يقوم بهجاءه، وكذلك فعل مع ظبة بن يزيد الأسدي، فهجاه بتلك الأبيات:

ما أَنصَفَ القَومُ ضَبَّه وَأُمَّهُ الطُرطُبَّه

رَمَوا بِرَأسِ أَبيهِ وَباكَوا الأُمَّ غُلبَه

فَلا بِمَن ماتَ فَخرٌ وَلا بِمَن نيكَ رَغبَه

وَإِنَّما قُلتُ ما قُلتُ رَحمَةً لا مَحَبَّه

وَحيلَةً لَكَ حَتّى عُذِرتَ لَو كُنتَ تيبَه

وَما عَلَيكَ مِنَ القَتــلِ إِنَّما هِيَ ضَربَه

أشهر قصائد المتنبي

إنَّ من أشهر قصائد أبو الطيّب المُتنبي التي انتشرت على الألسن وذاع صيته بها، هي القصائد التالية:

قصيدة كفا بك داءُ.
قصيدة واحَرَّ قلباه.
قصيدة على قدر أهل العزم تأتي العزائم.
قصيدة عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدت يا عيدُ.
قصيدة أجاب دمعي وما الداعي سوى طَلَلُ.
قصيدة عذل العواذل.
قصيدة أرقٌ على أرقٍ.
قصيدة أغالبُ فيكَ الشوق والشوق أغلبُ.
قصيدة إذا غامرت في شرفٍ مروم.
قصيدة لعينيكِ ما يلقى الفؤادُ وما لقي.
قصيدة أنا الغريق فما خوفي من البللُ.
قصيدة بم التعلّل لا أهلٌ ولا وطنُ.
قصيدة لا خيلَ عندك تهديها ولا مال.
قصيدة لكِ يا منازلُ في القلوبِ منازلُ.
قصيدة ليالي بعد الظاعنينَ شكولُ.

خصائص شعر المتنبي

تميّز المتنبّي بقصائدة ورفعة مكانته وعظيمها، لذلك سنذكر خصائص شعر المتنبّي التي حالت بها أن ترفع قدره ويرفع منها، وهي كالآتي:

تميّزت قصائده بأنها جعلت من شعره عائدًا لشخصيّته المُثلى، عبّرت عن الثقة بالنفس والاعتزاز وجنون العظمة.
الدقّة في الوصف.
التلاؤم الصّوتي وآليّة التكرار.
الإيجاز في غير خلل.
استحضار الصورة المُبتكرة.
الإغراب في التخيّل.
تكثيف المعاني في البيت الواحد.
القوّة والعظمة.
تنوّع أغراض الشعـر: كالمدح، والرثاء، والوصف، والغزل، والهجاء، والفخر.
المبالغة والغموض.
الحكمة والفلسفة.

بعضًا من أشعار المتنبي

كان المتنبي ورعًا في خُلقه، اعتلى شعره المجد والأصالة، مضى حياته للوصول إلى هدفه الذي وصله بمُضيّه إلى أن حفيت أقدامه راحلًا في أنحاء البلاد، خلال رحلته جسّد العديد من الأبيات والقصائد الشعريّة التي سنذكر فيما يأتي بعضًا منها:

قصيدة واحَرَّ قّلْباهُ

هذه القصيدة التي عاتب فيها المتنبي سيف الدولة الحمداني، سميت بالبردة لأنها من القصائد التي مُدح بها الحمداني، وتنص أبياتها على التالي:

وَاحَـرّ قَلْبـاهُ مـمّنْ قَلْبُـهُ شَبِـمُ

وَمَنْ بجِسْمـي وَحالي عِنـدَهُ سَقَـمُ

ما لي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَـرَى جَسَـدي

وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلـةِ الأُمَـم ُ

إنْ كَـانَ يَجْمَعُنَـا حُـبٌّ لِغُرّتِـهِ

فَلَيْتَ أنّـا بِقَـدْرِ الحُـبّ نَقْتَسِـمُ

قد زُرْتُهُ وَسُيُـوفُ الهِنْـدِ مُغْمَـدَةٌ

وَقـد نَظَـرْتُ إلَيْـهِ وَالسّيُـوفُ دَمُ

فكـانَ أحْسَـنَ خَلـقِ الله كُلّهِـمِ

وَكانَ أحسنَ ما فِي الأحسَنِ الشّيَـمُ

فَوْتُ العَـدُوّ الـذي يَمّمْتَـهُ ظَفَـرٌ

فِـي طَيّـهِ أسَـفٌ فِي طَيّـهِ نِعَـمُ

قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ

لَكَ المَهـابَـةُ ما لا تَصْنَـعُ البُهَـمُ

ألزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئـاً لَيـسَ يَلزَمُهـا

أنْ لا يُـوارِيَهُـمْ أرْضٌ وَلا عَـلَـمُ

أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشـاً فانْثَنَـى هَرَبـاً

تَصَرّفَـتْ بِـكَ فِي آثَـارِهِ الهِمَـمُ

عَلَيْـكَ هَزْمُهُـمُ فِي كـلّ مُعْتَـرَكٍ

وَمَا عَلَيْـكَ بِهِمْ عَـارٌ إذا انهَزَمُـوا

أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْـواً سِـوَى ظَفَـرٍ

تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الـهِنْدِ وَاللِّمـمُ

يا أعدَلَ النّـاسِ إلاّ فِـي مُعامَلَتـي

فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَـمُ

أُعِيذُهـا نَظَـراتٍ مِنْـكَ صادِقَـةً

أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمـهُ وَرَمُ

وَمَا انْتِفَـاعُ أخـي الدّنْيَـا بِنَاظِـرِهِ

إذا اسْتَوَتْ عِنْـدَهُ الأنْـوارُ وَالظُّلَـمُ

سَيعْلَمُ الجَمعُ مـمّنْ ضَـمّ مَجلِسُنـا

بأنّني خَيـرُ مَنْ تَسْعَـى بـهِ قَـدَمُ

أنَا الذي نَظَـرَ الأعْمَـى إلى أدَبـي

وَأسْمَعَتْ كَلِماتـي مَنْ بـهِ صَمَـمُ

أنَامُ مِلْءَ جُفُونـي عَـنْ شَوَارِدِهَـا

وَيَسْهَـرُ الخَلْـقُ جَرّاهَـا وَيخْتَصِـمُ

وَجاهِلٍ مَـدّهُ فِي جَهْلِـهِ ضَحِكـي

حَتَّـى أتَتْـه يَـدٌ فَـرّاسَـةٌ وَفَـمُ

إذا رَأيْـتَ نُيُـوبَ اللّيْـثِ بـارِزَةً

فَـلا تَظُـنّـنّ أنّ اللّيْـثَ يَبْتَسِـمُ

وَمُهْجَةٍ مُهْجَتـي من هَمّ صَاحِبـها

أدرَكْتُـهَا بجَـوَادٍ ظَـهْـرُه حَـرَمُ

رِجلاهُ فِي الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَـدٌ

وَفِعْلُـهُ مَا تُريـدُ الكَـفُّ وَالقَـدَمُ

وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَيـنِ بـهِ

حتَّى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَـوْتِ يَلْتَطِـمُ

ألخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي

وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ

صَحِبْتُ فِي الفَلَواتِ الوَحشَ منفَـرِداً

حتى تَعَجّبَ منـي القُـورُ وَالأكَـمُ

يَا مَـنْ يَعِـزّ عَلَيْنَـا أنْ نُفَارِقَهُـمْ

وَجدانُنا كُلَّ شـيءٍ بَعدَكـمْ عَـدَمُ

مَا كـانَ أخلَقَنَـا مِنكُـمْ بتَكرِمَـةٍ

لَـوْ أنّ أمْرَكُـمُ مِـن أمرِنَـا أمَـمُ

إنْ كـانَ سَرّكُـمُ ما قالَ حاسِدُنَـا

فَمَـا لجُـرْحٍ إذا أرْضـاكُـمُ ألَـمُ

وَبَيْنَنَـا لَـوْ رَعَيْتُـمْ ذاكَ مَعـرِفَـةٌ

إنّ المَعارِفَ فِي أهْـلِ النُّهَـى ذِمَـمُ

كم تَطْلُبُونَ لَنَـا عَيْبـاً فيُعجِزُكـمْ

وَيَكْـرَهُ الله مـا تَأتُـونَ وَالكَـرَمُ

ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شَرَفِـي

أنَـا الثّرَيّـا وَذانِ الشّيـبُ وَالهَـرَمُ

لَيْتَ الغَمَامَ الذي عنـدي صَواعِقُـهُ

يُزيلُهُـنّ إلـى مَـنْ عِنْـدَهُ الدِّيَـمُ

أرَى النّـوَى يَقتَضينـي كلَّ مَرْحَلَـةٍ

لا تَسْتَقِـلّ بِهَـا الوَخّـادَةُ الرُّسُـمُ

لَئِـنْ تَرَكْـنَ ضُمَيـراً عَنْ مَيامِنِنـا

لَيَحْـدُثَـنّ لـمَنْ وَدّعْتُهُـمْ نَـدَمُ

إذا تَرَحّلْـتَ عن قَـوْمٍ وَقَد قَـدَرُوا

أنْ لا تُفـارِقَهُـمْ فالرّاحِلـونَ هُـمُ

شَرُّ البِـلادِ مَكـانٌ لا صَديـقَ بِـهِ

وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسـانُ ما يَصِـمُ

وَشَـرُّ ما قَنّصَتْـهُ رَاحَتـي قَنَـصٌ

شُهْبُ البُـزاةِ سَـواءٌ فيهِ والرَّخَـمُ

بأيّ لَفْـظٍ تَقُـولُ الشّعْـرَ زِعْنِفَـةٌ

تَجُوزُ عِنـدَكَ لا عُـرْبٌ وَلا عَجَـمُ

هَـذا عِتـابُـكَ إلاّ أنّـهُ مِـقَـةٌ

قـد ضُمّـنَ الـدُّرَّ إلاّ أنّـهُ كَلِـمُ

 

قصيدة على قّدْرِ أهْل الْعزمِ

هذه القصيدة أنشدها المتنبي حال خروج سيف الدولة بجيشه الكبير إلى المنطقة التي وقعت في أيدي الرومان، وبحر القصيدة هو البحر الطويل، كما تنص كلماتها على الآتي:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ

وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها

وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ

وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ

وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ

وَذَلِكَ مالا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ

يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمراً سِلاحُهُ

نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ

وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ

وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ

هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها

وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ

سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ

فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ

بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا

وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ

وَكانَ بِها مِثلُ الجُنونِ فَأَصبَحَت

وَمِن جُثَثِ القَتلى عَلَيها تَمائِمُ

طَريدَةُ دَهرٍ ساقَها فَرَدَدتَها

عَلى الدينِ بِالخَطِّيِّ وَالدَهرُ راغِمُ

تُفيتُ اللَيالي كُلَّ شَيءٍ أَخَذتَهُ

وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ

إِذا كانَ ما تَنويهِ فِعلاً مُضارِعاً

مَضى قَبلَ أَن تُلقى عَلَيهِ الجَوازِمُ

وَكَيفَ تُرَجّي الرومُ وَالروسُ هَدمَها

وَذا الطَعنُ آساسٌ لَها وَدَعائِمُ

وَقَد حاكَموها وَالمَنايا حَواكِمٌ

فَما ماتَ مَظلومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ

أَتوكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُم

سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ

إِذا بَرَقوا لَم تُعرَفِ البيضُ مِنهُمُ

ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ

 

قصيدة لعينيكِ ما يلقى الفؤادُ وما لَقي

هذه القصيدة التي ألقاها أبو الطيب المتنبي في ذكر الفداء الذي التمسه الرسول، كما تنص أبيات الشعر على الآتي:

لِعَينَيكِ ما يَلقى الفُؤادُ وَما لَقي

وَلِلحُبِّ مالَم يَبقَ مِنّي وَما بَقي

وَما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَهُ

وَلَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِ

وَبَينَ الرِضا وَالسُخطِ وَالقُربِ وَالنَوى

مَجالٌ لِدَمعِ المُقلَةِ المُتَرَقرِقِ

وَأَحلى الهَوى ما شَكَّ في الوَصلِ رَبُّهُ

وَفي الهَجرِ فَهوَ الدَهرَ يُرجو وَيُتَّقي

وَغَضبى مِنَ الإِدلالِ سَكرى مِنَ الصِبا

شَفَعتُ إِلَيها مِن شَبابي بِرَيِّقِ

وَأَشنَبَ مَعسولِ الثَنِيّاتِ واضِحٍ

سَتَرتُ فَمي عَنهُ فَقَبَّلَ مَفرِقي

وَأَجيادِ غِزلانٍ كَجيدِكِ زُرنَني

فَلَم أَتَبَيَّن عاطِلاً مِن مُطَوَّقِ

وَما كُلُّ مَن يَهوى يَعِفُّ إِذا خَلا

عَفافي وَيُرضي الحِبَّ وَالخَيلُ تَلتَقي

سَقى اللَهُ أَيّامَ الصِبا ما يَسُرُّها

وَيَفعَلُ فِعلَ البابِلِيِّ المُعَتَّقِ

إِذا ما لَبِستَ الدَهرَ مُستَمتِعاً بِهِ

تَخَرَّقتَ وَالمَلبوسُ لَم يَتَخَرَّقِ

وَلَم أَرَ كَالأَلحاظِ يَومَ رَحيلِهِم

بَعَثنَ بِكُلِّ القَتلِ مِن كُلِّ مُشفِقِ

أَدَرنَ عُيوناً حائِراتٍ كَأَنَّها

مُرَكَّبَةٌ أَحداقُها فَوقَ زِئبَقٍ

عَشِيَّةَ يَعدونا عَنِ النَظَرِ البُكا

وَعَن لَذَّةِ التَوديعِ خَوفُ التَفَرُّقِ

نُوَدِّعُهُم وَالبَينُ فينا كَأَنَّهُ

قَنا اِبنِ أَبي الهَيجاءِ في قَلبِ فَيلَقِ

قَواضٍ مَواضٍ نَسجُ داوُودَ عِندَها

إِذا وَقَعَت فيهِ كَنَسجِ الخَدَرنَقِ

هَوادٍ لِأَملاكِ الجُيوشِ كَأَنَّها

تَخَيَّرُ أَرواحَ الكُماةِ وَتَنتَقي

تَقُدُّ عَلَيهِم كُلَّ دِرعٍ وَجَوشَنٍ

وَتَفري إِلَيهِم كُلَّ سورٍ وَخَندَقِ

يُغيرُ بِها بَينَ اللُقانِ وَواسِطٍ

وَيُركِزُها بَينَ الفُراتِ وَجِلِّقِ

وَيُرجِعُها حُمراً كَأَنَّ صَحيحَها

يُبَكّي دَماً مِن رَحمَةِ المُتَدَقِّقِ

 

قصيدة أجابَ دمعي

هذه القصيدة قيلت بمناسبة دخول أبو الطيب على سيف الدولة الحمداني بعد تسعة عشر ليلة، حيث كان يمدح فيها سيف الدولة، وتنص أبياتها على الآتي:

أَجابَ دَمعي وَما الداعي سِوى طَلَلِ

دَعا فَلَبّاهُ قَبلَ الرَكبِ وَالإِبِلِ

ظَلِلتُ بَينَ أُصَيحابي أُكَفكِفُهُ

وَظَلَّ يَسفَحُ بَينَ العُذرِ وَالعَذَلِ

أَشكو النَوى وَلَهُم مِن عَبرَتي عَجَبٌ

كَذاكَ كُنتُ وَما أَشكو سِوى الكَلَلِ

وَما صَبابَةُ مُشتاقٍ عَلى أَمَلٍ

مِنَ اللِقاءِ كَمُشتاقٍ بِلا أَمَلِ

مَتى تَزُر قَومَ مَن تَهوى زِيارَتَها

لا يُتحِفوكَ بِغَيرِ البيضِ وَالأَسَلِ

وَالهَجرُ أَقتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ

أَنا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ

ما بالُ كُلِّ فُؤادٍ في عَشيرَتِها

بِهِ الَّذي بي وَما بي غَيرُ مُنتَقِلِ

مُطاعَةُ اللَحظِ في الأَلحاظِ مالِكَةٌ

لِمُقلَتَيها عَظيمُ المُلكِ في المُقَلِ

تَشَبَّهُ الخَفِراتُ الآنِساتُ بِها

في مَشيِها فَيَنَلنَ الحُسنَ بِالحِيَلِ

قَد ذُقتُ شِدَّةَ أَيّامي وَلَذَّتَها

فَما حَصَلتُ عَلى صابٍ وَلا عَسَلِ

وَقَد أَراني الشَبابُ الروحَ في بَدَني

وَقَد أَراني المَشيبُ الروحَ في بَدَلي

وَقَد طَرَقتُ فَتاةَ الحَيِّ مُرتَدِياً

بِصاحِبٍ غَيرِ عِزهاةٍ وَلا غَزِلٍ

فَباتَ بَينَ تَراقينا نُدَفِّعُهُ

وَلَيسَ يَعلَمُ بِالشَكوى وَلا القُبَلِ

ثُمَّ اِغتَدى وَبِهِ مِن رَدعِها أَثَرٌ

عَلى ذُؤابَتِهِ وَالجَفنِ وَالخِلَلِ

لا أَكسِبُ الذِكرَ إِلّا مِن مَضارِبِهِ

أَو مِن سِنانٍ أَصَمِّ الكَعبِ مُعتَدِلِ

جادَ الأَميرُ بِهِ لي في مَواهِبِهِ

فَزانَها وَكَساني الدِرعَ في الحُلَلِ

وَمِن عَلِيِّ بنِ عَبدِ اللَهِ مَعرِفَتي

بِحَملِهِ مَن كَعَبدِ اللَهِ أَو كَعَلي

مُعطي الكَواعِبِ وَالجُردِ السَلاهِبِ وَال

بيضِ القَواضِبِ وَالعَسّالَةِ الذَبُلِ

ضاقَ الزَمانُ وَوَجهُ الأَرضِ عَن مَلِكٍ

مِلءِ الزَمانِ وَمِلءِ السَهلِ وَالجَبَلِ

فَنَحنُ في جَذَلٍ وَالرومُ في وَجَلٍ

وَالبَرُّ في شُغُلٍ وَالبَحرُ في خَجَلِ

مِن تَغلِبَ الغالِبينَ الناسَ مَنصِبُهُ

وَمِن عَدِيٍّ أَعادي الجُبنِ وَالبَخَلِ

وَالمَدحُ لِاِبنِ أَبي الهَيجاءِ تُنجِدُهُ

بِالجاهِلِيَّةِ عَينُ العِيِّ وَالخَطَلِ

لَيتَ المَدائِحَ تَستَوفي مَناقِبَهُ

فَما كُلَيبٌ وَأَهلُ الأَعصُرِ الأُوَلِ

خُذ ما تَراهُ وَدَع شَيئاً سَمِعتَ بِهِ

في طَلعَةِ الشَمسِ ما يُغنيكَ عَن زُحَلِ

وَقَد وَجَدتَ مَجالَ القَولِ ذا سَعَةٍ

فَإِن وَجَدتَ لِساناً قائِلاً فَقُلِ

إِنَّ الهُمامَ الَّذي فَخرُ الأَنامِ بِهِ

خَيرُ السُيوفِ بِكَفَّي خَيرَةِ الدُوَلِ

تُمسي الأَمانِيُّ صَرعى دونَ مَبلَغِهِ

فَما يَقولُ لِشَيءٍ لَيتَ ذَلِكَ لي

أُنظُر إِذا اِجتَمَعَ السَيفانِ في رَهَجٍ

إِلى اِختِلافِهِما في الخَلقِ وَالعَمَلِ

هَذا المُعَدُّ لِرَيبِ الدَهرِ مُنصَلِتاً

أَعَدَّ هَذا لِرَأسِ الفارِسِ البَطَلِ

فَالعُربُ مِنهُ مَعَ الكُدرِيِّ طائِرَةٌ

وَالرومُ طائِرَةٌ مِنهُ مَعَ الحَجَلِ

وَما الفِرارُ إِلى الأَجبالِ مِن أَسَدٍ

تَمشي النَعامُ بِهِ في مَعقِلِ الوَعَلِ

جازَ الدُروبَ إِلى ما خَلفَ خَرشَنَةٍ

وَزالَ عَنها وَذاكَ الرَوعُ لَم يَزُلِ

فَكُلَّما حَلَمَت عَذراءُ عِندَهُمُ

فَإِنَّما حَلَمَت بِالسَبيِ وَالجَمَلِ

إِن كُنتَ تَرضى بِأَن يُعطو الجِزى بَذَلوا

مِنها رِضاكَ وَمَن لِلعورِ بِالحَوَلِ

نادَيتُ مَجدَكَ في شِعري وَقَد صَدَرا

يا غَيرَ مُنتَحِلٍ في غَيرِ مُنتَحِلِ

بِالشَرقِ وَالغَربِ أَقوامٌ نُحِبُّهُمُ

فَطالِعاهُم وَكونا أَبلَغَ الرُسُلِ

وَعَرِّفاهُم بِأَنّي في مَكارِمِهِ

أُقَلِّبُ الطَرفَ بَينَ الخَيلِ وَالخَوَلِ

اقرأ أيضًا: هل حاتم الطائي مسلم

قصيدة عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدت يا عيدُ

نظم المتني هذه القصيدة في تهيأه للهروب من مصر وكان متزامنًا مع ليلة عيد الأضحى المبارك، كان مهمومًا تحفه الأحزان، أيضًا ضمت هجاء لحاكم مصر الإخشيدي، وتنص أبياتها على الآتي:

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ

فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

لَولا العُلى لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها

وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ

وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً

أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ

لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي

شَيءً تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جيدُ

يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما

أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ

أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَرِّكُني

هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ

إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً

وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ

ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُ

أَنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ

أَمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خازِناً وَيَداً

أَنا الغَنِيُّ وَأَموالي المَواعيدُ

إِنّي نَزَلتُ بِكَذّابينَ ضَيفُهُمُ

عَنِ القِرى وَعَنِ التَرحالِ مَحدودُ

جودُ الرِجالِ مِنَ الأَيدي وَجودُهُمُ

مِنَ اللِسانِ فَلا كانوا وَلا الجودُ

ما يَقبِضُ المَوتُ نَفساً مِن نُفوسِهِمُ

إِلّا وَفي يَدِهِ مِن نَتنِها عودُ

مِن كُلِّ رِخوِ وِكاءِ البَطنِ مُنفَتِقٍ

لا في الرِحالِ وَلا النِسوانِ مَعدودُ

أَكُلَّما اِغتالَ عَبدُ السوءِ سَيِّدَهُ

أَو خانَهُ فَلَهُ في مِصرَ تَمهيدُ

صارَ الخَصِيُّ إِمامَ الآبِقينَ بِها

فَالحُرُّ مُستَعبَدٌ وَالعَبدُ مَعبودُ

نامَت نَواطيرُ مِصرٍ عَن ثَعالِبِها

فَقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَناقيدُ

العَبدُ لَيسَ لِحُرٍّ صالِحٍ بِأَخٍ

لَو أَنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولودُ

لا تَشتَرِ العَبدَ إِلّا وَالعَصا مَعَهُ

إِنَّ العَبيدَ لَأَنجاسٌ مَناكيدُ

ما كُنتُ أَحسَبُني أَحيا إِلى زَمَنٍ

يُسيءُ بي فيهِ كَلبٌ وَهوَ مَحمودُ

وَلا تَوَهَّمتُ أَنَّ الناسَ قَد فُقِدوا

وَأَنَّ مِثلَ أَبي البَيضاءِ مَوجودُ

وَأَنَّ ذا الأَسوَدَ المَثقوبَ مِشفَرُهُ

تُطيعُهُ ذي العَضاريطُ الرَعاديدُ

جَوعانُ يَأكُلُ مِن زادي وَيُمسِكُني

لِكَي يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقصودُ

إِنَّ اِمرَءً أَمَةٌ حُبلى تُدَبِّرُهُ

لَمُستَضامٌ سَخينُ العَينِ مَفؤودُ

وَيلُمِّها خُطَّةً وَيلُمِّ قابِلِها

لِمِثلِها خُلِقَ المَهرِيَّةُ القودُ

وَعِندَها لَذَّ طَعمَ المَوتِ شارِبُهُ

إِنَّ المَنِيَّةَ عِندَ الذُلِّ قِنديدُ

مَن عَلَّمَ الأَسوَدَ المَخصِيَّ مَكرُمَةً

أَقَومُهُ البيضُ أَم آبائُهُ الصيدُ

أَم أُذنُهُ في يَدِ النَخّاسِ دامِيَةً

أَم قَدرُهُ وَهوَ بِالفَلسَينِ مَردودُ

أَولى اللِئامِ كُوَيفيرٌ بِمَعذِرَةٍ

في كُلِّ لُؤمٍ وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ

وَذاكَ أَنَّ الفُحولَ البيضَ عاجِزَةٌ

عَنِ الجَميلِ فَكَيفَ الخِصيَةُ السودُ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى