قبيلة بني كلب.. من صحراء الشام إلى قلب التحولات السياسية في التاريخ الإسلامي
أسماء صبحي – تعد قبيلة بني كلب واحدة من أقدم وأبرز القبائل العربية التي لعبت أدوارًا محورية في تاريخ الشرق الأوسط خاصة في إقليم بلاد الشام. وعلى الرغم من أن اسمها لا يتردد كثيرًا في الإعلام المعاصر مقارنة بقبائل أخرى، فإن تأثيرها التاريخي والسياسي كان بالغ العمق لا سيما خلال العصور الإسلامية الأولى.
جذور قبيلة بني كلب
تنتمي القبيلة إلى قبائل قضاعة، ويعود نسبها إلى كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة. وقد استقرت القبيلة منذ ما قبل الإسلام في مناطق واسعة من بادية الشام شملت جنوب سوريا الحالية، وشرق الأردن، وأجزاء من شمال الجزيرة العربية. وهو ما منحها ثقلًا جغرافيًا واستراتيجيًا مهمًا.
قبل ظهور الإسلام، كانت بني كلب من القبائل القوية المتحالفة مع الدولة البيزنطية. ولعبت دورًا أمنيًا مهمًا في حماية طرق التجارة والقوافل في بادية الشام. كما اشتهرت بعلاقاتها السياسية المنظمة وقدرتها على فرض نفوذها في مناطق واسعة دون الدخول في صراعات دموية مستمرة. وهو ما أكسبها سمعة قبيلة “الميزان” في المنطقة.
موقف القبيلة من الإسلام
مع بزوغ فجر الإسلام، لم تدخل بني كلب الإسلام دفعة واحدة، بل مرّت بمرحلة انتقالية معقدة، نظرًا لعلاقاتها القديمة مع البيزنطيين. إلا أن التحول الحقيقي جاء بعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام، حيث دخلت أعداد كبيرة من بني كلب في الإسلام. وبدأت القبيلة في لعب دور جديد داخل الدولة الإسلامية الناشئة.
بلغ نفوذ بني كلب ذروته خلال العصر الأموي، حيث كانت القبيلة أحد الأعمدة السياسية والعسكرية للدولة الأموية. ويعود ذلك إلى المصاهرة الشهيرة بين الأمويين وبني كلب، إذ كانت ميسون بنت بحدل الكلبية زوجة الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وأم الخليفة يزيد بن معاوية.
هذا الارتباط العائلي منح القبيلة نفوذًا مباشرًا في صناعة القرار السياسي وجعلها طرفًا أساسيًا في الصراع الشهير بين القيسية واليمنية. حيث وقفت بني كلب في صف التحالف اليماني، ولعبت أدوارًا عسكرية حاسمة في تثبيت الحكم الأموي في مراحل دقيقة.
الحضور الاجتماعي والثقافي
لم يقتصر دور بني كلب على السياسة والحرب فقط، بل امتد إلى الحياة الاجتماعية والثقافية. فقد عرف عن أبنائها الفصاحة والشعر، كما أسهموا في نقل تقاليد البادية الشامية إلى داخل المدن التي استقروا فيها لاحقًا. ولا تزال بعض العشائر الكلبية تحافظ حتى اليوم على موروثها القبلي في سوريا والأردن.
في هذا السياق، يقول الدكتور عبد الرحمن الحاج، الباحث المتخصص في تاريخ القبائل العربية، إن قبيلة بني كلب تمثل نموذجًا فريدًا للقبيلة التي استطاعت التكيف مع التحولات الكبرى في المنطقة. من الجاهلية إلى الإسلام، ثم من البداوة إلى التأثير السياسي المباشر، دون أن تفقد هويتها أو مكانتها.
ويضيف الحاج أن فهم تاريخ بني كلب يساعد على قراءة أعمق لطبيعة الصراعات والتحالفات التي شكّلت خريطة الشرق الأوسط في القرون الأولى.



