كتابنا

علاء عبد الله يكتب..

غزوة باريس

 

السياسة مثل خيوط العنبكوت تتشابك أحيانا وتتلاقي كثيرا، لكن في النهاية هي فن تحقيق المصالح للدول بأي وسيلة تحفظ للدول مكانتها ووضعها الإقليمي والقيادي، إلا أن قدر كبير من تحقيق تلك السياسات تتعلق بمدى قدرة الحاكم عن إدارة دفة الأمور في البلاد وطريقة تفكيره والكاريزما التي يتمتع بها وحجم دولته ونفوذها وسيطرتها الإقليمية وإرثها الحضاري، فضلا عن القدرة على سرقة الأضواء والكاميرات وأن يكون محور الحدث أينما ذهب.

 

كل ما سبق تجسد في زيارة الرئيس والزعيم عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية الأخيرة لدولة فرنسا، فبداية من الاستقبال الأسطوري وصولا لتقليد الرئيس أرفع الأوسمة التي تمنح لرؤساء الدول الضيوف في فرنسا مثّل الرئيس السيسي رجل الدولة على أقدر ما يكون.. فالهيبة والقوة المصرية بدت في تفاصيل ومراسم الزيارة جيدا، فالرئيس السيسي يعلم أنه يمثل بلدا قويا ومركزيا يدير دفة الأمور في محيطه .

 

لم يشاهد الفرنسيون منذ زمن عاصمتهم الجميلة وهي تتزين بهذا الشكل استقبالا لرئيس دولة أجنبية صديقة، بل نالت المراسم اعجاب الفرنسيون الذين وثقوا المراسم ومشاهد الخيول الجميلة والأعلام على هواتفهم.

 

بعيدا عن المراسم فقد حاز ملف الإرهاب اهتماما كبيرا على طاولة السيسي وماكرون وهو ملف يؤرق باريس كثيرا ولدى مصر خبرة واسعة في مواجهته وتوقن فرنسا أن مصر الحصن المنيع لمواجهة التطرف، ومن ثمّ فإن هذا الملف واحد من تشابك المصالح الفرنسية المصرية وأرضية صلبة للتعاون، وظهر ذلك جليا في كلمة الرئيس الفرنسي خلال المؤتمر الصحفي المنعقد في 7 ديسمبر 2020.

 

وتأتي التحركات المصرية الفرنسية في العمق الأفريقي من أجل جملة من الأهداف والأبعاد تتجلى في العمل على تعبئة الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، ومواجهة ظاهرة انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة في القارة الأفريقية،

حتمية انتهاج الطرق السلمية لإقرار السلام والأمن داخل الدول والحفاظ على الدولة الوطنية وتماسكها كما هو الحال بالنسبة للحالة الليبية، وكذلك الدول الأفريقية كما هو الحال بالنسبة لدولة مالي، وتكمن الرؤية المصرية الفرنسية حول تعزيز التعاون البناء في تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية التي تمتاز بها القارة الأفريقية، بما يحقق رخاء ونمو شعوب المنطقة.

 

تنظر باريس بعين الرضا إلى قوة مصر وقدرتها على فرض الأمن في منطقة شرق المتوسط ووضع حد لأطماع الأخرين في ثروات الدول جنوب البحر المتوسط، وتراها شريكا قويا في مواجهة محاولات تصدير الأزمات وخلق بؤر صراع جديدة تحت رعاية أطراف في المنطقة تسعي للسيطرة الوهمية.

 

يرى خبراء السياسة الدولية والمتابعين لقضايا منطقة البحر المتوسط، أن التقارب يكمن بين القاهرة وباريس في أدوات الانخراط داخل القاهرة والتي تتنوع في مجهودات عسكرية في ضوء بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، أو من خلال التعاون الثنائي والجماعي لدحض الإرهاب، إلى جانب الأداة الاقتصادية والتنمية والثقافة والتنوع والقدرة على التجديد والقيادة وكذا المرونة في إدارة كل الملفات الشائكة والقدرة على حسمها في الوقت المناسب وصولا لكونها لاعبا دوليا لا يمكن تجاهله في كل القضايا المصيرية، وفوق كل ذلك تستمد مصر قوتها الخشنة والناعمة من عدالة سياستها الخارجية التي تنبذ العنف والصراع وتجنح للتنمية والتعاون والإخاء والفرص المشتركة، والأهم في ذلك كله كون الإنسان المصري هو محور السياسة الخارجية لمصر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى