اللواء زغلول مهران يكتب..

سيمفونية الانتصار 

منذ 48 عامًا عزفت قواتنا المسلحة الباسلة أعظم سيمفونية خلدت فى وجدان كل الأمة العربية من الخليج إلى المحيط، من تأليف القيادة السياسية والعسكرية، وعزف أبطال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ضحّوا بكل غالٍ ونفيس وقدموا أرواحهم الطاهرة، لتبقى مصر شامخة خفاقة الراية مرفوعة الهامة بين الأمم.

لقد كان قرار الحرب قرار استعادة الكرامة قراراً تاريخياً عبر بنا من اليأس إلى الرجاء لنستكمل مسيرة الريادة لنرسم تاريخاً جديداً بسواعد أبناء مصر الأوفياء، وها هى الأيام تمُر وجاء اليوم الذى نقُص للأجيال الحالية والقادمة ما قدمه هؤلاء الأبطال حتى نحتفل بذكرى هذا الانتصار العظيم يوم السادس من أكتوبر لعام ١٩٧٣ أحد الأيام الخالدة، التى دائماً وأبداً نتذكرها ولن ننساها مهما حيينا، لأن قواتنا المسلحة آنذاك لم تكُن تُحارب عدواً تدعمه دول عظمى دعماً معنوياً فقط، بل كانت تدعمه مادياً وتكنولوجياً ولوجيستياً.

نَعم كانت تحارب هذه الدول التى دعّمت المُغتصب لأرض سيناء الغالية وساعدته على تجهيز مسرح العمليات بعوائق، حتى لا نستطيع استرداد أرضنا المسلوبة، العائق الأول قناة السويس هذا المانع المائى الصناعى الذى اعتبره العدو أحد العراقيل الرئيسية، التى ستواجه عبور القوات المصرية للضفة الشرقية للقناة، حيث قامت بتجهيزه بألغام مائية وعبوات ناسفة تعرقل تقدم القوات.

العائق الثانى خط بارليف.. هذا المانع الترابى المنيع الذى أقامه العدو بطول قناة السويس وبارتفاع حوالى ٢٥ متراً وتم تحصينه بمواقع يصعُب اختراقها، بالإضافة إلى تجهيزه بأنابيب نابالم (سائل هولامى قابل للاشتعال يلتصق بالأجسام وخصوصاً الكائنات الحية وتأثيره قاتل)، قام العدو بوضعه للردع وخفض الروح المعنوية حال محاولة عبور قناة السويس أو تسلق المانع الترابى.

ثم يجيء العائق الثالث جيش الاحتلال الإسرائيلى، الذى يمتلك أحدث الأسلحة التى أمدته بها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدول المتقدمة، والذى سيتم مواجهته عقب عبور قناة السويس واجتياز خط بارليف. وعلى الرغم من كل هذا استطاعت قواتنا المسلحة الباسلة هزيمته وانتصرت عليه فى ست ساعات.

إنها إرادة المولى عز وجل وعزيمة الأبطال وقيادة سياسية وعسكرية حكيمة قامت ببناء جيش قوى وخططت ودربت واستعدت لهذا اليوم الخالد.. الكلمات عجزت عن التعبير.. إننى أكتب هذا المقال وعيناى ترقرقان بالدموع، دموع الفرحة والعزة والكرامة والنصر. لقد تأثرت كثيراً وأنا أسرد خواطرى حيث تذكرت بطولات أصحاب الانتصار وتضحياتهم التى هى تاج على رؤوس كل المصريين والأشقاء العرب، لذا يجب أن يكونوا دائماً فى الصدارة لنستمد منهم العزيمة والقوة والتضحية والفداء والولاء والانتماء.

من هنا يجب أن نعلم نحن المصريين أن هذا الانتصار ليس انتصاراً عادياً، بل ملحمة نفتخر بها جميعاً، لما قدمه آباؤنا وأجدادنا من تضحيات وبطولات تحتاج إلى مجلدات لتوثيقها وآلاف الأعمال الدرامية لتخليدها. ويعتبر هذا الانتصار وما تم به من تكتيكات حربية من أهم الحروب التى يدرسها العسكريون بالمعاهد والكليات العسكرية العالمية، حيث أثبت الجندى المصرى أنه خير أجناد الأرض، كما ذُكر فى الكتب السماوية وآخرها القرآن الكريم.. لذا سنظل نقُص ونحكى سيرة هذا الانتصار الذى نفخر به، لأن آباءنا وأجدادنا هم الذين سطروا هذا التاريخ بأحرف من نور لتبقى مصر دائماً عظيمة.. مصر الحضارة التى حتى الآن لم تُكتشف أسرارها.. مصر خزائن الأرض.. لذا يجب علينا نحن المصريين أن نسعى فى الأرض لنبنى هذا الوطن بسواعدنا، لنُكمل مسيرة الآباء والأجداد التى أضاءت لنا الطريق.. آن الأوان لنكون يداً واحدة خلف جيشنا وقيادتنا حتى ننتصر على أعداء الوطن الذين يتربصون به ويخططون لهدمه، لذا أطلب من شبابنا أن يكونوا رقماً فاعلاً فى المجتمع لخدمته ونهوضه، وذلك من خلال العمل والبناء والسعى والبذل، على أن نستدعى ضمائرنا لمحاربة الفساد والقضاء عليه، لأن التغيير لا يتم إلا بسواعدكم أنتم ذخيرة الوطن ومستقبله الواعد، لنحقق الانتصار تلو الآخر فى كافة المجالات.. أنتم أبطال هذه الأمة حالياً ومستقبلاً ويجب أن نلتف خلف قيادتنا السياسية والعسكرية لنستكمل مسيرة التنمية التى نسعى لتحقيقها، لنكون ضمن الدول الرائدة مثلما كُنا لنبقى شامخين يحترمنا العالم ويضعنا فى مكانتنا التى نستحقها.

بهذه المناسبة يجب أن نتذكر شُهداءنا الأبرار الذين ارتوت أرض سيناء بدمائهم الزكية ونترحم عليهم لما قدموه للوطن، وتحية تقدير وإجلال لبطل الحرب والسلام الرئيس الشهيد محمد أنور السادات وكل قادة القوات المسلحة، الذين ساعدوا فى إتمام سيمفونية الانتصار، حتى يعلم القاصى والدانى أن مصر هى أم الدنيا وأمان آخر الزمان.