حوارات و تقارير

«ذي إنترسبت» فرض العقوبات لن يقضي على نظام بوتين بل قد يثبِّت أقدامه

دعاء رحيل
 
ذكر موقع «ذي إنترسبت» مقالًا لـ مرتضي حسين، مراسل للموقع الأمريكي يركِّز على الأمن القومي والسياسة الخارجية، حول المساعي الغربية لمعاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا بفرض أوسع عقوبات ممكنة عليها وتقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا. ويرى الكاتب أن فرض العقوبات لن يساعد على إطاحة نظام بوتين بل قد يثبِّت أقدامه في وقتٍ يعاني فيه الشعب الروسي دون أن يثور على النظام كما يأمل الغرب.
 
ويستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى إعلان الولايات المتحدة، الأربعاء الماضي، عن تدفق أسلحة جديدة إلى أوكرانيا، بما في ذلك أسلحة متطورة مضادة للطائرات وأسلحة صغيرة تهدف إلى مساعدة الحكومة الأوكرانية في صد الغزو الروسي. ومن شِبه المؤكد أن هذه الأسلحة ستقتل مزيدًا من أفراد الخدمة الروسية في أوكرانيا، ليُضافوا إلى آلافٍ يُعتقد أنهم لقوا حتفهم بالفعل في الأسابيع القليلة الماضية. وللمفارقة، قد تخدم الأسلحة أيضًا غرضًا أكثر إنسانية: المساعدة في الوصول بالنزاع إلى طريق مسدود وتعزيز موقف الحكومة الأوكرانية للتفاوض على إنهاء الحرب.
 
إن إنهاء الحرب بهذه النتيجة التفاوضية يمكن أن يساعد أيضًا في تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين بطريقة ربما تكون أقل توقعًا، وهو توفير فرصة لإنهاء الحرب الاقتصادية التي تُلحِق بالفعل أضرارًا بملايين الروس الأبرياء.
 

روسيا هي الدولة الأكثر تعرضًا للعقوبات في العالم

يشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها خاضوا حربًا اقتصادية شاملة ضد روسيا منذ بداية الغزو، مما جعل روسيا سريعًا الدولة الأكثر تعرضًا للعقوبات على وجه الأرض. ويُلحِق هذا الهجوم الاقتصادي الضرر بالفعل بالروس العاديين، بمن فيهم أولئك الذين يعارضون حكومة فلاديمير بوتين. ومع ذلك، بقدر فعالية هذه العقوبات في دفع الروس إلى براثن الفقر، فمن غير المؤكد هل يؤثر ذلك في مجرى الحرب في أوكرانيا أم لا. ولا يزال الجيش الروسي يقصف المدن الأوكرانية مثل خاركيف وماريوبول دون رادع بالمدفعية والغارات الجوية كل ليلة.
 
 
ويرى الكاتب أنه مع اقتران المساعدات العسكرية بالضغط الدبلوماسي، يمكن أن يساعد ذلك في وصول الصراع إلى طريق مسدود ومن ثم إنهاء الحرب في وقتٍ أقرب عن طريق جعل الأمر مستحيلًا تقريبًا على الجيش الروسي -الذي تبدو عليه بالفعل علامات الإرهاق- في النجاح في الاستيلاء على المراكز الحضرية الرئيسة وتحقيق نصر حاسم في أوكرانيا. ومع استبعاد الانتصار العسكري، يمكن للمفاوضات أن تضع نهاية ذات مغزى للحرب، وتمنع السيناريو الكابوسي للاحتلال والتمرد، والأهم من ذلك، لأغراض إنسانية، أن تسمح برفع عقوبات عديدة مفروضة على روسيا مقابل تنازلات لصالح السيادة الأوكرانية.
 
يوضح الكاتب أن هناك أسبابًا تدفع المجتمع الدولي إلى دعم اتخاذ موقف متشدِّد في الدفاع عن أوكرانيا، بما في ذلك من خلال تزويدها بالأسلحة. غير أن الأمر الذي على المحك ليس سيادة دولة واحدة فحسب، بل مبدأ ما بعد الحرب العالمية الثانية المُحاصَر بالفعل والقائل إن الدول الكبيرة لا تستطيع ببساطة التهام جيرانها أو إعادة تشكيل حدود دول مجاورة باستخدام القوة المسلَّحة. إن الموت النهائي لهذا المبدأ في شوارع المدن الأوكرانية سيجعل العالم مكانًا أعنف حتى مما نراه اليوم.
 

العقوبات ضارة وغير فعَّالة

ويمضي الكاتب إلى أنه من المرجَّح أن يكون النهج العقابي الحالي المتمثل في استهداف المواطنين الروس العاديين من خلال الحرب الاقتصادية ضارًا وغير فعَّال معًا. وهناك ما يبرر عقوبات مصممة ضد الأثرياء والمسؤولين الروس المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الحالية، ولكن حتى أقسى هذه الإجراءات الاقتصادية لن تكون كافية لوقف نظام وضع بالفعل مصداقيته السياسية على المحك بغزوه لأوكرانيا. إن الرد على العدوان العسكري لبوتين من خلال حرمان الروس العاديين من الوصول إلى مدخرات حياتهم هو مغالطة قاسية ولا يفعل شيئًا لمساعدة الأوكرانيين، بحسب الكاتب.
 
 
إن الهدف غير المعلن في كثيرٍ من الأحيان للنهج الحالي بمحاولة إفقار المجتمع الروسي هو تأجيج كثير من السخط الذي يؤدي إلى تغيير النظام. غير أن الجماهير الروسية ليس لها أي رأي يُذكر في حكومتها أو قادتها، الذين يسعدهم قمع أي معارضة جادَّة، ولذا فإن إثارة التغيير الثوري من القاعدة إلى القمة يبدو أمرًا مستبعدًا للغاية، بحسب الكاتب. ولم تسفر حملات العقوبات السابقة ضد دول مثل العراق وإيران عن سقوط مثل هذه الأنظمة، حتى الحكومة الكوبية لا تزال في السلطة بعد عقود من الحظر الاقتصادي.
 

العقوبات ترسِّخ قبضة القادة المستبدين ولا تُطِيحهم

يستدرك الكاتب قائلًا: لكن وبدلًا من إطاحة الحكومات، هناك سبب للاعتقاد بأن العقوبات، مثل تلك التي تطبَّق الآن على روسيا، يمكن أن تساعد في ترسيخ قبضة القادة الاستبداديين على السلطة عن طريق إجبار الطبقات الوسطى لديهم على التركيز أكثر على البقاء بدلًا من التركيز على التغيير السياسي، بينما تراكم النُّخب المرتبطة بالنظام الموارد وتصبح حارسة على بوابات ما تبقَّى من الاقتصاد. بل إن بعض قادة الدول الخاضعة للعقوبات حوَّلوا العقوبات إلى وسيلة لإضفاء الشرعية الأيديولوجية، حيث صوروا أنفسهم على أنهم مدافعون قوميون ضد الحرب الاقتصادية التي تشنها القوى الأجنبية المعادية.
 
ثم هناك الدعوات إلى تدخل مباشر أقوى ضد روسيا، وهذه الأفكار لا تجدي نفعًا، بحسب الكاتب. وتفشل الدعوات اللاهثة لفرض منطقة حظر طيران يدعمها الناتو في الاعتراف بأن هذه السياسة ستشكل عملًا من أعمال الحرب، مما يتطلب استهدافًا مباشرًا للأصول العسكرية الروسية. وهناك أيضًا احتمال ضئيل ولكنه حقيقي للتصعيد النووي، وهي كارثة لم يتجنبها المسؤولون العسكريون في حقبة الحرب الباردة إلا بالتزام الحذر الشديد.
 
 
وقد يسمح التعزيز الكبير لقوة النيران الأوكرانية لحكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي بالتوصل إلى اتفاق مع بوتين، مما يدفع نحو إنهاء الحرب عن طريق مفاوضات لا تصل إلى حد الاستسلام. وبدلًا من ذلك، يمكن أن يشهد التوازن الحالي شيئًا يشبه ما حدث في سوريا، حيث قدَّمت القوى الأجنبية أسلحة كافية للمعارضة لمساعدتها على الاستمرار في القتال ولكن ليس بما يكفي لتحقيق الانتصار أو فرض حالة من الجمود الدائم. وكانت النتيجة في سوريا هي تدمير جزء كبير من البلاد على مدار عقد من الزمن، بينما ظل نظام الأسد قابعًا في السلطة.
 

قد تصبح أوكرانيا نسخة أوروبية من سوريا

ويرى الكاتب أن ترك الحكومة الأوكرانية تسقط مع تسليح تمرد طويل الأمد ضد السيطرة الروسية – أو حتى حصار مُنهِك وطويل يتشبث فيه الأوكرانيون بأراضيهم في عدة جيوب فحسب – يمكن أن يجعل البلاد غير مستقرة على نحو دائم، مما يؤدي إلى مقتل المجنَّدين الروس والأوكرانيين العاديين بأعدادٍ هائلة مع الفشل في تحقيق العودة إلى السلام. ويرى الكاتب أنه بذلك ستصبح أوكرانيا حقًا نسخة أوروبية من سوريا، أو حتى أفغانستان، خلال الحرب ضد السوفييت: تدمير النسيج الاجتماعي تدميرًا لا يمكن إصلاحه وحاضنة للجماعات الإرهابية اليمينية المتطرفة التي نشأت من وسط الحطام.
 
إن مثل هذه النتيجة ستكون كارثية على الجميع. وسيثير بوتين غضب الغرب من خلال عزل أو قتل زيلينسكي، الزعيم السياسي الليبرالي الذي يُنظر إليه الآن على نطاق واسع على أنه بطل لدوره خلال الأزمة، وفرض دمية لتحل محله. وسيكون بؤس الاحتلال الفعلي والتمرد في أوكرانيا مصحوبًا بالبؤس الذي فرضه نظام العقوبات الواسع على الروس لسنوات قادمة.
 
وأثناء تلك الحرب الباردة، خاضت روسيا والولايات المتحدة معارك بالوكالة في جميع أنحاء العالم، والتي لم تسفر عن حرب تقليدية بين القوى الكبرى، ناهيك عن التصعيد النووي. ومن الأهمية بمكان الحفاظ على الخطوط الساخنة لتفادي الاحتكاك وتجنب السيناريوهات التي تؤدي إلى قيام الناتو والقوات الروسية بإطلاق النار على بعضهما بعضًا على نحو مباشر. ولا يوجد سيناريو يزيد زيادة كبيرة من خطر نشوب صراع نووي يمكن التسامح معه، لكن هذا لا يعني أن دول الناتو ممنوعة من تقديم مساعدة أكثر جدية إلى الأوكرانيين.
 

الوقت ينفد

فيما أكد الكاتب أنه لا توجد خيارات جيدة اليوم في أوكرانيا. ويبدو أن إرسال مزيد من الأسلحة إلى بلدٍ في حالة حرب هو طريقة متناقضة لتقليل الأذى الذي يلحق بالأبرياء. غير أن هناك أسبابًا معقولة، إذا ما تجاوزنا في نظرتنا ما بعد المدى القصير، للاعتقاد بأن مثل هذه السياسة المتمثلة في تعزيز الحكومة الأوكرانية الشرعية يمكن أن تنقذ أرواح عدد أكبر من الناس بدلًا من ترك البلاد تنهار في أيدي بوتين – أو الحكم على 140 مليون مدني روسي بالحياة تحت حصار اقتصادي دائم.
 
 
أنهى الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن استمرار تدفق الأسلحة يعتبر خطوة منطقية بالنظر إلى الواقع الوحشي للهجمات الروسية المستمرة في أنحاء أوكرانيا. وقد يعتمد تجنب الكارثة الآن على مدى قدرة الدول الغربية على منع سقوط كييف في الأسابيع القادمة. وببساطة، لن يتحقق السلام المستدام في أوروبا دون أوكرانيا القوية، ولا يزال هناك متسع من الوقت لإنقاذ القارة من العودة إلى الوحشية التي مرت بها في القرن العشرين. لكن ذلك الوقت ينفد وبسرعة.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى