قبيلة بني الأحمر في الأندلس.. حراس آخر الممالك الإسلامية
أسماء صبحي – تاريخ الأندلس زاخر بالقبائل العربية التي لعبت أدوارًا مختلفة في تشكيل ملامح الحضارة الإسلامية في شبه الجزيرة الإيبيرية. ومن بين هذه القبائل برزت قبيلة بني الأحمر التي حملت على عاتقها مهمة الدفاع عن الهوية الإسلامية في وجه التحديات الكبرى. وأسست مملكة غرناطة التي صمدت ما يقرب من قرنين ونصف قبل أن تسقط عام 1492. وقد ارتبط اسم هذه القبيلة بالقصور، بالعلم، وبالفن، وبالأندلس في لحظاتها الأخيرة التي سبقت سقوطها، ما جعلها رمزًا لمرحلة مفصلية في التاريخ.
أصول قبيلة بني الأحمر
تنحدر القبيلة من الخزرج بالمدينة المنورة وهم من الأنصار الذين ناصروا الرسول محمد ﷺ. واستقر بعض أبنائهم في المغرب العربي ثم انتقلوا إلى الأندلس مع جموع الفاتحين والمهاجرين. وتميزوا بمكانتهم الاجتماعية ونسبهم الشريف وهو ما أعطاهم نفوذًا مميزًا بين القبائل العربية الأخرى. ومع تراجع الدولة الموحدية وضعف السيطرة المركزية ظهر بنو الأحمر كقوة صاعدة ملأت الفراغ السياسي وأسست لحكم جديد.
تأسيس مملكة غرناطة
مع تفكك الأندلس إلى ممالك طوائف وضعف المسلمين أمام القوى المسيحية. نجح محمد بن يوسف بن نصر الأحمر المعروف بـ”ابن الأحمر” في إعلان نفسه سلطانًا على غرناطة عام 1232. ومنذ ذلك الوقت تأسست مملكة بني الأحمر التي امتدت لأكثر من قرنين ونصف. وهذه المملكة لم تكن مجرد كيان سياسي بل تحولت إلى ملاذ لكل من فرّ من المناطق التي سقطت بيد القشتاليين والأراغونيين.
الإنجازات الحضارية
على الرغم من ظروف الحروب المستمرة، إلا أن بني الأحمر نجحوا في بناء واحدة من أروع الحواضر الإسلامية. وشيدوا قصر الحمراء الذي أصبح رمزًا عالميًا للفن الإسلامي والأندلسي. وازدهرت الفنون والعلوم والآداب في عهدهم، حيث احتضنت غرناطة العلماء والشعراء مثل لسان الدين بن الخطيب وابن زمرك. بالإضافة إلى تطورت أنظمة الري والزراعة لتصبح غرناطة جنة خضراء تنتج أجود المحاصيل وتصدرها إلى أوروبا.
التحديات والصراعات
لم يكن طريق بني الأحمر مفروشًا بالورود، فقد عاشوا بين مطرقة الممالك المسيحية في الشمال، وسندان الخلافات الداخلية بين المسلمين. واعتمدوا في أحيان كثيرة على سياسة التحالف مع قشتالة أو دفع الجزية مقابل الحفاظ على استقلالهم. وهذه السياسة التي وصفت بالبراغماتية ساعدت على بقاء المملكة قرونًا طويلة لكنها في الوقت نفسه أضعفت صورتهم أمام بعض القوى الإسلامية.
السقوط ونهاية حكم قبيلة بني الأحمر
مع نهاية القرن الخامس عشر، اشتدت الحملات المسيحية بقيادة الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيزابيلا. وبعد حصار طويل سقطت غرناطة في الثاني من يناير عام 1492 حين سلم أبو عبد الله محمد الصغير مفاتيح المدينة. وكان هذا الحدث نهاية حكم بني الأحمر وبداية مرحلة جديدة من التاريخ الأوروبي وانطواء صفحة مشرقة من التاريخ العربي الإسلامي.
الإرث والتأثير
ترك بنو الأحمر إرثًا ثقافيًا ومعماريًا ما زال قائمًا حتى اليوم. قصر الحمراء مثال على عبقرية الفن الإسلامي الذي اندمج مع الطبيعة والتكنولوجيا في ذلك العصر. كما أن تأثيرهم في الزراعة والعلوم ظل حاضرًا حتى بعد سقوط المملكة. وقد تحولت غرناطة إلى رمز عالمي للهوية الإسلامية في الأندلس وللقدرة على الصمود في وجه التحديات.
ويقول الدكتور أحمد الشناوي، أستاذ التاريخ الأندلسي بجامعة القاهرة، إن قبيلة بني الأحمر لم تكن مجرد أسرة حاكمة في الأندلس بل كانت آخر درع حمى الهوية الإسلامية هناك. لقد قدموا نموذجًا مميزًا في الجمع بين السياسة والثقافة والفن وما خلفوه من إرث مثل قصر الحمراء لا يزال شاهدًا حيًا على دورهم في التاريخ.



