قبائل و عائلات

قبيلة آل مرة في الخليج العربي: من حياة الصحراء إلى حضور الدولة الحديثة

أسماء صبحي – تعتبر قبيلة آل مرة من أعرق القبائل العربية التي تمتد جذورها في عمق التاريخ الخليجي. إذ تنتشر فروعها بين المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين. وتمثل هذه القبيلة نموذجًا حيًا للتحولات التي مرت بها المجتمعات البدوية في المنطقة من حياة الترحال والرعي إلى المشاركة الفاعلة في مجالات الاقتصاد والسياسة الحديثة.

أصول قبيلة آل مرة

تنحدر القبيلة من قبائل يام القحطانية ويرجع نسبها إلى قحطان، أحد أشهر أصول القبائل العربية القديمة في الجزيرة. وقد عرفت القبيلة منذ القدم بحكمتها وشجاعتها واستقلاليتها وارتبط اسمها بالبادية الواسعة الممتدة بين جنوب شبه الجزيرة العربية وشرقها. وعاش أبناؤها لعقود طويلة حياة الترحال متنقلين بين الربع الخالي وصحراء الدهناء بحثًا عن الماء والكلأ. وهو ما أكسبهم قدرة كبيرة على التكيّف مع أقسى الظروف الطبيعية.

كانت القبيلة تعتمد على الإبل والرعي كمصدر رئيسي للعيش، كما برع أفرادها في التجارة بين مناطق الجزيرة والخليج خاصة في فترات ازدهار الطرق القافلية القديمة. ومع تطور المجتمعات الخليجية الحديثة، بدأت القبيلة تنتقل تدريجيًا من نمط الحياة الصحراوية إلى المدن. لكنها احتفظت بقيمها الأصيلة ومكانتها الاجتماعية الرفيعة.

الانتشار الجغرافي في الخليج العربي

تتوزع القبيلة اليوم على خمس دول خليجية رئيسية:

  • في المملكة العربية السعودية: يشكل أفراد القبيلة جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي في المنطقة الشرقية والجنوبية. خصوصًا في مناطق نجران والأحساء والربع الخالي.
  • في قطر: تعد من أبرز القبائل التاريخية التي سكنت الدولة قبل قيامها الحديث. وكان لها حضور فعّال في الشؤون القبلية والاجتماعية.
  • في الإمارات والكويت والبحرين: توجد فروع من القبيلة ساهمت في النشاط التجاري. واستقرت في المناطق الساحلية مما منحها دورًا في العلاقات بين دول الخليج.

هذا الانتشار الواسع جعل من آل مرة واحدة من أكثر القبائل الخليجية تواصلاً عبر الحدود. إذ ترتبط العائلات الممتدة بروابط دم ومصاهرة قوية بين الدول المختلفة مما يعزز وحدة الهوية الخليجية المشتركة.

الهوية القبلية ودورها الاجتماعي

تحافظ قبيلة آل مرة على هويتها القبلية الأصيلة من خلال عاداتها وتقاليدها التي تُورّث عبر الأجيال. فالولاء للأسرة والعشيرة والتمسك بالقيم العربية مثل الكرم والشجاعة والصدق من أهم السمات التي تميز أبناء القبيلة. كما تشتهر المجالس المرية (نسبة إلى آل مرة) بكونها أماكن للصلح وحل النزاعات. مما يعكس الدور الاجتماعي التقليدي للقبيلة كمؤسسة للوساطة والإصلاح.

في الوقت نفسه، لم تقف القبيلة عند حدود الماضي بل شارك أبناؤها في بناء الدولة الحديثة من خلال تولي مناصب قيادية في المجالات العسكرية والإدارية. والمساهمة في التنمية الاقتصادية والتعليمية. وقد ساعد التعليم والانفتاح على انخراط الجيل الجديد من أبناء القبيلة في الوظائف الحكومية والقطاع الخاص دون التخلي عن انتمائهم وهويتهم القبلية.

التحولات الاقتصادية والسياسية

مع الطفرة النفطية في الخليج خلال منتصف القرن العشرين. شهدت قبيلة آل مرة تحولات عميقة في نمط حياتها. فبعد أن كانت تعتمد على الرعي والتجارة البسيطة أصبح العديد من أفرادها يمتلكون مشروعات اقتصادية واستثمارات متنوعة في مجالات التجارة والعقارات والطاقة. وأسهم هذا التحول في رفع مستوى المعيشة وتعزيز المكانة الاقتصادية للقبيلة في المجتمع الخليجي.

سياسيًا، لعبت القبيلة أدوارًا مختلفة في تاريخ دول الخليج خاصة في مرحلة بناء الكيانات الوطنية الحديثة. ورغم بعض التوترات التي شهدتها العلاقة بين بعض فروع القبيلة والحكومات في مراحل معينة فإنها ظلت جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني في كل دولة. ويؤكد ذلك أن الهوية القبلية لا تتعارض بالضرورة مع الولاء الوطني، بل يمكن أن تكون داعمة له حينما تدار العلاقات بشكل متوازن يحترم الخصوصية الاجتماعية.

ويقول الدكتور خالد الحارثي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الخليج العربي، إن قبيلة آل مرة تعد نموذجًا فريدًا لتحولات البنية القبلية في الخليج. فقد استطاعت أن تواكب التغيرات الاقتصادية والسياسية دون أن تفقد هويتها. سر قوة القبيلة يكمن في تماسكها الداخلي، وفي قدرتها على التكيف مع الدولة الحديثة مع الاحتفاظ بروح الجماعة التي تميّز المجتمع البدوي.

ويضيف الحارثي: “المستقبل القبلي في الخليج لن يختفي بل سوف يعيد تشكيل نفسه ضمن منظومة مدنية أكثر مرونة. تكون فيها القبيلة جزءًا من الهوية الوطنية وليست منافسًا لها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى