قبيلة بني الأشعر في الأندلس.. تاريخ عريق وإرث حضاري ممتد
أسماء صبحي – على مدى قرون طويلة لعبت القبائل العربية دورًا محوريًا في صناعة تاريخ الأندلس وبناء حضارتها الزاهرة. ومن بين هذه القبائل برزت قبيلة بني الأشعر التي عرفت بأصولها القحطانية المنحدرة من اليمن. واستطاعت أن تترك بصمة واضحة في المجتمع الأندلسي منذ وصولها بعد الفتح الإسلامي وحتى أفول الحكم العربي هناك.
أصول قبيلة بني الأشعر
تنحدر القبيلة من اليمن وتنتمي إلى القبائل القحطانية الشهيرة التي عرف أبناؤها بالعلم والفقه والجهاد. وقد ارتبط اسمها بالصحابي الجليل أبو موسى الأشعري الذي كان من أبرز رجالات الإسلام في صدر الدعوة. مع توسع الفتوحات الإسلامية ووصول العرب إلى شمال أفريقيا ثم إلى الأندلس في القرن الثامن الميلادي. وشارك أبناء القبيلة في الفتح، ثم استقر بعضهم في مدن عدة مثل مالقة وإشبيلية، حيث اندمجوا سريعًا في المجتمع الجديد وأسهموا في تشكيل ملامحه.
دورهم في المجتمع الأندلسي
لم يكن وجود بني الأشعر في الأندلس مجرد استيطان عابر، بل كان حضورًا مؤثرًا في الحياة السياسية والعلمية والاجتماعية. فقد أسهم أبناؤهم في نشر التعليم الديني، وإقامة المساجد، وتولوا مناصب في القضاء والإدارة. كما أن وجودهم ساعد على الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية في مواجهة تيارات متعددة من بربر ومولدين وعناصر أخرى شكلت فسيفساء الأندلس.
النشاط العلمي والثقافي
عُرف عن بني الأشعر اهتمامهم بالعلم والدين، فبرز منهم فقهاء وأدباء أسهموا في إثراء المكتبة الأندلسية. وقد اشتهر بعض أفرادهم بالمشاركة في حلقات العلم، ونقلوا مؤلفات من المشرق إلى المغرب مما جعلهم جسورًا للمعرفة بين الحضارات. كما كان لهم حضور في الشعر والأدب، حيث ساعدوا في ترسيخ العربية كلغة رسمية للعلم والثقافة في الأندلس.
التحديات التي واجهتهم
على الرغم من دورهم الكبير، واجهت قبيلة بني الأشعر جملة من التحديات المعقدة التي أثرت على مكانتها. وأول هذه التحديات كان الصراع القبلي بين اليمنيين والقيسيين، والذي انعكس على الوضع السياسي في الأندلس، وأدى إلى انقسامات داخلية أضعفت وحدة العرب.
كما واجهت القبيلة منافسة قوية من القبائل البربرية التي كان لها نفوذ واسع في مناطق الريف والجبال. ومع مرور الوقت، ظهرت تحديات أخرى مرتبطة بالتغيرات السياسية المتسارعة مثل سقوط الخلافة الأموية في قرطبة، وصعود ملوك الطوائف. ثم قدوم المرابطين والموحدين الذين فرضوا سيطرة جديدة قلصت من نفوذ القبائل العربية.
أثرهم في السياسة
رغم أنهم لم يؤسسوا دولة طائفية مستقلة كما فعلت بعض القبائل الأخرى، إلا أن بني الأشعر كان لهم حضور مهم في الموازين السياسية. فقد كانوا جزءًا من التحالفات القبلية التي أثرت في مسار الحكم خلال فترات الاضطراب. وفي بعض المدن، لعبوا دورًا في دعم الحكام المحليين أو التوسط في النزاعات، وهو ما جعلهم عنصرًا فاعلًا في الساحة السياسية.
الإرث الحضاري والثقافي
إرث بني الأشعر لم يقتصر على السياسة أو الصراعات، بل امتد ليشمل الحياة اليومية والثقافة العامة. فقد ساعدوا في تعريب المجتمع الأندلسي، وساهموا في نشر التقاليد العربية من الشعر والموسيقى واللغة، وكان لهم حضور في الاحتفالات الدينية والاجتماعية. كما أن بعض الأنساب الأندلسية الشهيرة تعود جذورها إلى بني الأشعر. مما يعكس مدى اندماجهم في المجتمع المحلي واستمرارية تأثيرهم عبر الأجيال.
ويقول الدكتور فؤاد الخولي، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة غرناطة، إن قبيلة بني الأشعر كانت من بين المكونات الأساسية التي أسهمت في بناء الحضارة الأندلسية. فقد حملت معها إرثًا عربيًا وإسلاميًا أصيلًا، واستطاعت أن تزرع هذا الإرث في مجتمع متنوع الأعراق والثقافات. ورغم التحديات والانقسامات، بقي تأثيرهم حاضرًا في العلم والسياسة والدين حتى المراحل الأخيرة من الحكم العربي في الأندلس.



