تاريخ ومزارات

ليلة سقوط لويس التاسع أسيرًا في المنصورة.. يوم سقطت فرنسا على أرض مصر

أميرة جادو

كانت مصر هدفاً مباشراً للحروب الصليبية بعد الدور الكبير الذي لعبته في معارك التحرير في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، واستهدفتها الحملة الصليبية الخامسة من غرب أوروبا بقيادة حنا برين عام 615 هـ في سلطنة الملك العادِل الأيوبي، وتمكنت من الاستيلاء على دمياط لكن المسلمين تمكنوا من إلحاق الهزيمة بها في نهاية عام 618 هـ.

قد عاد الصليبيون الكرة بعد ما يقرب من ثلاثين عامًا، عقب الانتصارات العظيمة التي حققها عليهم الملك الصالح نجم الدين أيوب، حيث استطاع بجنوده الخوارزميين استعادة القدس وإلحاق هزيمة ساحقة بالصليبيين في معركة غزة عام 583 هـ / 1187 م ، والتي قتل فيها حوالي 30 ألف صليبي، لذلك سميت بموقعة حطين الثانية.

توحيد مصر والشام

وبعد ذلك نجاح السلطان في توحيد مصر والشام، وأصبحا جبهة موحدة قوية في مواجهة الصليبيين.

نتيجة لهذه الأحداث، حشد الصليبيون جهودهم، ودعا البابا أنوسنت الرابع إلى حملة جديدة في الشرق الإسلامي وحاول إبرام اتفاقيات مع المغول، لمهاجمة المسلمين في وقت واحد من الشرق، حتى يصحبوا بين فكَّي الأسد المغولي الصَّليبي، ولهذا أرسل بعثتين إلى بلاد المغول.

تحريض ضد المسلمين

لم يستجيب أي من ملوك أوروبا على طلب “البابا”، باستثناء لويس التاسع ملك فرنسا، الذي وصف بأنه شديد التدين ومفتون بفكر الصليبيين، وأرسل بدوره سفارة إلى المغول لتحريضهم على المسلمين.

ونتيجة لهذه المؤامرات والمكائد، بدأ المغول بالانتشار في شرق العالم الإسلامي في نفس الوقت الذي تحركت فيه الحملة الصليبية السابعة نحو مصر بقيادة لويس التاسع نفسه، وكان أكثر تنظيماً وأوفر عدة وعتادًا من سابقتها.

إصابة لويس التاسع بالسل

وصلت الحملة إلى الشواطئ المصرية في حالة حرجة، وعانى السلطان من مرض السل الذي اشتد حتى أصبح طريح الفراش، ومع ذلك، لم يستسلم للمرض، بل عاد سريعا من دمشق إلى مصر، فقام ببناء عدة تحصينات في الصالحية ودمياط وحملها بالجنود، وعسكر عند أشموم طناح القريبة من دمياط.

أولاً، هبطت الحملة الصليبية في جزيرة قبرص، لإعادة التعبئة وطلب المساعدة، ثم ذهبت إلى دمياط عام 647 هـ، ونجحت في الاستيلاء عليها بسهولة بعد أن قرر أميرها المملوكي تركها، فغضب السلطان ووبخ المماليك قائلاً: لهم: “ما قدرتم على قضاء ساعة في يد الفرنجة؟!”.

اعتقال لويس التاسع بالمنصورة

بعد الاستيلاء على دمياط، تخيل الصليبيون أنهم في نزهة وأن الأمور ستكون سهلة، فتقدموا وواجهوا مقاومة من الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ في بحر أشمون، ، فاستشهد هذا الأمير ونجَح الصليبيون في التقدم نحو المنصورة ، فوجدوها هادئة صامتة، فحسِبوها خالية، فدخلوها وانتشروا داخل حواريها وأزقتها، ثم فوجِئوا بقيام جنود المماليك بمهاجمتهم مثل كالوحوش الكاسِرة، حتى وقع معظمهم بين القتيل والسجين، وهرب الباقون عائدين إلى دمياط.

لم يسمح لهم المماليك بالعودة بسلام، بل طاردوهم كالأسود وراء الخنازير- كما يقول ابن أيبك في “كنز الدرر” – وألحقوا بهم هزيمة أكبر، ووقع ملكهم “لويس التاسع” أسيرًا، فأخذوه مقيدًا بالسلاسل إلى المنصورة وسجن في منزل القاضي فخر الدين إبراهيم بن لقمان، في الشهر الثاني من محرم عام 648 هـ / 6 أبريل 1250 م.

بعد ذلك تم إجراء مفاوضات مع الصليبيين لإخلاء دمياط، ووعد بعدم غزو شواطئ الإسلام مرة أخرى، علاوة على دفع فدية كبيرة مقدارها 800 ألف دينار، نصفها يدفع قبلها والنصف الآخر بعد ذلك، في مقابل أن يقوم المسلمين بتحرير ملكهم وجميع أسراهم منذ عهد الملك العادل، وأن الهدنة أو المصالحة بين الطرفين تستمر لـ عشر سنوات، ومدة بقاء دمياط بأيديهم هذه المرة كانت إحدى عشرة أشهر وتسعة أيام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى