حاتم عبدالهادى السيد
يستيقظ البدوي في الصباح الباكر، ويخرج الشبان لرعي الإبل بينما تخرج الشابات لرعي الأغنام، وتستيقظ النسوة قبل طلوع الشمس فيصلين ثم يقمن بإشعال النار في أعواد الحطب الجافة، وتصنع البدوية الخبز ” الفطائر الرقيقة ” على ” الصاج ” وهو عبارة عن ” آنية مقعرة من الصفيح المقوى ” فتقوم بوضع ” العجين ” عليه بعد أن ترققه بيديها ثم تضعه على الصاج حتى ينضج لتقدمه طازجًا وبعد الإفطار يشربون الشاي ويخرج الرجال إلى أعمالهم في الزراعة وغالبًا ما تساعد المرأة في الزراعة وتربية الدواجن والماعز والخراف، وعندما يأتي الظهر يتناولون طعام الغذاء ويشربون الدخان ويلعبون ” السيجة ” وهي لعبة بسيطة لا تحتاج إلا لبعض الأعواد الجافة أو بعض الحصى، ويتسامرون وسط المزارع إلى أن تغيب الشمس فيمتد السمر وتحلو الأحاديث حول الناس المشتعلة.
وأهل بادية سيناء – والبدو بصفة عامة – لا يلجأون إلى الحكومة في شيء، فإذا وقعت واقعة ما فأنهم يلجأون إلى شيخ القبيلة أو القاضي العرفي لحل المشاكل مهما كبرت أو صغرت،وأمره نافذ ،ولا يمكن رفضه وإلا طرد الرافض من القبيلة، ولكل قاض اختصاصات معينة ويحكم في القضية فهناك قاض للقتل وقاض للسرقة وغير ذلك؛ فإذا لم يعترف المتهم بجريمته فإن القاضي يُحَوَّله إلى ” المُبَشِّعْ ” ليقوم بلحس ” الِبشعة ” أي بدلاً من أن يحلف، يتم تسخين آنية معينة من النحاس حتى تحمر من شدة الحرارة، ويقال لمرتكب الجريمة: الحس هذه النار بلسانك ” فإن كان بريئًا فإنه ” يلحسها بلسانه “،وبإذن الله لا يصيبه شيء،أما إن كان مجرمًا حقًاً فإن النار تخرسه،وتجعله أخرسًا إلى الأبد،وأغلب مرتكبي الجرائم يعترفون بفعلتهم قبل لحس النار لأنهم يعلمون النتيجة.
وتعتبرالعادات و التقاليد والأعراف هي حالات معنوية ذات علاقة روحية عميقة الجذور بنفسيات الناس وقيمهم الثقافية والاجتماعية- كما يقول د.عبدالحميد يونس؛فهي ساكنة في ضمائرهم ومنعكسة في أساليب سلوكهم. فالعادات والتقاليد هي حكمة الشعب؛وبالتالي ليست إشارة على الماضي؛وليست زائراًوافداً من بيئة أخرى، فهى تنتمي إلى المجتمع الذي تتفاعل معه ويفيد منها،وإلى اللحظة التي تحقق بها وظيفة حيوية وإنسانية من وظائفها الكثيرة، إنها ليست حلقة من سقط المتاع، و ليست عائقا من عوائق التقدم.، بل هى رمز للأصالة وللتمسك بالإنتماء.
وللبدو عادات وتقاليد كثيرة أكثر من أن تحصى ، انتقل بعضها بالتسلسل من الآباء إلى الأحفاد ، وحوفظ عليها كما لو كان شِرْعَةً لا يصح الإخلال بها،وبعضها نشأ بحكم الضرورة القاهرة من شظف العيش وضيقه وقساوة البادية ومرارة العيش فيها ، وتمارس تلك الأعراف والتقاليد ضغطاً اجتماعياً على جميع الأفراد ، فلا يستطيع أحد التحرر منها، وإلا فإنه يعرض نفسه للاستخفاف والازدراء وللعقاب أحياناً؛والنبذ أحياناً أخرى؛وربما يضطر إلى الهرب خارج العشيرة أو القبيلة، أو طرده و ” تشميسه “، أى يتم التبرء منه. وهذا النمط المحافظ الثابت أدى إلى استمرار عادات وقيم وبقائها على ما هي عليه حتى اليوم ، ومن أخلاق البدو، الأنفة، والعزة، والصبر، والكرم، والعفة، والوفاء، وإغاثة الملهوف، وإجارة المستجير، والإيثار، والجرأة في قول الحق، والعفو عند المقدرة. والبدو يحفظون أنسابهم ويفاخرون بها،وقد لا يتسع هنا المقام لذكر كل العادات والتقاليد العائلية التي ظلت حية وممارسة في الوقت الحاضر،وما يصاحبها من ممارسات و طقوس واعتقادات قد تصل بها أحيانا إلى درجة التقديس. حياة البدوى اليومية.