عادات و تقاليد

القضاء العرفي

كتب – حاتم عبدالهادى السيد

لا يذهب البدو في نزاعاتهم إلى أقسام الشرطة، بل لهم مجلس قضاء يسمى القضاء العرفي ب، يتحاكمون فيه، ولهم قضاة ومساعدين، ومحكمة تفصل في القضايا فهذا قاضى النساء، وذاك قاضى الزروع والثمار، وآخر لقضايا الدم والقتل، وقاض للزراعات والنخيل وغير ذلك.

لقد دأبت الحكومة على إدخال البدو تحت سلطة القانون المصري، فكان أن أصدرت أوامرها في عام 1853م إلى مشايخ البدو بترك عادات العرب القديمة، ومن له قضية أو دعوة مظلمة يقوم برفع دعواه أمام المحاكم المصرية. وتعد هذه المحاولات المبكرة أولى المحاولات لإخضاع بدو سيناء لسلطة القانون المصري، لهذا أخذت الحكومة تشجع البدو علي رفع دعاواهم أمام المحاكم الشرعية منذ إنشاء محافظة سيناء وعاصمتها العريش، فوجدت محكمة العريش الشرعية آنذاك. ولقد كانت الحكومة ترى أن النظام العرفي الذي كان سائداً بين بدو سيناء هو نظام مرضي لها طالما أنه كان يحقق منظومة الأمن في ربوع شبه الجزيرة، خاصة أن النظام العرفي لم يكن سائداً بين بدو سيناء فحسب، بل هو السائد بين سائر البدو في الديار المصرية كلها آنذاك.

نظرة إلى قضاء العرف في ميزان القانون

ولعل نظرة الحكومة المصرية قد كانت ثاقبة، إذ الأمر يحتاج إلى تدرج أولي، ولقد التجأ بعض بدو سيناء، وسكان مدينة العريش للمحاكم، دون الرجوع لقاضيهم العرفي. وبذلك دخلت سيناء عصر النهضة المصرية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ــ كما يذكر الباحثون ــ خاصة أن العرف في البادية قد أنصف المرأة إلا أن العادات والتقاليد كانت تسلبها الكثير من الحقوق كحق الميراث عند بعض العشائر، وليس عند كل البدو بالطبع ــ وحق اختيار زوجها نظراً للمثل القديم: (البنت محجوزة لابن العم وابن عم العم) أو كما يقولون في المثل الدارج: (يأكلها التمساح، ولا يأخذها الفلاح) أي يتزوجها ابن عمها أو قريبها أو تموت، ولا يأخذها الغريب وغير ذلك،

كما أن القضاء العرفي ليس له قانون مكتوب في الغالب بل الحكم فيه مرده إلى ضمير القاضي ــ ولا تشكيك بالطبع في ضميره. ومع أن الكثير من القضاة أو الشهود بل غالبتهم لم يكونوا ليأخذوا الرزقة (وهي مبلغ من المال يخصص للقاضي الذي يحكم من قبل من يحكم عليه.

نظام القضاء العرفي بين البدو

يبدو أن نظام القضاء المدني قد أصبح سمة موجودة، ويلجأ بعض البدو وكثير من الحضر على السواء إليه، ومع كل ذلك فقد بقي للقانون العرفي قضاته وقوته، ومع التقدم في علم القانون إلا أن القضاء العرفي ما زالت له اليد الطولي في حل الكثير من قضايا البدو والحضر على السواء، وإلى يومنا هذا ما زال الجميع يذهبون إليه في القضايا، وإلا ستنشب النزاعات بين القبائل وربما الحروب.

فعلى سبيل المثال، جرائم القتل والاعتداء على عفة النساء، تتطلب التدخل الفوري لعدم تعدي أحد الطرفين على الآخر حتي لا تقطر دماء جديدة؛ علاوة على أن العصبية والتعصب للقبيلة والعشيرة ما زالت هي السمة الغالبة بين القبائل، وبالتالي فلا مناص من وجود القضاء العرفي، ولا مندوحة عنه؛ لذا سمحت الحكومة بتعظيم الهيبة لهذا القضاء، بل وارتضت أحكامه، خاصة في القضايا الكبرى التي تتطلب تدخل الجميع: الحكومة، وكبار المشايخ ، والقضاة العرفيين في كافة القبائل الأخرى؛ ليعم الأمن والسلام بين ربوع البوادي. إذن لا مندوحة عن القضاء العرفي، ولذا ظلت له الهيبة، والأخذ بأحكامه إلى يومنا هذا في سيناء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى