كنيسة المسيح في القدس: أول معلم بروتستانتي في المدينة المقدسة
تعد كنيسة المسيح في القدس أول كنيسة بروتستانتية في الشرق الأوسط، حيث تقع داخل أسوار البلدة القديمة بالقرب من باب الخليل، قبالة قلعة العسكر العثماني. تأسست هذه الكنيسة في النصف الأول من القرن التاسع عشر بدعم من “جمعية لندن لتعزيز المسيحية بين اليهود”، وافتتحت أبوابها رسميًا عام 1849، لتصبح رمزًا للنشاط التبشيري والبروتستانتي في المدينة المقدسة.
جذور تاريخية وأهداف تبشيرية
قادت الجمعية المذكورة في عشرينيات القرن التاسع عشر جهودها تحت إشراف سياسيين بارزين مثل اللورد بالمرستون، مركزة على تحويل اليهود إلى البروتستانتية تمهيدًا لما اعتقدوا أنه شرط لعودة المسيح إلى القدس. دعمت هذه الرؤية مشاريع استيطانية تضمنت شراء أراضٍ وتوظيف اليهود في الزراعة والمهن المختلفة.
النفوذ البريطاني والتوسع البروتستانتي
عزز البريطانيون نفوذهم في المدينة مع تأسيس أول قنصلية أجنبية في القدس عام 1838، وذلك من خلال مشاريع مختلفة، منها إنشاء مطرانية أنجليكانية عام 1842 بقيادة المطران مايكل سولومون ألكسندر، الذي كان حاخامًا يهوديًا قبل اعتناقه البروتستانتية. كما أسس المستوطنون البريطانيون مؤسسات زراعية واستيطانية بإدارة شخصيات بارزة مثل جون مشولم، الذي وظف اليهود المحليين للعمل في أراضيه بالقرب من بيت لحم.
المصالح البريطانية والدوافع التبشيرية
عززت بريطانيا دورها في الشرق الأوسط بعد الغزو الفرنسي لمصر وتمرد محمد علي باشا في سوريا الكبرى، حيث سعت إلى إنشاء مجتمع بروتستانتي تحت حمايتها في فلسطين. كان بناء كنيسة المسيح جزءًا من استراتيجية أوسع للتوسع البريطاني في المنطقة، على غرار دعم فرنسا وروسيا للطوائف الكاثوليكية والأرثوذكسية.
بتضافر الجهود بين المنظمات التبشيرية البريطانية والدبلوماسيين البارزين، ومع الضغط المستمر على الإمبراطورية العثمانية، تم بناء كنيسة المسيح كأول معلم بروتستانتي في القدس والشرق الأوسط، لتكون نقطة انطلاق للمشاريع التبشيرية والسياسية التي استهدفت المنطقة.
تمثل كنيسة المسيح اليوم شاهدًا على مرحلة مهمة من تاريخ القدس، حيث تقف كرمز للتوسع البروتستانتي والنفوذ البريطاني في المنطقة، ما يجعلها معلمًا دينيًا وثقافيًا فريدًا يعكس تقاطع الدين والسياسة في قلب المدينة المقدسة.